بلدي نيوز - (خاص)
أسدل النظام السوري الستار على مسرحية الانتخابات الرئاسية، أمس الأربعاء، عبر الانتهاء من أخر فصولها عقب تنظيم انتخابات صورية في المناطق الخاضعة لسيطرته، بتغطية إعلامية كبيرة ودعاية ضخمة "للعرس الوطني" كما يقول إعلام النظام، الهادف إلى شرعنة استمرار بشار الأسد في حكم سوريا، لولاية رابعة تمتد لسبع سنوات هي الثانية منذ انطلاق الثورة السورية ضد نظامه.
الديمقراطية المزيفة
وبدأ أول فصول هذه المسرحية، بتحديد رئيس مجلس الشعب التابع للنظام حمودة صباغ، في 18 نيسان الماضي، موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، وفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية سيبدأ اعتبارا من يوم الاثنين 19 نيسان، داعيا جميع الراغبين بالترشح إلى تقديم طلبات الترشيح إلى المحكمة الدستورية العليا خلال مدة 10 أيام تنتهي بنهاية الدوام من يوم الأربعاء 28 نيسان.
ويشترط دستور عام 2012 الذي أجرت وفقه الانتخابات، على الراغب بالترشح، الحصول على تأييد خطي من 35 عضوا من أعضاء "مجلس الشعب"، والأخير يسيطر عليه حزب البعث بشكل شبه كامل والأعضاء الآخرين فيه أما من الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها "البعث" أو الموالين للحزب، ولذلك فإن أي مرشح منافس للأسد لا يمكن أن يحصل على صوت 35 عضوا إلا في حال صوت له أعضاء البعث والجبهة الوطنية التقدمية الذين يشكلون 170 عضوا من أعضاء المجلس البالغ عددهم 250 عضوا.
ولكن النظام عمد إلى السماح لأكثر من 51 شخصا بينهم نساء بالترشح لمنصب الرئيس، وأعلنت "المحكمة الدستورية العليا" المشكلة من قبل بشار الأسد، في 3 من الشهر الجاري أسماء ثلاثة مرشحين حيث تقرر أن يشارك اثنان كومبارس في مسرحية الانتخابات، هم "عبد الله سلوم عبد الله ومحمود أحمد مرعي"، إلى جانب رأس النظام السوري بشار الأسد، بعد حصولهم على تأييد عدد كاف من أعضاء مجلس الشعب، وهو ما يكن يحدث لولا موافقة النظام على ذلك فالمجلس يعرف بين السوريين بمجلس الدمى ويسيطر عليه حزب البعث الحاكم بالكامل.
انتخابات الخارج.. تهديد ووعيد
في خارج سوريا، في 20 الشهر الجاري، عمدت الآلية الإعلامية للنظام على اصطناع كثافة غير حقيقة للتصويت في السفارات السورية خارج البلاد، مشترطة توفر جواز سفر ساري المفعول، وهو شرط بطبيعة الحال لا يتوفر ربما إلا ببضعة آلاف السوريين، الذين فروا من ديارهم تحت وابل القنابل والصواريخ التي تعرضت لها المدن السورية التي ثارت ضد الأسد.
ومنذ اندلاع حرب الأسد على الشعب السوري، نزح أكثر من نصف سكان سوريا وتشرد مئات الآلاف في الداخل والخارج السوري، حيث وصلت نسبة اللاجئين السوريين إلى 8.25% من نسبة اللاجئين عالميا حتى نهاية عام 2019، لتصنف سوريا بذلك بلد المنشأ الأول للاجئين منذ العام 2014.
وذكر تقرير المفوضية السامية، أن عدد اللاجئين السوريين وصل إلى نحو 6.6 مليون لاجئ موزعين في 126 دولة، بينما عدد اللاجئين حول العالم تجاوز 80 مليون شخص حتى نهاية 2019. ويتركز 83% من اللاجئين السوريين في دول المنطقة العربية والجوار السوري.
وبلغ عدد النازحين داخليا 13 مليون سوري، وهو ما يمثل نحو 60 في المائة من عدد السكان قبل حرب الأسد، فيما يبقى هناك 5.6 مليون لاجئ في المنطقة في كل من مصر والعراق والأردن ولبنان وتركيا، فضلا عن مليون لاجئ في أوروبا وأمريكا الشمالية.
حتى بالنسبة إلى لبنان التي فتح فيها مركز انتخابي بالسفارة السورية في بيروت، أكدت مصادر مطلعة لبلدي نيوز، أن شبيحة من ميليشيا "حزب الله" و"الحزب القومي السوري" و"حزب البعث"، هددوا اللاجئين السوريين في المخيمات بحرق خيامهم وتشريدهم في العراء، في حال رفضهم الذهاب لانتخاب بشار الأسد في مراكز الاقتراع.
وأضافت المصادر، أن معظم اللاجئين السوريين ذهبوا تحت وطأة التهديد بالقتل والترحيل من المخيم.
ووصفت المصادر أن اللاجئين السوريين في لبنان أصبحوا بين نارين: الأولى من شبيحة النظام الذين هددوهم بالقتل والترحيل، والثانية من اللبنانيين الرافضين لوجود السوريين في لبنان ويقومون بالتضييق عليهم.
فضلا عن ذلك فإن مركزا انتخابيا بالسفارة لن يغطي كل السوريين الذين يتجاوز عددهم المليون في لبنان، وبالتالي هذه الازدحام الذي نتج عن خوف البعض من منعه من العودة إلى سوريا، وملاحقته أمنيا في لبنان ذاتها، هو أقل من المتوقع ويقدر ببضعة آلاف وهو لا يشكل شيئا من حجم اللاجئين الضخم هناك.
بلا مشاركة شعبية
وبالداخل السوري، لم تنظم الانتخابات في مناطق سيطرة المعارضة السورية الممتدة في شمال سوريا وغربها، كما رفضت "الإدارة الذاتية" السماح بتنظيم الانتخابات في مناطق سيطرتها شمال وشرق سوريا، وكذلك الأمر في درعا التي تظاهرت ضده فإن عدد المراكز كان محدود جدا بسبب الرفض الشعبي لتنظيمها.
في الداخل السوري لا يختلف الوضع، ولو أن النظام حاول تصوير المسرحية على أنها "عرس وطني"، إلا درعا كانت مضربة يومه وشهدت المحافظة أكثر من نقطة تظاهر رافضة له، كما شهدت إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة مظاهرة ضخمة شارك فيها مئات آلاف السوريين، وفي ريف حلب نظمت وقفات رافضة للانتخابات.
أما عن المسيرات والاحتفالات وخيم الوطن، كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنه مع استمرار بث وسائل الإعلام التابعة للنظام لمسيرات مؤيدة لإعادة انتخاب بشار الأسد، فإنه "بحسب عدد من المديرين والمدرسين في المدارس الحكومية، وأساتذة الجامعات في مختلف المحافظات السورية، وكذلك بعض المؤسسات الحكومية الأخرى التي تمكنا من التواصل والحديث مع بعض العاملين فيها، أكد من استطاع التحدث منهم على وجود تعليمات شفهية تحمل رسائل تهديد من الأجهزة الأمنية، ومن أعضاء في حزب البعث، بضرورة الخروج وإظهار التأييد لبشار الأسد".
تمثيل فاضح
وخلال اليوم الماضي، نالت مسرحية الانتخابات، سخرية واسعة من السوريين على شبكات التواصل الاجتماعي، وتداول نشطاء فيديوهات وصورا، تظهر دعوة موجهة من إحدى العائلات للاحتفال يوم الجمعة بفوز بشار الأسد حتى قبل أن تبدأ الانتخابات أمس.
وحظي فيديو لأحد موظفي المراكز الانتخابية بمئات مرات إعادة النشر على منصات التواصل الاجتماعي، لقيام الموظف بتعبئة استمارات الانتخابات ووضعها في الصندوق الانتخابي دون العودة للشخص المنتخب.
وبالنسبة للسوريين ورغم أنهم يعرفون أن النتيجة محسومة، فإن بعضهم تصنع الجهل على سبيل السخرية، ولعل الجملة الأكثر تداولا بين النشطاء "أنه تمثيل ليس بحاجة لك هذا الإتقان" رغم أنه حتى التمثيل ملأه الكذب حتى آخره، ولعل أبرز هذه الأكاذيب هي قيام بشار الأسد بالانتخاب بمدينة دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية وهي المدينة التي دمرها طوال سنوات، وسيطر عليها في 2018 عبر قصفها بالكيماوي، بهدف الزعم أنه مدينة موالية كانت مختطفة من "المسلحين" حالها حال المدن التي ثارت واسترجعها أو ما زالت خارج سيطرته.
يقول الناشط السوري محمد العاصي "يبقى أن نقول إن العالم يدرك أن بشار الأسد يكذب وأنه يعلم أن جميع السوريين يدركون أنه يكذب، مع ذلك يستمر في مسرحيته لإحباط معنويات السوريين وإعلان النصر عليهم فوق ركام مدنهم وقبور شهداءهم الذين قتلهم، ولعله ينجح بالالتفاف على القرارات الدولية والحل الأممي".
يشار إلى أن النظام له تجربة انتخابية سابقة خلال الثورة، في العام 2014، فاز فيها بشار الأسد بنسبة تجاوزت 88%، وذلك في الوقت الذي كانت تخوض فيه قواته صراعا داميا مع قوات المعارضة التي سيطرت على أكثر من نصف مساحة البلاد.
وتحكم عائلة الأسد سوريا منذ 5 عقود، ولم تنجح الثورة -التي انطلقت قبل 10 سنوات وتحولت إلى صراع مسلح- في إسقاط هذا النظام الذي يتلقى دعما مباشرا من روسيا وإيران.