قد يكون قدر الشرق الأوسط هو الأتعس بين الأقدار التي حددتها الجغرافيا ورسخها التاريخ، فمنذ فجر الحضارات عرفت الأرض الممتدة بين جبال زاغروس غرباً إلى المتوسط شرقاً بأنها أنشط المناطق مدنياً وحضارياً، وهي الأسرع في نشوء الحضارات وظهور الممالك والأمم وفنائها، حتى أن الأساطير التي تحدثت عن بداية الزمان ربطته بذاك الهلال الخصيب، ومن مفارقات القدر أن نفس الأساطير تحدثت أن أخر عهد الإنسان بهذه الدنيا سيكون على هذه الأرض.
فمن سهل مجيدو في فلسطين جنوباً، والذي اعتبر أرض المعركة الحاسمة في أساطير كتب اليهود والمسيحيين، إلى دابق شمالاً التي اعتبرت أرض المعركة الفاصلة في الأحاديث النبوية الشريفة.
فمن جلجامش يرثي رفيق دربه انكيدو في بحر الرقم، التي تروي قصة بحثه وشغفه بالخلود، إلى إبراهيم الخليل والجحيم التي بنيت بغيض لا حدود له، لحرق الحقيقة قبل جسده، والتي تحولت إلى برد وسلام، إلى السومريين ثم الساميين من العرب وأبناء عمومتهم، الذين حكموا هذه الأرض منذ بداية الخليقة، من أشوريين وبابليين وكلدانيين وأراميين، لتكون تلك الأرض ساحة صراع بين الامبراطوريات الفارسية والإغريق، حتى دخلها الاسكندر الأكبر، ثم لتعود ساحة صراع بين الفرس الساسانيين، والبيزنطيين وقبلهم الروم، فمن الملك العربي أذينة وزوجته زنوبيا إلى المعارك والحروب بالوكالة بين الغساسنة والمناذرة، الذين رسخ ملكهم بملك أقوى إمبراطوريتين في ذاك الزمان، وما اشبه اليوم بالبارحة.
ليعود المسلمون الأوائل ويعيدوا فتح الأرض، ويصلحوا مجرى التاريخ ويعيدوه سيرته الأولى، فمن القادسية تمزق فيها شراذم الساسانيين إلى أبد الآبدين، إلى اليرموك يتنصر بها العدل على السيف، وبعد الخلافة الراشدة، تقوم دولة بني أمية، لؤلؤة العرب ودرة تاج رياستهم، ليضيفوا جمالاً وأبهة لهذه الأرض، ويزيدوا الطامعين فيها حتى رويت عنها القصص والحكايا، فكانت أنهار العسل واللبن والأرض المفروشة بالذهب، وريقات وحكايات في قصص لكتاب ألف ليلية وليلة، الذي جعل تلك الأرض حلماً لكل من سار على قدمين.
بعد بني أمية، جاءت دولة بني العباس فزادوا صرحاً فوق صرح، حتى إذا ما دار الزمان دورته، ونقلت الرياسة من العرب إلى الترك وأبناء عمومتهم، وجاء المغول الذين عزفوا عن متابعة طريقهم نحو أوربا وصقيعها، وانعطفوا نحو أرض الشمس والذهب، والذين مُزقت جيوشهم في عين جالوت، بعد أن أحرقوا مدناً يعاد إحراقها اليوم، فمن السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، إلى المظفر قطز وبعدهما قلاوون، ثلاثة رجال يثبتون أن هذه الأرض جعلت كوعاء خلط كبير مزجت فيه خلاصة الأمم، فكانت أعظم الجيوش وأعظم الملاحم والتي تعاد سيرتها الأولى في حرب عرفت بدايتها ولا تعرف نهايتها.
وبعد خمسمائة عام من قراءة "ألف ليلة وليلة" في صقيع أوربا، جاء الصليبيون بسيوفهم العريضة ودروعهم اللامعة، التي كانت وبالاً عليهم وهم يعبرون القفار نحو حطين.
ثم تدخل جيوش العثمانيين مدنها المشرعة الأبواب، وتكسر شوكة نابليون بونابارت على أسوار عكا، لتكون هزيمته في واترلوا على يد بريطانيا أصداء لهزيمته على أسوار عكا.
وتذوق بريطانيا الهزيمة نفسها في كوت العمارة على يد العثمانيين، ثم يرسم سايكس وبيكو حدوداً لدول ستصبح في ما بعد مستعمرات بريطانية وفرنسية، بعد أن رفض السلطان عبد الحميد بيع فلسطين، وبعدها بعقود من الديكتاتوريات تعود أمريكا لتدخل المنطقة من بابها الأوسع.
داريوس يستيقظ من جديد
مع وصول الخميني إلى الحكم في إيران بعد ثورة دموية مدعومة غربياً، بدأت خطواته الأولى لنشر ثورته بالهجوم على العراق، تلك الحرب التي انتهت بعد تجرع الخميني لكأس السم ومليون ونصف قتيل على الأقل وملايين الجرحى والمشوهين من الإيرانيين، حيث كان العراق البلد الذي ينوي الخميني السيطرة عليه بعد حلفه الوثيق مع حافظ الأسد، الذي كان ينتظر وصول الدبابات الإيرانية بفارغ الصبر إلى الحدود السورية العراقية، ليعلن سوريا محافظة تابعة لإيران ويسلم الخميني قطعة مهمة على شاطئ المتوسط حلم بها داريوس قبل قرون طويلة، لتستمر العلاقة بين إيران ونظام الحكم في سوريا الذي تحول إلى ألعوبة بيدها بعد وصول الوريث القاصر إلى الحكم، والذي بدأ في عهده الاحتلال الأول لسوريا.
الاحتلال الأول
ينطبق مفهوم المستعمرة الذي كان وثيق الصلة بالمناطق في أفريقيا وأمريكا اللاتينية على سوريا في عهد الأسد الابن، فكل ثرواتها ومقدراتها وسكانها مسيرون في سبيل خدمة البلد المحتل طوعاً أو قسراً، فالاقتصاد تحول إلى تابع للاقتصاد الإيراني، حيث أصبحت سوريا مكباً للبضائع الإيرانية السيئة جداً، إلى العتاد العسكري التعيس الذي بدأ بالتدفق على جيش النظام، وأصبح للإيرانيين موطئ قدم في معظم القواعد العسكرية الهامة في سوريا، والمسؤولة على الأسلحة الاستراتيجية، وبخاصة الصواريخ الباليستية، كما في معامل الدفاع في السفيرة بريف حلب والقطيفة واللواء 155 بريف دمشق.
ليتحول هذا الشكل من التغلغل الاقتصادي والعسكري الخفي إلى تدخل فاضح وعلني، مع بداية انتشار القواعد العسكرية الإيرانية في سوريا والتي بدأت بالظهور تدريجياً مع تطور المعارك، وتزايد أعداد القوات الإيرانية والميليشيات الأفغانية في سوريا، والتي تعاني من سطحية الإعداد والحاجة الكبيرة للتدريب الذي تتلقاه في معسكرات تكاد تخلو من جيش النظام، وتعتبر قواعد إيرانية في سوريا بامتياز.
إضافة لتحول الكثير من القرى والمناطق الشيعية في سوريا إلى ما يمكن اعتباره كانتونات إيرانية في سوريا، تعمل بارتباط مباشر مع إيران ولا يوجد للنظام القدرة على السيطرة عليها، وقد تمثل "نبل والزهراء" بريف حلب الشمالي مثالاً عليهما وكذلك حي السيدة زينب في قلب دمشق، وغيرهما كثير مثل كفريا والفوعة بريف إدلب.
فميليشيا حزب الله لديها مقراتها الخاصة أسوة بميليشيا فاطميون وزينبيون، والألوية الشيعية العراقية، والتي تعمل بشكل مستقل عن عمل قوات النظام ولها السلطة عليه، ويعتبر عنصر حزب الله أثمن من أي عنصر من جيش النظام، حتى لو كان ضابطاً برتبة عالية، ويمنع عناصر حزب الله جنود النظام من الدخول لمراكزهم إلا بإذن، ما يرسخ فكرة عدم تبعية هذه المقرات لجيش النظام.
فعلياً تتجنب القوات الإيرانية الحصول على مقرات منعزلة تماماً، وتميل للحصول على أجزاء خاصة ضمن تجمعات قوات النظام، بهدف حمايتها وعدم جعلها أهدافاً واضحة مهمة، وينطبق هذا على المطارات، مثل مطار التيفور الذي تمتلك مقراً فيه، ومطار الشعيرات كذلك بريف حمص.
كما أنها تستخدم قواعد قوات النظام في تشكيل طوق دفاعي حول قواعدها ومراكزها، مثل مقرها في أكاديمية الهندسة العسكرية بحلب أو مقرها بالقرب من مطار دمشق الدولي، والمحاطين بالعديد من القطع العسكرية وحواجز النظام.
القيصر على المتوسط
منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وتغير العلاقة بين النظام وروسيا من علاقة انتفاع متبادلة، إلى علاقة أخرى تحول فيها النظام من (شبه حليف) غير موثوق، إلى مجرد زبون تنطبق عليه شروط السوق، الأمر الذي يثبته عدم حصول النظام على أي طائرة لما يزيد على العشرين عاماً، واتجاهه نحو الصين في الحصول على العتاد العسكري، وبخاصة في مجال الإلكترونيات.
ثم وبعد الاستفراد الإيراني بالساحة السورية لأربع سنوات، دخلت روسيا فجأة إلى المنطقة، ربما في محاولة لمنع انهيار النظام، الذي كان يترنح بشدة رغم الدعم الروسي والإيراني الكبير.
لتظهر أول قاعدة عسكرية روسية في مطار حميميم، والتي تحولت الآن إلى أرض روسية بشكل رسمي بعد أن ظهرت على محيطها أعمدة ترسيم الحدود الروسية.
الأمر المختلف بين التدخل الروسي والإيراني هو صك الملكية الذي وقع عليه الأسد للروس، والذي أعطاهم بموجبه قاعدة حميميم، التي أصبحت منطلق الضربات الجوية الروسية، ما حسّن وضع قواته إلى حين.
بعد حميميم، ظهرت الطائرات الروسية وبخاصة المروحية منها، والتي يحتاجها الروس قبل النظام في معارك الصحراء في وسط سوريا في أكثر من قاعدة جوية، سواء مطاري الشعيرات والتيفور واللذين أصبحا قاعدتين لانطلاق الحوامات الروسية إلى الخطوط القتال المشتعلة شرقي حمص ضد تنظيم "الدولة".
لكن الروس لم يخلو القاعدتين من جنود النظام بسبب موقعهما المتطرف والصحراوي، والحاجة الكبيرة لقوى مدافعة عنها، ما جعلهم يضطرون لإبقاء النظام في القاعدين وكذلك الايرانيين.
ثم ومع التوتر مع تركيا، بعد إسقاط الطائرة الروسية، قرر الروس الحصول على قاعدة عسكرية أخرى شمالي شرق سوريا، الأمر الذي دفعه بقوة تحالفهم مع الميليشيات الكردية، وافتتاح ممثلية للإدارة الذاتية -التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني- في موسكو.
حيث عملت روسيا على تحويل مطار القامشلي إلى قاعدة لها، حتى لو بشكل جزئي مكررة فكرة الحاجة لقوات النظام والميليشيات الكردية للدفاع عنه، بحكم طبيعة المنطقة المختلفة عن حميميم، الذي يقع في قلب منطقة يسيطر عليها النظام تماماُ، ويتحكم بجميع تفاصيلها.
لتحصل روسيا على عدة قواعد عسكرية معروفة، وعدد غير معروف من القواعد العسكرية التي تخدم المصالح الروسية، كقواعدها في تدمر وسلمى وغيرها من المواقع التي تملك القوات الروسية فيها الكلمة الأولى والأخيرة.
"العم سام"
بعد روسيا دخلت أمريكا إلى المنطقة بعد الدعم الجوي الهائل الذي قدمته للميليشات الكردية في معركة عين العرب، تلك المدينة التي مسحت تماماً بهدف "تحريرها"، وبعد تقدم الميليشيات الكردية وتكوينها لنطاق آمن معقول من ناحية المساحة، وضعت أمريكا بذرة أول قواعدها الجوية في سوريا، في منطقة الرميلان والتي وسعت فيها المطار الذي تحتويه مسبقاً، وحولته لمطار مناسب لهبوط طائرات الشحن العسكري، والتي تحمل الدعم العسكري الغير مسبوق للميليشيات الكردية، التي أضحت الحليف المفضل للجميع بما فيهم نظام الأسد، وتبدأ بعدها ببناء قاعدة ثانية جنوبي عين العرب، لتصبح هذه القاعدة، الأمريكية الثانية في سوريا.
فرنسا وألمانيا
مع تعقد المعارك واتساع رقعتها وتزايد الحاجة للدعم الجوي، ومع المتغيرات التي حصلت في المنطقة، بدأت عدة دول المشاركة بالتحالف الدولي لقتال تنظيم "الدولة" عبر إنشاء قواعد عسكرية لها في سوريا، واختلفت هذه القواعد بين قواعد جوية، وقواعد أخرى متعددة الأغراض.
ففرنسا حصلت على قاعدة عسكرية بالقرب من عين العرب، على هضبة مرتفعة تطل على المدينة، والتي تعتبر قاعدة مميزة في المنطقة، وكذلك ألمانيا، وجميع هذه القواعد الغربية تقع لحد اللحظة ضمن المنطقة التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية.
حليف مطيع
تتركز القواعد الأجنبية في سوريا في المنطقتين، التي يسيطر عليها النظام وتلك التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، حيث يعرف حجم التنازلات التي قدمها النظام للروس، خلال إنشاء هذه القاعدة والذي أعطاهم بموجبها قطعة من الأراضي السورية، والتي تعتبر جريمة خيانة عظمى، يجب محاكمة الأسد عليها وإعدامه بموجب القانون السوري.
أما لم يظهر لحد اللحظة طبيعة ونوع التنازلات التي قدمها الأكراد للغرب مقابل الحصول على هذه القواعد، وخاصة أنهم يسعون لتحويل الأراضي التي يحتلونها إلى دولة قومية لهم، لكن لا يتوقع أن تختلف كثيراً عن تنازلات الأسد لروسيا.
فالمنطقة غنية بالثروات التي تبدأ بالبترول ولا تنتهي عند القمح والقطن، مروراً بالموقع الاستراتيجي الهام، والذي تعني السيطرة عليها إضعاف الحاجة للقواعد العسكرية الغربية في الخليج وتركيا، فالموقع المتوسط والحرية في التصرف والحركة، والسيطرة الكاملة على القيادة السياسية في المنطقة، تجعل الغرب يفكر جدياً بالتوسع في تشكيل قواعد عسكرية في سوريا.
الاستقواء بالآخرين
يعجز كلٌّ من النظام والميليشيات الكردية عن القتال بمفردهما، فبمجرد توقف الدعم الجوي عن قوات النظام فإنها ستنهار في منطقة واسعة، على الرغم من تعدادها الكبير والتسليح الواسع الذي تملكه، ومع ذلك فقد خسرت الكثير من المواقع خلال فترات انخفاض سوية الدعم الجوي الروسي لها.
أما الميليشيات الكردية فسيكون وضعها مأساوياً بشكل أكبر، فهي لا تمتلك طيف الأسلحة الواسع الذي يمتلكه النظام، وتعدادها ضئيل مقارنة بتعداد النظام في أي منطقة وهي منتشرة على مساحات جغرافية واسعة، ما يجبرها على التمسك بهذه القواعد الغربية بأي شروط وبأي ثمن، فزوال الدعم الجوي عن الميليشيا الكردية يعني حكماً انهياراً سريعاً لقواتها، وخسارتها لمعظم الأراضي التي تسيطر عليها الآن.
ما يعني الحاجة الماسة لاستمرارية وجود هذه القواعد العسكرية، تحت أي شروط.
ما يحول سوريا وبالأصح المناطق التي تسيطر عليها هاتين القوتين إلى كعكة كبيرة حرفياً، فالقواعد العسكرية ليست مؤسسات خيرية وليس من المنطق أن تحصل على دعم جوي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات كبادرة حسن نية، أو دعما للديموقراطية، أو لدعم محور المقاومة والممانعة!
فالجيوش تحولت إلى شركات استثمارية، تنفذ أوامر الحكومات، ما يعني ببساطة أن الدول التي وضعت هذه القواعد لن تتركها، حتى تحصل على التكلفة الكاملة لعمليتها العسكرية مدعمة بالأرباح.
وخصوصاً أن النظام مثلاً اقترض عدة مليارات من الدولارات من إيران وروسيا تحت عدة بنود ومسميات، منها صفقات الأسلحة والقروض وغيرها، وتكاليف الحملة الجوية الروسية.
حيث سيكون أمام هذه الدول عدة طرق لتحصيل مستحقاتها ومكاسبها، لا تخرج عن الإطار المتعارف عليه للدول التي تمتلك مستعمرات.
فبداية بالحفاظ على وحدة هذه المناطق واستثمار ثرواتها، أو التقسيم الذي يسعى إليه الأكراد بشدة، ولكنه فعلياً يصطدم بعدم رضى النظام وروسيا وإيران عنه، فعملية التقسيم مضرة للنظام الذي سيفقد معظم حقول النفط والغاز ومصادر القمح، ما يجعله في ضائقة مالية واقتصادية كبيرة، ويؤثر على داعميه اللذين يريدون ضمانات الحصول على مستحقاتهم.
ما يبعد نوعاً ما فكرة التقسيم خلال المدى المنظور القريب، ويدفع لوضع أشبه بالعراق، حيث هناك دولتان فعلياً، لكنها ظاهريا دولة واحدة، وتعجز الدولة الكردية عن الانفصال بسبب انعدام الشروط الكافية لذلك.
لا يوجد جواب محدد على السؤال حول المدة الزمنية التي ستبقى فيها هذه القواعد في المنطقة، لكن يكفي أن نعرف أن أمريكا ما تزال تحافظ على قواعدها في اليابان وكوريا الجنوبية، رغم نهاية الحرب هناك منذ ستين عاماً على الأقل، والتي انتهت الحروب التي دفعت لبنائها منذ عقود.
يمكن القول أن القواعد الغربية في المنطقة وحتى الروسية ستبقى لفترة طويلة تمتد لعقد على الأقل، فأهمية المنطقة جغرافياً وعسكرياً واقتصادياً، والتغيرات التي ستحدث مع بداية الهجوم الإيراني على الخليج ستدفع أمريكا خصوصاً للحفاظ على وجود قوي لها في شمالي سوريا.
حيث تحول الأسد والأكراد إلى الشريكين الأفضل في المنطقة، ما يعني أن هذه القواعد سوف تثبت وضعهما وتدعم وجودهما، وتسمح بحالة الدولة المشابهة للعراق في سوريا، ولاحقاً قد تكون مقدمة التقسيم، الذي قد يدفع للواجهة كأفضل حل للحفاظ على ما تبقى من سوريا!
فتلك القواعد قائمة على أراضي لا تزال تتبع قانونياً ودولياً لسلطة الأسد، ما يعني وجود دور له في أي صفقة تتعلق بها حتى لو كان التسليم فقط.
فالنظام لم يقدم على أي تصرف قانوني ضد هذه القواعد، ما يعني ضمنياً موافقته على قيامها، وحتى قد يكون من ضمن المشمولين بصفقات هذه القواعد مقابل المحافظة على حكمه.
احتلالات بالجملة
مع توافد القوى الاجنبية وما بنته من قواعد عسكرية في سوريا، انتقلت سوريا من حالة المستعمرة الايرانية التي كانت قبل الحرب، والتي أوشك الثوار على إنهائها، إلى حالة الدولة المحتلة من قبل مجموعة دول، لكن هذه الدول غيرت النموذج المعتاد للاحتلال العسكري المباشر، بالاحتلال العسكري بقوى محلية تتبع وتسير من قبلها، في محاولة لتجنب الخسائر البشرية وفي تجربة تعكس التجربة الامريكية في العراق، أو جزء منها فعلياً، حيث احتلت امريكا العراق، ثم بعد فترة شكلت القوات التي تحتاجها فيه من العراقيين التابعين لايران، لكن في الحالة السورية العكس حدث، حيث شكلت أمريكا القوى التي تحتاجها أولا وهي الميليشيات الكردية، وسهلت سيطرتها على مساحات واسعة، ثم دفعت بقواتها لتشكيل قواعد عسكرية فيها، ما خفض الخسائر البشرية للحدود الدنيا، ورفع المسؤولية عن أمريكا وحلفائها.
حيث تعتبر سوريا بثرواتها وموقعه المهم الغنيمة الكبرى بعد العراق، والتي تسعى جميع الدول للحصول على موطئ قدم فيها، حتى أن النرويج أبدت نيتها لإرسال قوات إلى سوريا، ما يجعل هذه الرقعة الجغرافية بمثابة كعكة على وشك أن تقسم بين المشاركين في تدميرها.
أغرب ما في الحالة السورية، هي جملة الاتهامات بالعمالة التي يتلقاها الثوار السوريون بأنهم صناعة غربية أو حتى تركية، وأنهم مدعومون خليجياً وتركيا، وأنهم مجرد بيادق بيد هذه الدول، لكن نظرة خاطفة وسريعة لمناطق انتشار القواعد الغربية تؤكد أنه لا توجد أي قاعدة لهم في مناطق الثوار، وحتى الدول الخليجية وتركيا المتهمتين بدعم وتسليح الثوار لا يبدو أنه يوجد لديهم أي خطط لبناء قواعد عسكرية في مناطق "حلفائهم" إن صح التعبير.