Middle East Eye – (ترجمة بلدي نيوز)
بدلاً من التركيز بقلق شديد على تنظيم "داعش" الإرهابي، علينا أن نتذكر بأن معظم السوريين هم أولئك الناس العاديون مثلنا، وليسوا أولئك المجانين الملوّحين بسكاكينهم.
فقد نعى السوريون الأسبوع الماضي الصحفي السوري الشاب والذي قام بتوثيق بعض من أسوأ أشكال العنف في سوريا، والتي لطالما ارتكبت من قبل النظام وحلفائه، لقد استشهد الصحفي خالد العيسى في ليلة الجمعة الماضية، بينما لم يبلغ من العمر سوى 24 عاماً.
قتل المصور خالد العيسى إثر إصابة شديدة في الرأس بعد انفجار عبوة ناسفة بالقرب من شقته في حلب، والذي كان يقيم فيها مع زميله الإعلامي، هادي العبدالله، أصدقاء ونشطاء يعتقدون بأنها كانت حادثة اغتيال، على الرغم من أنه لم تعلن أي جماعة عن مسؤوليتها عن الحادثة.
وتم نقلهم عبر الحدود إلى تركيا لتلقي الرعاية الطبية وانتظار إجلائهم إلى ألمانيا، ولكن لم يسعفه الوقت وتوفي خالد العيسى، بعد حملة اجتاحت الإنترنت من النشطاء السوريين للمطالبة بمنح تأشيرة دخول لتلقي العلاج في ألمانيا، في حين لا يزال هادي على قيد الحياة ويتلقى العلاج.
وكان خالد العيسى قد أمضى السنوات الأربع الماضية وهو يوثق مشاهد جرائم البراميل المتفجرة، والغارات الجوية وإطلاق النار، ليظهر للعالم ما تقوله الأرقام لنا أيضاً: بأن الغالبية العظمى من المدنيين الذين قتلوا في سوريا هم ضحايا لبطش النظام السوري.
في الشهر الماضي، وفي الأيام الأولى من شهر رمضان، رافق خالد العيسى الإعلامي هادي العبد الله في مدينة حلب، وقدموا تقارير عن مجازر النظام حيث يقوم بضرب المدينة يوماً بعد يوم بالمزيد من الغارات الجوية، ووثقت صوره التي التقطها ومقاطع الفيديو، الإصابات التي تعرض لها المدنيون الذين نجوا، بينما كان ما لا يقل عن 172 من الرجال والنساء والأطفال قد قتلوا وذلك فقط خلال الأيام التسعة الأولى من شهر رمضان وحده.
وأوضح خالد مرة قائلاً "نحن لسنا قادرين على تغطية جميع عمليات القتل، فنحن نخرج لتصوير ما يحدث فقط في النهار وفي الليل نستريح، لذلك فإن لا أحد يرى الجرائم التي تحدث في الليل، لربما نحن بحاجة إلى ألف، أو في الواقع الآلاف من الصحفيين لفضح جميع الجرائم المنفذة في حلب من قبل النظام السوري ".
كما وثق خالد أيضا الفكاهة السوداء في الكثير من الشعارات باللغة الإنجليزية، والتي ظهرت في مسقط رأسه المدينة الثائرة المعروفة "كفرنبل" في محافظة إدلب، والتي كانت تحمل الكثير من الرسائل الثورية،
وفي تشييع جثمانه، خرج الآلاف من سكان المدينة إلى الشوارع حاملين المزيد من الملصقات الثورية، و ودفن خالد العيسى محاطاً بالأهل والأصدقاء.
وقد أظهر خالد أيضاً أجزاء من الحياة في سوريا تسلط الضوء على كيف أن معظم شعبها هم أناس طبيعيون، وليسوا أولئك المجانين الملوحين بسكاكينهم، تلك الحقيقة الحاسمة في بناء سوريا التي سيشهدها أطفالنا في المستقبل.
هل نريد لأجيال المستقبل أن تعتقد بأن تنظيم "داعش" الإرهابي هو الشيء الوحيد الذي اشتهر في سوريا؟ هل نريد له أن يحجب أسماء العظماء مثل نزار قباني، الشاعر المبجل في جميع أنحاء العالم العربي لشعره؟ أن يحجب النواعير الاستثنائية - في مدينة حماة، والتي بنيت خلال العصر الروماني والبيزنطي؟ أن يحجب الآثار المسيحية في البلاد، بأديرتها في معلولا وصيدنايا؟ بالإضافة إلى شجاعة مدن مثل كفرنبل والتي تحدت بسخرية النظام بشكل لم يسبق له مثيل؟ أن يحجب جهود عمال الدفاع المتطوعين والذين يخاطرون بحياتهم في كل يوم، والذين صوروا من قبل أشخاص مثل خالد، وهم يقومون بإنقاذ المدنيين من تحت أكوام من الركام؟ أن يحجب إرادة أولئك الأطفال الذين يتلقون التعليم في مدارس تحت الأرض وفي الكهوف، المكان الذ أصبح الأكثر أماناً للتعلم في المناطق التي يتم قصفها في كل يوم؟
لذلك، بدلاً من الحديث باستمرار عن تنظيم "داعش" الإرهابي وجرائمه، وتقديم الشهرة لهم، التي يسعون إليها، يجب علينا أن نعطي المزيد من الاهتمام والوقت لسوريا، لأنها كانت ولا تزال ذلك البلد العظيم.
يجب علينا أن نظهر بشكل أكبر تلك الأعمال المشابهة لجهود خالد، والذي ترك بوفاته فجوة في ما نعرفه عن هذه الحرب، وكيف سيراها أطفالنا، وربما حتى الدعم الموثق للمساءلة التي قد تقام ذات يوم، علينا حقاً أن نذكر الناس أمثاله- صحفيي سورية ، وليس حفنة من المقاتلين الملتحين الساعين وراء المجد في شوارع الرقة.