واشنطن بوست – (ترجمة بلدي نيوز)
إن الاستعداد لخوض الحرب في عام 2011، كان قد وضع أوباما في خضم قضية تدخله في الأزمة المتصاعدة في ليبيا، وذلك دون أي تصرف غربي قوي، حيث قال للأميركيين بأن الصراع في ليبيا يثير أزمة إنسانية ويزعزع من استقرار هذه المنطقة الهشة.
بينما أبدى كبار مساعدي الرئيس قلقهم بشكل أكبر من أن عدم القيام بعمل عسكري من شأنه أن يسمح للديكتاتور الليبي معمر القذافي، بمتابعة إبادة الليبيين المطالبين بالحقوق السياسية، ومن شأنه أيضاً أن يطفئ الآمال نحو الديمقراطية التي أخذت تتجذر في جميع أنحاء المنطقة العربية.
وفي الأيام التي تلت ذلك، قامت قوات الولايات المتحدة بالإضافة لطائرات الحلفاء بقصف القوات الحكومية الليبية، وذلك من خلال عملية تدعمها الأمم المتحدة والتي كانت لحظة القمة للربيع العربي، ولكن إذا كان التدخل الليبي في عام 2011 هو اللحظة التي أثبت فيها أوباما استعداده لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية في حماية المدنيين الأجانب، فقد كانت سوريا المكان الذي كشف فيه عن غرائزه الأساسية ضد ذلك.
فقرار أوباما في التراجع عن خطط ضرب الديكتاتور السوري بشار الأسد في عام 2013 -رداً على تجاوزه الخط الأحمر، بهجومه المكثف باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في شهر تموز من ذلك العام- كشف عن تصميم أوباما على تجنب أن ينتهي به المطاف متورطاً في مزيد من الصراعات الخارجية، بينما وفر هذا القرار المحفز الأساسي للنقاد الذين آمنوا بأن أوباما مقيد ومتردد جداً باستخدام القوة العسكرية الأمريكية، حتى عندما تكون القضية عادلة، ولكنها قامت أيضاً بحماية قراراته من تجنب التداعيات لتدخل أخر في الشرق الأوسط، كما حصل في ليبيا، حيث الفتنة والفوضى كانت قد انتشرت في حقبة ما بعد الثورة.
إن القرارين يكشفان عن خلافات ضمن دائرة أوباما الداخلية، وعن التشكيك الأساسي لأوباما في أن القوة العسكرية يمكنها تحويل الصراعات التي قد لا تفهم الولايات المتحدة كاملاً جذورها ولاعبيها.
ففي ليبيا، كان أوباما قد انضم إلى حجج عدد من المستشارين بما في ذلك سوزان رايس، سفيرة الأمم المتحدة آنذاك- وسامانثا باور، ثم مستشار البيت الأبيض الذي تقدمت "بمسؤولية الحماية"، وبعد ذلك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فقد رأوا بأن تحركات القذافي في قمع الانتفاضات في مدن بنغازي ومصراتة، تتيح لهم فرصة لإظهار أن الولايات المتحدة لديها مصلحة في منع القتل الجماعي، حتى في البلدان التي كانت فيها المصالح الأمريكية هامشية، وساعدت خمسة أشهر من الغارات التي قادها حلف الاطلسي، جماعات الثوار اليائسة والمفتقرة للتدريب الحقيقي، بالتقدم إلى طرابلس، وإنهاء حكم القذافي الذي دام 40 عاماً من الديكتاتورية.
ومع استيعاب أزمات أخرى في الشرق الأوسط، كان أوباما يأمل بأن الدول الأوروبية، وبقربها من شمال أفريقيا ووجود العلاقات التاريخية مع تلك المنطقة، ستتولى مسؤولية رعاية ديمقراطية جديدة هناك، في حين اتخذت الولايات المتحدة دوراً محدوداً، ما بعد الثورة في ليبيا.
ومع مرور الوقت، رأى مسؤولون أميركيون انهيار الوحدة الليبية، وشهدوا عدم وجود حكومة ذات خبرة، والتي قوضت محاولات البلاد في إعادة البناء، وفي صيف عام 2014، صرح الأمريكيون بأن البلاد انزلقت إلى حرب أهلية أخرى، وقال أوباما متحدثاً في مقابلة له في عام 2014، "لم يكن التدخل قراراً خاطئاً، ولكننا قللنا من أهمية ما يمكن أن تحتاجه ليبيا "في اليوم التالي".
إن أسئلة اليوم التالي ومتاهاته، كانت ذات أولوية في عقل أوباما منذ بداية الصراع السوري في عام 2011، وبينما تحولت الانتفاضة الشعبية، إلى تمرد مسلح ومنه لحرب كبرى، وقاوم أوباما دعوات من رئيس مستشاريه، بما في ذلك كلينتون، ومن ثم مدير وكالة المخابرات المركزية الجنرال ديفيد بترايوس ووزير الدفاع ليون بانيتا، لتسليح قوات الثوار ضد حكومة الأسد، حيث يعتقد أوباما وغيره من كبار مساعديه بأنه من غير المحتمل أن يقوم جيش شعبي قليل الخبرة وغير مدرب بكفاءة، بسلاح ضعيف أن ينجح عسكرياً ضد جيش الأسد القوي والمدعوم على الأرض من قبل الروس والإيرانيين.
وتغيرت كل الحسابات في تموز عام 2013، عندما خلص مسؤولون في الاستخبارات الأمريكية أن الجيش الأسدي، كان قد شن هجوماً على الغوطة مستخدماً فيه صواريخاً تحمل غاز السارين المحرم دولياً، وهي منطقة تسيطر عليها قوات الثوار بالقرب من دمشق، بينما أظهرت الصور التي تم تصويرها بعد فترة وجيزة من تلك الهجمة، ضحايا كثيرين -1300 شخص على الأقل، من بينهم العشرات من النساء والشيوخ والأطفال- وهم متشنجين أو ميتين إثر تعرضهم للمواد الكيميائية القاتلة، وفي خطاب 31 آب، وصف أوباما المذبحة بأنها "اعتداء على كرامة ووجود الإنسان"!
وجاء وقت تنفيذ تحذير الرئيس، الذي كان قد تعهد في عام 2012 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل الأسد، سيكون "خطاً أحمر"، لتدخل الولايات المتحدة في سوريا، وأعطى أوامره لجيشه للتحضير لشن ضربات على أهداف عسكرية للنظام، ثم تبعه ذلك القرار الذي صدم حتى كبار مستشاريه في وزارة الدفاع والخارجية، حين غير أوباما من رأيه كلياً، بعد مناقشة مطولة مع رئيس الأركان دنيس ماكدونو، والذي كان مثل أوباما يستبعد فكرة التدخل العسكري، أعلن أوباما بأنه مستعد لشن هجوم محدود على ترسانات الأسد، ولكن يجب أن يحصل أولاً على موافقة الكونغرس، إلا أن ذلك لم يتحقق!
منذ ذلك الحين، والنزاع مستمر في تصعيداته، في حين أن محصلة القتلى يقترب الآن من نصف مليون، وفي السنوات التي تلت ذلك القرار الأمريكي، اكتسب تنظيم "الدولة" قوة كبرى بظهوره كلاعب رئيسي في المنطقة، في حين انجرفت روسيا في دعمها المباشر لحليفها الأسد، وتدفق الملايين من اللاجئين إلى أوروبا، وعلى الرغم من أن الهجوم على الغوطة الدمشقية كان قد أسفر عن اتفاق لتفريغ الترسانة الكيميائية السورية، فقد استخدمت بعض من هذه الأسلحة ضد المدنيين عدة مرات بعد ذلك.
وفي تفسير كان قد صرح به في وقت لاحق إلى صحيفة الأتلانتيك، قام أوباما بالتشبث بقراره ذلك، فقد كان مؤمناً بالتدخل الإنساني، ولكن فقط في مجموعة ضيقة من الظروف التي قد تقوم بتهديد مباشر للولايات المتحدة.
بينما قال "لقد توجب علينا أن نكون صارمين، في نفس الوقت الذي نملك فيه قلباً كبيراً، ويتوجب علينا انتقاء واختيار نقاطنا ومواقعنا، وندرك بأن هناك أوقات، سيكون فيها أفضل ما يمكننا القيام به، هو تسليط الضوء على هذا الشيء الفظيع، ولكن لا أعتقد بأننا نستطيع أن نحله تلقائياً".
ففي تأمل للهجمات المباشرة على قوات الأسد، كان أوباما قلقاً من أن تلك الضربة العقابية، من شأنها أن تعزز من مكانة الديكتاتور السوري وإطالة الحرب وتعقيدها، والأهم من ذلك، بأن هجوم الولايات المتحدة على الأسد قد يثير عواقب غير معروفة، قد تضع الولايات المتحدة في مستنقع المزيد من الحرب، وبعيداً عن الأولويات الأساسية للرئيس الأمريكي، لقد كان سفك الدماء البريئة في الغوطة وفي سورية كاملةً مأساة، في نظر أوباما، ولكن ليست تلك، التي تقنع الولايات المتحدة بالتصرف إزاءها!