بلدي نيوز – (ياسر الأطرش، صالح الضحيك)
بألم وذاكرة ما زالت ترفض التصديق، يسترجع السوريون اليوم الذكرى الرابعة لمجزرة الحولة، مجزرة السكاكين كما سمّاها البعض، أو مجزرة الطفولة كما سمّاها آخرون.
ومهما كانت التسمية مفجعة، فإنها لن ترتقي إلى حجم الكارثة.. المبالغة هنا في هذا المقام لا تستطيع الإحاطة بالواقع، ويتلاشى كل صوت وتنكسر طاقة التعبير أمام صورة طفل ذبيح..
110 مدنيين، بينهم أكثر من خمسين طفلاً، قضوا ذبحاً بسكاكين الحقد الطائفي، ليظل يوم 25-5-2012 يوماً فارقاً في تاريخ البشرية، يصلح لأن يكون عنواناً للحقد الأسود، واسماً أكبر للشيطان.. هناك، قرر سفاح العصر أن يذبح الطفولة في مشهد ينبئ بما وصلت إليه حال البلاد والعباد، إنه يقتل كل شيء، ليبقى..
وفي عودة إلى المشهد، تقع المنازل التي وقعت فيها المجزرة على أطراف بلدة "الحولة"، جنوب بلدة "تلدو" القريبة من قرية "فلة" الموالية للنظام.
بدأ النظام بقصف منطقة "تلدو" بالدبابات، وباتت شوارع البلدة خاوية من المدنيين، في ظل هذا القصف ، قام أشخاص بعضهم يرتدي الزي العسكري وآخرون يرتدون ملابس مدنية، قدموا من القرى الموالية للنظام كـ"القبو" و"فلة" وغيرها، باقتحام المنازل قبل الغروب بقليل، دخلوها، واقتادوا كل من وقعت عليه عيونهم الحاقدة، لم يفرقوا بين رجل وامرأة ولا شيخ وطفل، جمعوهم في أماكن متفرقة، وأشهروا سلاحاً واحداً ارتكبوا فيه جريمتهم، استخدموا السكاكين والسواطير لإعدام الأطفال خاصة، واستعمل آخرون الرصاص لقتل الكبار، وفي المعمعة، استطاع البعض الهرب عند سماع صراخ المذبوحين، ونجا آخرون من المجزرة بعد إصابتهم بطلقات نارية غير قاتلة، فيما ظن قتلتهم أنهم قتلوا..
قال الناجون: كانوا يذبحون الأطفال أمام عيون الأطفال الآخرين الذين ينتظرون مقابلة حدّ السكين، وأمام أعين ذويهم، كان الأطفال يتبولون في ثيابهم قبل الموت، أحصى الناجون والمسعفون أكثر من عشرين طفلاً تبول قبل ذبحه.. وما زالت رائحة الدم والبول، طازجة، تزكم ضمير العالم الذي اكتفى بالفرجة.
وبعد سنوات أربع، لم يستطع المجتمع الدولي محاسبة القتلة، ولم يسعَ إلى ذلك، كما لم يتمكن من إيقاف السفاح عن قتل الأبرياء، وكل ما فعله هو دعوة المذبوحين للصفح والتصالح مع القتلة وبدء صفحة جديدة تحت قيادة سفاح العصر!
وهذا ما لا تفكر به "الحولة" طالما بقي فيها حَوْلٌ وذاكرة، فمدينة المجزرة، قدمت وحدها حوالي الألف شهيد، خلال الثورة السورية، أكثر من أربعين منهم قضوا الأسبوع الماضي، بسبب قصف الطيران الحربي المتواصل على المنطقة، فالموت ما زال يلاحقها، ولكن بأسلحة متطورة أكثر، واستخدامها في القتل يكون وقعه أسهل على الضمير الإنساني!.
ولكن "الحولة" وأخواتها، غوطة "الكيماوي"، و"القبير"، و"كرم الزيتون"، وخبز "حلفايا" المُدمّى، وباقي الإخوة، سيبقون ضمانة الحرية والسبيل الأكيد للمضي في طريق الثورة، فلا أحلاف، مهما اشتدت همينتها، ولا طغيان، يستطيع أن يقتلع الذاكرة، ويمحو أثر السكين عن رقبة طفل ذبيح.. إلا قولة قائل: أنْ انتصر الحق وزهق الباطل.. "إن الباطل كان زهوقا".