بلدي نيوز - (غداف راجح)
ينظر الكثير من السوريين إلى وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض بشيء من التّوجس والرّيبة، خصوصًا أن بايدن يُعتبر الوريث الشرعي لسياسات الرئيس السابق باراك أوباما، وخطوطه الحمراء من جهة، ومن جهةٍ أخرى إطلاقه يد إيران في سوريا دون حسيبٍ أو رقيب.
تلك التَرِكةَ الثقيلة لبايدن وذلك التوجس للسوريين من المؤكد أنّه في مكانه، غير أنّ المنطقة اليوم غيرها عن الأعوام من 2011 إلى 2016، فلا إيران بقيت على حالها، ولا حتى التحالفات الإقليميّة، فروسيا العدو الأبرز لأوباما سابقًا وبايدن اليوم باتت تنتشر على كافة الأرض السوريّة، وإيران تمتلك من المشاكل الداخليّة ما لا يمكن إصلاحه بعودة سريعة للاتفاق النووي (إن حدثت عودة كهذه، وهو أمرٌ مستبعد في النصف الأول من رئاسة بايدن على الأقل).
أما إسرائيل التي باتت لاعبا رئيسيا خصوصًا في الجنوب السوري، ستستعمل كلّ ثقل لوبيها في واشنطن للوقوف بوجه بايدن في حال رَغِبَ في التغاضي عن دور النظام الإيراني التخريبي في سوريا، خصوصًا وأنّ طهران باتت عينها على الجنوب السوري وميليشياتها بدأت تنتشر على مقربة من الحدود الإسرائيلية.
إضافة إلى ما سبق؛ يختلف الفريق المُحيط ببايدن عن ذلك الذي أُحيط بأوباما، ففريق أوباما كان مُسيطر عليه من قِبل المُستشارين الإيرانيين الذين دفعوه لسلوك طريقٍ تصالحي مع النظام الإيراني، كالمسؤولة عن الملف الإيراني بمجلس الأمن القومي الأميركي "سحر نوروز زاده" الموظفة السابقة بالمجلس الوطني للإيرانيين الأميركيين، الذي تقول المعارضة الإيرانية إنه يعمل للدفاع عن مصالح إيران في أميركا، إضافة إلى ابنة وزير الخارجية جون كيري التي كانت مُتزوجة من إيراني وأقنعت والدها برفض توجيه أي ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، إضافة إلى إصراره على مواصلة المفاوضات مع النظام الإيراني ومن ثُمّ التوصل للاتفاق النووي.
أما اليوم الوضع مع بايدن فمختلف جذريًا، فما رشح حتى اليوم من القائمين على حملة بايدن أكدوا أنّ سيكون أكثر حزمًا مع كافة خصوم الولايات المُتحدة، بما فيهم الإيرانيين، وفي حال رغبة بايدن بالعودة إلى الاتفاق النووي سيكون ملف الصواريخ البالستيّة على رأس ملفات التفاوض، وهو الأمر الذي تدعي طهران أنّها لن تقبل به.
المعارض الإيراني ورئيس تحرير موقع (آمد نيوز) قال لـ"بلدي نيوز": "يجب أن ننتظر مبدأيًا لنرى كيف ستنتهي الانتخابات الأمريكية، فنجاح جو بايدن كان فقد عبر وسائل الإعلام الأمريكية، وهذا الأمر غير قانوني، ولم تنته المعركة الانتخابية حتى الآن، فالرئيس ترامب طعن بنتائج الانتخابات في الولايات الرئيسية، ولذا يجب أن نصبر لنرى نتيجة تلك الطعون وكيف سينتهي الأمر بتلك الانتخابات".
وفي حال وصول بايدن إلى البيت الأبيض، يؤكد تهراني أنّ بايدن وبالنظر إلى سنوات حكم الرئيس ترامب الأربعة الماضية، خصوصًا فيما يخصُّ الحرب في سوريا والدعم الذي تلقته إسرائيل من ترامب، وهو الأمر الذي سيُتابعه بايدن، ومن غير المتوقّع أن تتمتع طهران بالمكانة التي تأمل بها، إذ لن تستطيع ميليشيات الحرس الثوري أن تعاود التمدد في الداخل السوري، خصوصًا بعد الضربات التي تلقتها من إسرائيل.
وأضاف تهراني "كلُّ ما يهم النظام الإيراني اليوم هو الخروج من العقوبات الاقتصادي التي قصمت ظهره خلال السنوات الأربع الماضية وخصوصًا خلال السنتين الأخيرتين من حُكم ترامب، وما رافقها من خروج أمريكا من الاتفاق النووي".
وأكد تهراني على أنّ المفاوضات التي تقوم بها إسرائيل مع عدد من الدول العربية بهدف التطبيع، لن يستطيع بايدن أن لا يأخذها بالحسبان، فأحدٌ من تلك الدول لن يقبل بعودة أمريكا إلى الاتفاق النووي على شكله الحالي، وعلى هذا الأساس فإن الوجود الإيراني في سوريا سيكون مُحاصرًا للغاية، ومن المؤكد أنّ بايدن سيواصل السير على خطى سلفه فيما يخصُّ الضغط على طهران في سوريا، وهذا يندرج تحت استراتيجيّة الضغط الأقصى التي انتهجتها إدارة ترامب، والتي باتت تُأتي أوكلها فيما يخص التوسع الإيراني في المنطقة، وهذا الأمر الذي سيواصل السير عليه السيّد بايدن.
وختم تهراني: "من غير المتوقع أن تعود طهران إلى قوّتها ونفوذها قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصًا وأنّ أحدًا من المقربين من بايدن وفريقه لم يعلن وبصراحة عن الخطة أو البرنامج الذي سينتهجه بايدن في حاول وصوله إلى البيت الأبيض فيما يخص الحروب التي افتعلها النظام الإيراني في المنطقة".
وعلى الجانب الآخر وما يؤكد أنّ الحال الإيراني لن يكون أفضل في حال فوز بايدن، نقلت قناة الجزيرة الإنكليزية عن الأستاذ بجامعة طهران حسن أحمديان قوله: "من المفترض أن تطالب إيران بتعويض عن الانهيار الاقتصادي الذي تسببت فيه العقوبات"، وهو الأمر الذي لن تقبل به واشنطن، فبايدن وعلى الرّغم من أنّه من حمائم الديمقراطيين، غير أنّه غالبًا ما كان يتّخذ مواقف مُتشددة فيما يخصُّ إيران وميليشياتها حيث كان من أشدِّ المُدافعين عن إسرائيل خلال حرب تمّوز 2006.
أكثر من ذلك؛ فإنّ أزمة فايروس كورونا التي أسقطت ترامب ستكون محور اهتمام جو بايدن، ولن يكون بموقع يسمح له التركيز على أيّةِ ملفاتٍ أخرى، وعلى هذا الأساس لا ينبغي توقع بدء أيّةِ محادثات مع الإيرانيين في وقت قريب.
أما على الجانب الإيراني فقد وصل الحال بالنظام الإيراني إلى درجة أنّه سيقبل بأيِّ حلٍّ مهما كان مُجحفًا بحقِّ مشروعهم التوسعي، فوجود المُعممين على رأس السلطة في طهران بات اليوم مُهددًا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، فالوضع الاقتصادي خاصة وصل إلى درجةٍ أنّ الشعب الإيراني بات يبحث في مكبّات النفايات عن بقايا الطعام، ناهيك عن المظاهرات والإضرابات التي باتت شبه يوميّة في مناطق مُختلفة من إيران.
أكثر من ذلك، سيشهد منتصف العام المُقبل (18 حزيران/ يونيو) انتخابات الرئاسة الإيرانية، وعلى الرّغم من أنّ المُرشحين غير معروفين حتى الآن؛ غير أنّ نتيجتها باتت شبه محسومة بعد سيطرة المحافظين على مجلس النوّاب الإيراني، ومن جهةٍ أخرى الوضع الاقتصادي السّيء الذي عاناه الإيرانيون خلال فترتي حُكم الإصلاحيين بقيادة حسن روحاني، وغياب أيّ شخصيّة ذات ثقل ووزن سياسي بعد وفاة أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي يُعتبر الأب الروحي للإصلاحيين، ووضع الرئيس السابق محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي تحت الإقامة الجبرية.
وبناءً على ما سبق، ليس من غير المُتوقّع أنّ تواصل طهران سياسة (حافة الهاوية) التي تبرع بها، فالوضع الداخلي خاصة هذه الأيام لا يسمح لها مُطلقًا بأيِّ مغامرةٍ قد تُطيح بِحُكمِ المعممين، وهذا الخطر الذي يُهدد حكمهم مصدره الأساسي الشارع الإيراني الذي قد يُفاجئ الجميع بثورةٍ خضراء جديدة نتيجة الضغوط الشديدة التي يعيشها الإيرانيون، ومن المؤكد أنّ النظام الإيراني سيبدأ بالتفاوض على الأوراق التي يمتلكها في المنطقة كنظام الأسد والحوثيين بالدرجة الأولى، وبدرجة أقل ميليشيات حزب الله والميليشيات العراقية، وفي سبيل استمرار نظام الولي الفقيه في الحكم، سيتجرع الخامنئي "كأس السّم" كما فعلها سلفه الخميني، وسيُفضّل الخروج من سوريا على سقوط حكمه، مُعتمدًا في ذلك على الميليشيات التي زرعها في سوريا.