بلدي نيوز- (ريما محمد)
تصاعدت وتيرة الاغتيالات في سوريا خلال العامين الماضيين بشكل ملحوظ، والتي استهدفت القادة العسكريين والشخصيات الفاعلة في المجتمع، إضافة للإعلاميين، والذين شكلوا أهم أهداف هذه الاغتيالات وأبرزها.
فجميع عمليات الاغتيال التي حدثت تعتبر استمراراً لمسلسل الاختراقات الأمنية في سوريا، والتي بدأها النظام لتصبح لاحقاً السمة السائدة للحرب السورية.
يعتبر "الاختراق الأمني" أحد الأساليب التي استخدمت بكثافة خلال الحرب السورية، فهو أحد طرق الحصول على المعلومات وتنفيذ العمليات، وعادة ما تكون هذه العمليات أكثر تأثيراً وإيلاماً، لأنها عادة ما تضرب أهدافاً ضمن المناطق الآمنة، وعادة ما تستهدف أهدافاً عالية الأهمية، كالشخصيات الاعتبارية والقيادية، أو أهداف حيوية من منشآت وتجهيزات.
وتساهم في العمليات العسكرية بشكل مباشر، عبر الحصول على الخطط والمواقع العسكرية الهامة، والأهداف التي يمكن قصفها جوياً وصاروخياً.
ما يجعلها كابوساً حقيقياً في المناطق المستهدفة، وخطراً حقيقياً في المناطق التي تخلو من نظام أمني موحد، وسلطة واحدة تسيطر عليها.
أحرار الشام
نالت حركة أحرار الشام الإسلامية التي تعتبر الفصيل الأبرز في الشمال السوري نصيب الأسد من الاغتيالات، فأكبر عملية اغتيال في تاريخ الحركة والحرب السورية حدثت في أيلول من العام 2014، حيث اغتيل حينها 40 شخصية من قادة الصفين الأول والثاني بتفجير المقر "صفر".
وشهدت الحركة مؤخراً سلسلة من محاولات الاغتيال التي نجح جزء كبير منها، ومن أبرز هذه العمليات استهداف المسؤول العام للتصنيع العسكري ونائبه، كما اغتيل قبل أيام الطبيب والقيادي في الحركة عمر الحجي مدير مستشفى "الريح المرسلة"، كما جرت محاولة لاغتيال القيادي أبو محمد يحيى على مفرق "باتبو كللي" بريف إدلب، وهو مسؤول قسم التحصين في الحركة.
وقبل ذلك، حاول مجهولون اغتيال القيادي أبو جابر بنش، الذي استلم قيادة "لواء الحسين" خلفاً لـ"رئيس أركان الحركة" إسلام أبو حسين، الذي اغتيل في نيسان الماضي.
كما استهدف مسؤول معامل التصنيع، وأهم كوادر التصنيع الذاتي، وجرت محاولة لاغتيال مسؤول التسليح في مدينة جيرود بريف دمشق، ومعظم العمليات تستخدم فيها العبوات ناسفة المزروعة على جوانب الطرقات التي يستخدمها هؤلاء القياديون.
تقصير أمني
وفي حديث خاص لـ"أبو يوسف المهاجر" الناطق العسكري باسم حركة أحرار الشام الإسلامية لبلدي نيوز، أرجع سبب تنامي ظاهرة الاغتيالات إلى التقصير في الجانب الأمني، وقال "هناك عدم تنسيق أو حتى عدم تكاتف وتعاون بين الفصائل لتفعيل الجانب الأمني، فنحن فصائل عسكرية وانشغلنا بشكل كبير بالمعارك الهامة والاستراتيجية التي نخوضها في حلب والساحل".
وقال المهاجر لبلدي نيوز إن "الحركة تعمل على سد الثغرة الأمنية التي أدت إلى هذه الاغتيالات، إذ بات الجميع يشعر بأنه مراقب وهدف"، حسب قوله.
وأوضح أن الحركة تعمل على إعداد مجموعة آليات لتفادي خسارة القيادات، على سبيل المثال تفعيل الحواجز الأمنية، وتسيير دوريات أمن بشكل مستمر في المناطق المحررة".
ونوه المهاجر إلى وجود تقصير من الناحية الأمنية، وقال "هناك تقصير في الجانب الأمني و لا مبرر نهائياً لهذا التقصير".
وقال المهاجر إن "داعش والنظام والمخابرات الدولية هي من تقف وراء عمليات الاغتيال التي تتعرض لها الحركة، بعد أن أظهرت الحركة صلابة في مواجهة المخططات الروسية والإيرانية التي تكسرت على تخوم حلب".
ورفض أن يكون سبب الاغتيالات هو اختراق للحركة من داخلها، واعتبر بأن المسألة هي اختراق "العملاء" لكافة مجالات الثورة، قائلاً "الاختراق مستبعد لكن المراقبة بكثافة هذا أقرب للواقع"، وأضاف بأنه "لم يتم اختراق الحركة لكن العملاء يراقبون القادة وتحركاتهم".
وتابع "المستهدف الثورة ككل، لكن الحركة مستهدفة أكثر من غيرها لأنها أكثر انتشاراً، والفصيل الأكبر في سورية، وإذا تم تفكيكها أو القضاء على كوادرها كان ما بعدها أهون وأسهل".
ويجمع محللون بأن حركة أحرار الشام تعتبر الآن "بيضة القبان" التي يسعى الجميع عسكرياً وسياسياً تحطيمها، ما جعلها عرضة لمحاولة تفتيت من الداخل عبر الاغتيالات، وبث الخوف في قلوب العناصر من قادة وجنود.
وفي هذا الصدد، قال المهاجر لبلدي نيوز "تكرار محاولات الاغتيال دليل على الفشل المتكرر للمستهدِف، هذه الاغتيالات لم تؤثر على القاعدة الشعبية للحركة، لكنها أدت مفعولاً عكسياً تماماً إذ زاد التعاطف مع الحركة وزادت شعبيتها".
خطة المواجهة
ويرى محللون أنه لا يمكن فعلياً في البيئة السورية منع عمليات الاختراق الأمني التي تحدث، بسبب الفضاء الواسع المفتوح لكافة الأطراف للتدخل في المنطقة، والقدرات الأمنية والتكنولوجية والمالية الهائلة لديها.
لكن تتقاطع آراء العديد من المصادر والقياديين الميدانيين، حول المنهج الأساسي الذي يمكن عبره التخفيف من آثار هذه العمليات، وذلك بسيطرة نظام أمني موحد على المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وتسليم هذا النظام كامل السلطات والصلاحيات اللازمة لضبط الأمن في المناطق ومراقبتها، إضافة لمراقبة خطوط الاتصال بكافة أنواعها، حيث يجب وجود شكل من أشكال الاتصال بين الجهة المشغلة والعميل، والتي يتبادلان عبرها التقارير والتعليمات.
ويلخصونها فيما يلي:
1 - منع شبكة اتصالات النظام (المتصلة بمناطقه) بكافة أشكالها، وبخاصة الخلوية، وقطع الخطوط الأرضية مع مقاسمه، والمراقبة الدائمة للتجهيزات الراديوية وبخاصة المشفرة منها، وحصر أعدادها وسحبها ومنع المحلات من بيعها ومنع المدنيين من شرائها، وفرض استخدام التجهيزات اللاسلكية المفتوحة عليهم، ومراقبة محلات ومواقع برمجة القبضات، والحصول على قوائم موثقة بالأشخاص الذين يحصلون على خدمات هذه المحلات وصفاتهم والهدف منها.
2 - حصر أجهزة الانترنت الفضائي بالاستخدام العام ضمن المراكز المخصصة لذلك، من مراكز إعلامية ومقاهي انترنت ومقرات ألوية ووحدات الثوار، ومنعها من الاستخدام الشخصي في المنازل، بحيث يضمن السيطرة ومراقبة الاتصالات في المنطقة.
3 - حصر أجهزة الثريا وسحبها من الأشخاص المدنيين، ومنع استخدامها وبيعها وشحنها.
4 - مراقبة الأشخاص المشكوك في تجنيدهم من قبل الجهات الأخرى المتعددة، وتتبع تصرفاتهم بشكل وثيق، والقبض عليهم في حال التأكد من تجنيدهم.
5 - عدم الركون لصلات القرابة والجوار والأهمية في الأشخاص المشكوك فيهم، ومعاملة كل الناس سواسية، والابتعاد عن المحسوبيات والواسطات.
6 - مكافحة تجارة المخدرات والممنوعات والسيطرة عليها، فهي عادة ما تعتبر مدخلا لتجنيد العملاء في المناطق، باستدراجهم وإغرائهم وتوريطهم.
7 - مراقبة الشحنات والسيارات الواردة من مناطق النظام، والانتباه من الأشخاص كثيري التردد على مناطق النظام.
8 - الاختراق المضاد للأجهزة الأمنية المعادية، ومحاولة الحصول على المعلومات عن عمليات الاختراق خاصتها، وكشف الشبكات المتورطة في العمليات المختلفة.
9 - العقوبات الحازمة بحق الأشخاص الذين يثبت عليهم جرم التواصل، وبخاصة إذا كانت مهماتهم تتمثل بعمليات اغتيال أو تفجيرات.
العشرات من القياديين في حركة أحرار الشام وعدد من بقية الفصائل، والإعلاميين أبرزهم الناشط الإعلامي "هادي العبدالله، وخالد العيسى" تعرضوا لمحاولات اغتيال خلال الفترة الماضية، في ظاهرة أصبحت مصدر قلق حقيقي، فهي تظهر سعياً حثيثاً لتفريغ الثورة من رجالاتها ورموزها.