بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
مقدمة
اعتمد نظام اﻷسد على "العصا اﻷمنية" في تثبيت دعائم سيطرته، طيلة 5 عقود مضت، وركز على شخصياتٍ بعينها عرفت معظم اﻷفرع المخابراتية بأسماء قياداتها، التي تقوم بدورها على البعد الطائفي، والوﻻء للأسد شخصيا.
وأجرى نظام الأسد تغييرات أمنية خلال الأيام القليلة الماضية، طالت عددا من اللجان الأمنية في المحافظات السورية، الخاضعة لسيطرته.
ويفتح الملف باب التساؤلات حول المؤشرات وتوقيت تلك التغييرات.
ضمان الوﻻء
ويشير مصدر خاص لبلدي نيوز، مقرب من أحد اﻷجهزة اﻷمنية؛ أن تلك التغييرات طبيعية واعتيادية، وهي ليست تعيينات وإنما تبديل مواقع، أجراها رأس النظام بشار الأسد في محاولة لضمان كامل الولاء للقصر الرئاسي، بالمقام اﻷول، ولتجنب أي تهديد أو تأثيرات خارجية، لا سيّما من قِبَل روسيا وإيران.
التوقيت
من جهة أخرى، وبحسب المصدر ذاته؛ فإنّ التوقيت تزامن مع "اﻻنتخابات الرئاسية" التي يجريها النظام، والتي أتت بعد سلسلة من اﻹطاحات ببعض الشخصيات، كـ"حاكم مصرف سوريا المركزي"، وبعض اﻹجراءات التي استهدفت تحسين سعر صرف الليرة السورية، ما يجعل من الأمر عبارة عن رسائل باتجاهين داخلي، يرمي إلى القول بأنّ بشار ما يزال ممسك بزمام اﻷجهزة اﻷمنية، وخارجي يلفت إلى مضي اﻷسد في سياساته القديمة، بدﻻلة إبقاء شخصيات متهمة بارتكاب مجازر بحق المتظاهرين المدنيين.
يذكر أنّ تنافسا محموما ظهر خلال السنوات الماضية على المراكز اﻷمنية الحساسة لنظام الأسد، بين كل من روسيا وإيران، ضمن خطوات تضمن للجميع السيطرة والبقاء على اﻷجهزة اﻷكثر حساسية في البلاد.
نزيف الجهاز اﻷمني
وورث بشار اﻷسد عن أبيه حافظ اﻷسد، هيكلية أمنية صارمة، عرفت بوحشيتها وتغلغلها في معظم مفاصل ودقائق الحياة لدى السوريين.
وكانت تلك -اﻷجهزة المتعددة المسميات- تشكل دعامة وسبب بقاء النظام، خاصة مع اعتماد اﻷسد اﻷب على الدائرة الضيّقة والقوية التي أنشأها والقائمة على أساس الولاءات والطائفية، والمصالح المتبادلة، فضلا عن تقسيم السلطات على قياداتها على أساس عشائري يرتكز على الطائفة العلوية.
وشهدت تلك الأجهزة الأمنية مع بداية الحراك الثوري هزةّ أثبتت عدم القدرة والكفاءة على احتواء أو قمع "الحراك الشعبي"، رغم صلاحياتها غير المحدودة، ما يعني أنها غير قادرة على حماية النظام بمفردها أو حتى بمساعدة الجيش.
ولعل الهزة الثانية التي ضربت تلك اﻷجهزة أتت على خلفية عملية اغتيال ما يسمى "خلية الأزمة" في عام 2012، والتي أودت بحياة كل من آصف شوكت وهشام بختيار، يشكل الرجلان عصب الأجهزة الأمنية.
وواصلت الأجهزة الأمنية نزيفها بداية من مقتل جامع جامع، رئيس الأمن العسكري، وتلاه مقتل رئيس الأمن السياسي في جيش النظام، رستم غزالة.
ودون شك شكل اﻷمر خطرا وقلقا عند النظام -تحديدا بشار اﻷسد- الذي اعتمد بشكلٍ رئيسي على الصف الأول من ضباط الأمن السابقين.
ولم يقتصر اﻷمر على ما سبق؛ حيث اهتز مجددا الجهاز اﻷمني بعد مرض جميل حسن، رئيس المخابرات الجوية، وهو واحد من أهم أفرع الأمن السورية.
ووفقا لمحللين فإنّ تلك الهزات الخطرة، فتحت الباب أمام ظهور قادة أمنيين جدد لملء الفراغ، لكنها بالمقابل؛ أتت في ظل نزاعٍ روسي - إيراني.
شروط ملء الفراغ اﻷمني
وأمام تلك الظروف التي مرّ بها الجهاز اﻷمني، كان لابد من تغييرات في بنية الجهاز بشكلٍ محدود، لتجنُّب تكرار سيناريو الاعتماد على شخصيات الصف الأول، وضمان ربط خيوط الشؤون الأمنية في هذه المرحلة الحساسة من مراحل إنشاء الهيكل الأمني الجديد فقط بالقصر الرئاسي، ومنعا لتمدد النفوذ الروسي أو الإيراني.
ويمكن من خلال متابعة تفاصيل التغييرات مؤخرا في وجوه القيادات اﻷمنية، فإن معظم من تولى اﻷجهزة اﻷمنية مؤخرا، غير معروف لدى الشارع السوري أو حتى في الدوائر الأمنية، وإنما أبرزته اﻷحداث، كما أنّ معظمهم حاول التفوّق عبر العنف لتأكيد الوﻻء من ثم الوصول إلى السلطة، وأخيرا، لدى تلك القيادات اﻷمنية "ملف فساد" يجعل من السهل محاسبته في أي لحظة ومن طرف رأس النظام مباشرة.
الدﻻﻻت
وبناء على ما سبق؛ يريد بشار اﻷسد أن يكون هو القوة الضاربة في سوريا التي تحد من قوة الجهاز الأمني بما يمنع ويحول دون وجود بديل أمني ناشئ في سوريا.
وبالتالي؛ يبقى "الأسد" بشخصه الممثل الوحيد الذي يضمن الاستقرار، باعتبار أن البدائل الأمنية تحت سيطرته شخصيا.
وهو ما يعبر عنه محللون بعرقلة مساعي القوى الكبرى لفرض وجود وكلاء أمنيين قادرين على تنظيم الاستقرار في البلاد ﻻحقا، وفي حال انتهاء الحرب.
ويذكر أنّ اﻷسد قام بتاريخ 7 تموز/يوليو 2019، بتعيينات أمنية جديدة كان أبرزها تعيين علي مملوك نائبا لرئيس الجمهورية للشؤون الأمنية، واللواء محمد ديب زيتون رئيسا لمديرية المخابرات العامة.
وتزامنت تلك التعيينات مع تغييرات أمنية جديدة أخرى، وتسلم كفاح ملحم، المعروف ببطشه وعنفه ضد المتظاهرين، رئيسا للمخابرات العسكرية، وتولَّى ناصر العلي، مسؤولية إدارة الأمن السياسي، وتولَّى حسام لوقا، وهو ضابط شركسي من دمشق، مسؤولية أمن الدولة السورية، وخلَفَ اللواء غسان إسماعيل جميل حسن في المخابرات الجوية.
وأضيفت إلى تلك الأجهزة الأمنية ما يسمى بالأمانةُ العامة للدفاع الوطني، التي يرأسها اللواء بسام حسن، وهي هيئة أُنشِئت لجذب المتطوعين المدنيين.
أمّا مؤخرا بحسب مصادر مطلعة؛ فإن نظام الأسد عيّن اللواء "إبراهيم خليفة" رئيس للجنة الأمنية في محافظة حماة، خلفا للواء "رمضان رمضان" الذي تسلم بدوره اللجنة الأمنية في المنطقة الساحلية.
وشغل اللواء "إبراهيم خليفة" قائد الفرقة الأولى دبابات في مطلع العام 2020 خلفا للمدعو "زهير الأسد"، فيما ينحدر اللواء "خليفة" من قرية "حمام القراحلة" الواقعة بمنطقة جبلة بريف اللاذقية.
وفي السياق، عيّن بشار الأسد بصفته القائد العام لقوات النظام اللواء "رمضان يوسف رمضان" قائدا للمنطقة الساحلية بعد مضي عدّة سنوات على تراسه اللجنة الأمنية بحماة.
ويشغل اللواء "رمضان يوسف رمضان" منصب قائد الفرقة التاسعة في قوات النظام، فيما ينحدر من قرية المحروسة بمنطقة مصياف غربي حماة.
وكان رمضان قائدا للواء 35 قوات خاصة التابع للفرقة الخامسة عشرة قوات خاصة برتبة عميد ركن عند بدء الثورة السورية في العام 2011.
وشارك اللواء رمضان بعمليات القمع ضد المتظاهرين بدرعا بالإضافة إلى تصريحاته الطائفية، حيث كان يهدد بجرف درعا وإدلب، ردا على المظاهرات السلمية التي كانت تخرج ضد النظام السوري حينها.
ويتهم رمضان بارتكاب عشرات المجازر ضد المدنيين كما ورد اسمه في تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش، الصادر بتاريخ 15/12/2011، حيث اعترف أحد العناصر المنشقين عن قوات النظام السوري أنه تلقى أوامر شفهية مباشرة من قائده "رمضان يوسف رمضان" بفتح النار على المتظاهرين في درعا بتاريخ 25 نيسان عام 2011.
وكان وضع اسم "رمضان" ضمن قائمة العقوبات الأوربية منتصف عام 2012 بعد ثبوت إصداره أوامر للعناصر في قوات النظام بإطلاق النار على المتظاهرين في بانياس ودرعا.
وفي محافظة حماة، يُعد اللواء رمضان المسؤول الأول عن عمليات مصادرة أراضي وممتلكات المهجرين قسريا إلى الشمال السوري حيث عمد رمضان إلى الاستحواذ على أراضي المهجرين وتأجيرها إلى قيادات وعناصر ميليشيات النظام.
وبحسب "هيئة القانونيين السوريين"؛ فإن اللجان الأمنية في المحافظات يمكن تعريفها بانها اعلى سلطة سياسية وعسكرية وأمنية في المحافظة وتعتبر الهيكل المصغر لتركيبة النظام السوري في كل محافظة من المحافظات.
وتتألف اللجنة الأمنية من أعلى رتبة عسكرية امنية في المحافظة يتم تعيينها مباشرة من قبل بشار الأسد ويكون هو رئيس اللجنة ويتم تعيينه على أساس الولاء المطلق وتنفيذ الأوامر بلا رحمة إضافة لكل من المحافظ وأمين فرع حزب البعث في المحافظة وممثل الجبهة الوطنية التقدمية في المحافظة والمحامي العام وقائد شرطة المحافظة وقائد الشرطة العسكرية ورؤساء أفرع الأمن العسكري والمخابرات العامة والأمن السياسي والمخابرات الجوية في المحافظة وقائد ميليشيا الدفاع الوطني في المحافظة وقيادات الفرق والألوية العسكرية.
أما عن آلية إصدار القرار في اللجنة الأمنية فإن القرارات تتخذ من أعلى رأس في هرم السلطة (بشار الأسد) بصفته القائد العام للجيش والقوات المسلحة والأمين القطري لحزب البعث لتحال القرارات إلى القيادة القطرية لحزب البعث وهي أعلى سلطة حزبية وسياسية في البلاد الذي يتبع لها مكتب الأمن الوطني والذي تتبع له كافة الأجهزة الأمنية.
وتتخذ القرارات الأمنية بطريقتين الأولى أن تصدر من القيادة العلية مباشرة وأما الثانية تصدر عن القيادة بناء على اقتراحات اللجنة الأمنية في المحافظة.
وتعتبر اللجان الامنية الذراع الضارب والمنفذ للمجازر التي أودت بحياة حوالي مليون سوري إذ اعتمد بشار الأسد في تعيين رؤساء اللجان الأمنية في المحافظات من دائرته المقربة وعلى أساس طائفي.