بلدي نيوز – (غداف راجح)
على مضض؛ قبل رأس النظام الدعوة لعقد ما يُسمى بالـ "مؤتمر الدولي لعودة للاجئين السوريين"؛ فهو ومنذ البداية أراد صُنع المُجتمع المُتجانس، واليوم وكما بات واضحًا فقد أفضى الضغط الروسي على النظام إلى إجباره على الدعوة لعقد هذا المؤتمر في دمشق.
روسيا التي لم تهتم يومًا لا باللاجئين السوريين ولا السوريين الموالين لها، حتى أنّ لاجئًا واحدًا لم يذهب لها، فالكرملين لا يرى في الملف السوري إلّا ساحة لتجربة أسلحته الجديدة كما صرح وزير الدفاع الروسي، وهو ما فتح لها أسواقًا جديدة لتصدير أسلحتها "المُجربة" في سوريا.
أما مؤتمر اللاجئين فقد بات يُشكل ضغطًا سياسيًا على موسكو فهي لا تستطيع البدء بمشاريع إعادة الإعمار التي تتوقع روسيا أن تحصل على حصة الأسد منها، إلّا بإيجاد حلٍ سياسي، ويجد الكرملين أنّ الحل الأسلم للتهرب من الحل السياسي والدخول بعملية إعادة الإعمار هو إيجاد حلٍ لمشكلة اللاجئين.
الباحث بمركز جسور "وائل علوان"، يرى أنّ مؤتمر اللاجئين الذي تعقده روسيا في دمشق خطوة من خطوات سياسيّة كثيرة حاولتها روسيا سابقًا أملًا بأن تنجح بها، كما نجحت نسبيًّا في الخطوات العسكريّة التي ضمنت بها تقدّم النظام وسيطرته على الكثير من الأراضي السّورية.
وتابع علوان في حديث مع "بلدي نيوز"، "معظم الخطوات السّابقة التي بذلتها روسيا في هذا السّبيل –أي الخطوات السياسيّة- باءت بالفشل وكانت خطوات عاثرة، لأن روسيا قادرة على صنع المعارك وفوضى السّلاح والتدمير وغير قادرة على صناعة الاستقرار".
وعلى هذا الأساس، كما يؤكد علوان، فإنّ المؤتمر اليوم خطوة من خطوات روسيا السياسيّة لتحقيق رؤيتها للحل السّوري، حيث أرسلت موسكو من خلال المؤتمر رسائل هامة منها أنّ موضوع انتخابات 2021 ماضية بمن حضر من السوريين وداخل مناطق سيطرة النظام حصرًا.
وأضاف علوان "يرى الروس أنّ الحل السياسي لا بُدّ أن يمر ضمن الرؤية الرّوسية، وهذا يتوقف على الإرادة الدولية التي بيدها إبقاء العقوبات على النظام السوري والحصار والقطيعة الدولية ومنع إعادة الإعمار، وهذه الأسباب الأربعة هي سبب فشل هذا المؤتمر وغيره من الخطوات الرّوسيّة".
وختم علوان "هذه الأسباب هي من يمنع نجاح روسيا بأي مُبادرة أو خطوة سياسيّة لتعويم نظام الأسد أو ترجمة الحل وفق الرؤية والتمنيّات الرّوسيّة أو كما تُريد روسيا".
بدوره، يؤكد المعارض السوري الدكتور محمد الأحمد أنّ عقد مؤتمر لعودة اللاجئين بهذه الظروف خارج عن السّياق الطبيعي لما يجب أن يحصل.
وأضاف الأحمد "في السياق الطبيعي أنّ تكون هذه المسألة –عودة اللاجئين- جزء من عمل أكبر وأهم بكثير له علاقة بتغيير حقيقي في المسار السياسي السوري، وحصول انفراج وطني على المستوى السياسي بعناوين رئيسية لها على بالسلطة".
وأكد الأحمد في حديث لـ"بلدي نيوز" أنّه لا يُمكن أن تُبحث قضيّة اللاجئين دون أن تُبحث قضيّة سوريا، فلماذا خرج اللاجئون من البلاد، ولماذا حدثت هذه المأساة، فلا يوجد طبيب يحترم نفسه يقوم بمعالجة عوارض المرض دون أن يُعالج أسبابه الرئيسية، وأسبابه الرئيسية في سوريا تتعلق بشكل ومضمون النظام السياسي.
ونوّه الأحمد إلى أنّ مؤتمر من هذا النوع هو صورة لا أكثر ولا أقل في عملية استعراض سياسي للنظام، ومحاولة لإملاء فراغ حقيقي على مستوى الصّورة بحياة النظام، صورة للاستهلاك الداخلي، ورُبّما لبعض الاستهلاك الخارجي، الشعب السوري بأمس الحاجة لعمليّة سياسيّة حقيقيّة.
وتابع "العمليّة السياسية الحقيقة تكون قائمة على مبادئ رئيسيّة تتعلق بتنفيذ القرار 2254 بكل مضامينه وتفصيلاته السياسيّة ومُخرجاته الوطنيّة وما اتفق عليه الشّعب السوري والمجتمع الدولي، دون المحاولة لإيجاد تأويلات غير محترمة وغير طبيعيّة لهذا القرار".
وأشار الأحمد إلى أنّ المؤتمر محاولة لإجراء دعاية سياسيّة خاصة بالنّظام لتلميع صورته بشكلٍ من الأشكال، لكن لا يوجد مُقدّمات حقيقيّة لنجاح هكذا مؤتمر، فالمقدّمة الحقيقية ليس الاتجار بقضيّة اللاجئين المضطهدين، إنّما خلق وطن جديد ودولة جديدة في سوريا.
ويقول الأحمد -الذي يرفض العودة إلى دمشق ضمن الظروف- "أنا غير مطمئن مطلقًا وبأي صيغة من الصيغ بوضع النظام الحالي، هذا النظام لم يتعلم مطلقًا من المأساة السّوريّة، ولا زال يحكم بالحديد والنار، فكيف للاجئين أو أي صاحب كلمة حرّة أن يعود".
ويرى الأحمد أنّ ما يُريده النظام هو تحويل النّاس إلى الحالة الغنميّة والحالة القطيعيّة، وإلغاء الحياة السياسية تمامًا في سوريا، واستمرار نظام وقانون المزرعة.
وختم الأحمد بأنّ النظام السياسي المُستبد والديكتاتوري هو المُعيق الرئيسي لخلق وطن يشعر به اللاجئين والسوريين الموجودين في سوريا بالأمان والأمل، أمل اقتصادي وأمل سياسي بذات الوقت، والأمل الاقتصادي من غير الممكن أن يتواجد دون أملٍ سياسي، وهذا يكون عن طريق خلق نظام تداولي للسلطة بكل معنى الكلمة.
وبناءً على ما سبق؛ وبناءً أيضًا على من حضر المؤتمر، يبدو أن موسكو قد عادت بخُفي حُنين، واليوم أدركت جيدًا أنّ لا عودة لأيِّ لاجئ من دون حل سياسي حقيقي من المؤكد أنّ الأسد لن يكون جزء منه.