إعادة الاستيلاء على مدينة تدمر: حيلة الأسد غير المجدية لتجميل صورته - It's Over 9000!

إعادة الاستيلاء على مدينة تدمر: حيلة الأسد غير المجدية لتجميل صورته

Daily Sabah – ترجمة بلدي نيوز
إن خسارة أو إعادة الاستيلاء على مدينة تدمر من قبل الأسد، لم تكن سوى حيلة دعائية مثالية للنظام في دمشق، وفي الواقع، لقد كانت المسرحية مخطط لها بدقة: السماح لتنظيم "داعش" بالاستيلاء على المدينة دون الكثير من القتال، ثم إعادة استعادتها منه مع الكثير من الجعجعة والتغطية الإعلامية الحية، لذلك فقد كانت خسارة مدينة تدمر بالنسبة للنظام، هي الحيلة المثالية للحصول على الاهتمام الدولي، والآن فإن استعادة السيطرة عليها يعد حدثاً أكبر.
إن الأنباء عن الاستيلاء على مدينة تدمر الأثرية من قبل قوات النظام السوري بمساعدة من روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى المتحالفة معه، كانت قد احتلت بغزارة مؤخراً عناوين وسائل الإعلام العالمية، بنفس الطريقة التي جذبت الانتباه عندما تولى تنظيم "داعش" الإرهابي السيطرة على المدينة، وكان السبب في هذا الاهتمام المضاعف لوسائل الإعلام العالمية هذه والتباكي الدولي في كلتا المناسبتين في الواقع، ليس سوى من أجل سلامة القطع الأثرية ومواقع التراث العالمي لليونسكو في تدمر، وبالطبع ليس من أجل حياة الإنسان أو الموت والدمار المستمرين في في سوريا.
حيلة تدمر المسرحية، تمّ التخطيط لها من قبل الأسد، موسكو وطهران
وتبدو استعادة السيطرة على مدينة تدمر، أكثر أهمية على الصعيد الدولي من المعركة على الأرض في سوريا، فلقد قام النظام حرفياً بتسليم مدينة تدمر لتنظيم "داعش" الإرهابي، وذلك عندما كان يتراجع أمام الثوار في العام الماضي، الأمر الذي حظي بتغطية إعلامية وافرة، بينما اعترف بشار الأسد بنفسه قائلاً: "إن القلق على حياة جنودنا، يجبرنا على التخلي عن بعض المناطق"، لقد كانت إحدى تلك المناطق مدينة تدمر.
بينما يظهر نظام الأسد الآن للعالم بأن قواته قد قامت باستعادة السيطرة على المدينة التاريخية، محسّناً من موقفه العسكري، كمحرر ومدافع عن التراث الأثري السوري من الإبادة، في حين دحر الإرهابيين بمساعدة من الدعم العسكري الروسي والإيراني الضخم، وبعد سيطرته على مدينة تدمر يحاول الآن أن يثبت للمجتمع الدولي بأنه شريك حيوي في مكافحة إرهاب تنظيم "داعش".
ومن الغريب والمهم جداً بأن نلاحظ الآن، أنه وبعد سنوات من القتال الشرس، لذلك النظام ذاته، أنه لم يتمكن من استعادة السيطرة على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وبلدات داريا، أو المعضميّة، أو الريف الشرقي للغوطة الدمشقية من أيدي الثوار، التي تبعد مسافة بضعة كيلومترات فقط عن وسط العاصمة السورية دمشق، وفي حين يحتفل البعض في المجتمع الدولي باسترداد النظام لمدينة تدمر الأثرية من أيدي الإرهابيين، يواصل الأسد الحصار والتجويع لتلك المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وتستمر سياساته الممنهجة في التعذيب الجماعي.
إن مثل هذا النوع من التهاني المتدفقة بغزارة من أعلى المستويات من كل من موسكو وطهران بعد إعادة السيطرة على مدينة تدمر تعطي الإجابة على كل شيء، ومن المفارقات، فإن استرداد السيطرة على تدمر لن يؤثر أبداً على الوضع العسكري الفعلي لنظام الأسد على أرض الواقع، قد يساعد فقط النظام في تعزيز صورته المفقودة في المفاوضات الجارية المدعومة من الأمم المتحدة.
خلال مسرحية تدمر المخطط لها بسخرية، كانت التغطية الإعلامية الحية لكل دقيقة منها تقوم بتوثيق ما يجري بدهاء في وسيلة منها لتقديم تلك المعركة كمعركة ما بين الخير والشر، في حين ساعدت الهدنة مع قوات الثوار، والمدعومة من قبل الأمم المتحدة، النظام أيضاً على استعادة السيطرة على مدينة تدمر، فمع وقف إطلاق النار، يمكن للنظام التركيز كاملاً على جبهة واحدة بدلاً من تشرذم قواته على جبهات متعددة.
لقد ساعدت بلا شك مسرحية تدمر المبتذلة، النظام على تغيير الرواية الإعلامية لصالحه، فبعد خمس سنوات من الحرب السورية، قامت العديد من وسائل الإعلام الغربية وللمرة الأولى منذ سنوات، بالتوقف عن تسمية القوى الأسدية بـ"قوات النظام" أو "قوات الأسد"، وبدلاً من ذلك، أصبحوا يسمونها الآن بالقوات الحكومية السورية، عندما يصفون حربها المختلقة لاستعادة مدينة تدمر من أيدي تنظيم "داعش".
في أيام ما قبل الثورة، كانت المنطقة المحيطة بمدينة تدمر يقدر عدد سكانها ب 70.000 نسمة وذلك قبل اندلاع الحرب، وبعد أن تولى النظام السيطرة عليها، كانت المعالم الأثرية للمدينة القديمة بشكل عام "في حالة جيدة" وذلك كما ذكرت وكالة فرانس برس (AFP)، ولكن سكان تدمر لم يكونوا ذوي حظ كالآثار القديمة، في الواقع كانت المدينة مهجورة تماماً قبل أن يقوم النظام الأسدي بالاستيلاء عليها.

ولا يوجد أي فرق في المضمون ما بين وحشية تنظيم "داعش" ووحشية نظام الأسد وحلفائه قطاع الطرق، وهكذا فإن إعادة استيلاء نظام الأسد على مدينة تدمر الأثرية، لم يقم سوى بتغيير مقاليد الحكم، من يد طاغية إلى يد طاغية آخر، بينما يجري الآن إعادة تشكيل التصور الإمبراطوري القديم حول عبادة الشخصية الأسدية، كشخصية الرجل الوحيد الأقوى، وفي الواقع وتبعاً لذلك- نستطيع القول بأنه يمكن هزيمة الإرهاب في العالم العربي، إذ أن هؤلاء الحكام المستبدون هم جذور هذا الخطر.
إن الحكام الطغاة المستبدين في الشرق الأوسط قاموا بنجاح بترويج رواية "إما معي أو الفوضى" في حين أن وسائل الإعلام الغربية تقوم بتصويرهم على أنهم أقوياء، ولكنهم وفي الحقيقة محض أذناب، أو في بعض الأحيان، أذناب لأذناب!!! الآن وبعد مسرحية تدمر، يحاول الأسد الترويج بإتقان أيضاً لتلك الرواية، المدعومة بدعاية ضخمة من وسائل الإعلام الروسية والإيرانية.
مسؤولية عن مئات الآلاف من حالات القتل الدموي
إن الطغاة المستبدين والوحشيين كالأسد، لا يترددون مطلقاً في تدمير أكثر بكثير من مدينة تدمر في سبيل تشبثهم بالسلطة، أولئك الذين لا يحترمون حياة الإنسان، ولا يهتمون مطلقاً بإبداعات الإنسان وتاريخه ومعالمه.
بعد استعادة استيلاء الأسد على المدينة، أطلقت سانا وكالة الأنباء السورية جنباً إلى جنب مع وسائل الإعلام الروسية، والإيرانية وحزب الله، تغطية إعلامية كاذبة ومضللة للكثير من الأشياء، منها تلك الصور لما أسمتها المجزرة الجماعية التي قام بها تنظيم "داعش" في المدينة، وفي الواقع كانت صور المقابر الجماعية تلك تعود للعراق، إلى موقع يقع خارج معسكر سبايكر، القاعدة العسكرية السابقة الولايات المتحدة خارج مدينة تكريت.
يكفي أن نقول بأن الأسد لم يقم بالحفاظ على مدينة تدمر، بدلاً من ذلك، كان السبب الرئيسي وراء وقوع المدينة في خطر فناء كامل سكانها، إن تاريخ مدينة تدمر مليء بوحشية عصابة الأسد، ففي يونيو/حزيران من عام 1980، قام والد بشار الأسد وسلفه، حافظ الأسد، وأخوه الدموي رفعت الأسد- قائد المافيا الطائفية المسمّاة بسرايا الدفاع، بالقيام بعمليات إعدام شنيعة للآلاف من الأسرى السوريين العزل في سجن مدينة تدمر، بينما صممت زنزانات سجونها خصّيصا لأكثر الأفعال اللاأخلاقية التي يمكن تخيلها.
يبدو أن العالم اليوم تناسى الجرائم المهينة والبشعة لأنظمة حكم عصابة الأسد المتعاقبة، بينما تقوم قوانين العالم المتساهلة مع الطغاة في الوقت نفسه، بالسماح لنفسها بأن يتم إلهاؤها من قبل ذلك الوحش ذاته، والمسؤول الرئيسي في المقام الأول عن ارتكاب كل تلك الجرائم الدموية، ووفقاً لما أفادت به وكالات حقوق الإنسان التي تقوم بتغطية الحرب في سوريا، فإن الأسد هو المسؤول الأول والرئيسي عن أكثر من 90 % من إجمالي الخسائر بين صفوف المدنيين في سوريا، بينما أية محاولة كانت للتجميل من صورته، ومهما كانت ملتوية أو شيطانية متلاعب بها، ستمكنه بشكل أو بآخر من حكم الغالبية العظمى من السوريين لمرة أخرى.
بإعادة الاستيلاء على مدينة تدمر، فإن الأسد، ورعاته القَتَلَة في كل من موسكو وطهران، استطاعوا تحقيق نقطة أساسية في تحويل الرواية التي تفضّل أهون الشرّين على أحدهما، ولكن وبالنسبة لبقية العالم، فإن الأسد لا يزال ذلك الدكتاتور الوحشي، المسؤول عن مقتل أعداد هائلة من المدنيين، والتدمير الهمجي الذي لحق بتلك الحضارة السورية العظيمة.

مقالات ذات صلة

إسماعيل بقائي "نؤكد أهمية الجهود المشتركة في ضمان أمن واستقرار المنطقة"

روسيا تتهم أوكرانيا بتدريب عناصر من "الهيئة" بوساطة أمريكية

رأس النظام يعين فيصل المقداد نائبا له

إجراءات جديدة تتخذها العناصر الإيرانية تتعلق بالاتصالات في البو كمال

باجتماع ثنائي جرى في أنقرة.. واشنطن تبلغ تركيا معارضتها لتطبيعها مع النظام

تركيا تنفي تحديد موعد ومكان لقاء أردوغان وبشار