رسالة التاريخ للأسد: من يحكم بالسيف... يقتل بالسيف - It's Over 9000!

رسالة التاريخ للأسد: من يحكم بالسيف... يقتل بالسيف

Middle East Eye – (ترجمة بلدي نيوز)

إن التّاريخ لا ينظر بعين العطف لأولئك الحكام الذين استولوا على السلطة وتشبثوا بها بعنف، إذ أنّ مصيرهم المرجّح هو المنفى أو الموت، في "أجاممنون لإسخيليوس"، والّتي تصوّرُ المأساة اليونانية إثر حروب طروادة، تقول كلايتمنيسترا زوجة الملك أجاممنون، لزوجها الوحشيّ والذي قتلتهُ بنفسها: "بالسّيف فعلتَ أفعالك، وبالسيف تموت".

وفي إنجيل مَتَّى (26: 52) قال يسوع لأحد أتباعه والذي كان قد قطع أُذن رجل آخر: "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ، بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ".

إن فكرة الكارما تلك، أو العدالة لأولئك الذين يعيشون حياتهم بواسطة العنف، هي فكرة قديمة جداً ولكن التاريخ الحديث يشير أيضاً إلى أن ذلك عادة ما يحصل أيضاً مع القادة السياسيين في العصر الحديث، ويمكننا أن نستحضر عدداً من الشخصيات التاريخية في الآونة الأخيرة والذين كان سجلّهم العنيف والدامي قد بلغ أوجه... مؤدياً لنهاياتهم العنيفة والمرعبة كحكمهم.

أكثر تلك الشخصيات وضوحاً: هتلر، موسوليني، نيكولاي تشاوتشيسكو، صدام حسين ومعمر القذافي، خمسة فقط من الكثير من الطغاة -وبالنسبة لزعيم سياسي فإن حكم دولة بالسيف، يعزى للطريقة التي من خلالها استطاعوا السيطرة على زمام السلطة- والتي كانت في المقام الأول: العنف.

فبدلاً من المناورة السياسية، أو الدعاية الانتخابية أو بأن يكون هؤلاء الحكام قد ولدوا بالأصل لعائلة حاكمة في نظام حكم ملكيّ، قادة كهؤلاء استولوا على السلطة من خلال قيامهم بانقلابات، وتمسكوا بها من خلال اعتمادهم على الإرهاب المطلق والقمع، واستخدام الحرب كخيار أول في سياستهم الخارجية.

إلا أن هناك العديد من الاستثناءات الآن لهذا النمط، مما يطرح تساؤلاً عن مدى ما يمكننا التنبؤ به بما يتعلق بمصير الحكام الآخرين فمثلاً ستالين، والذي جاء الى السلطة من خلال الثورة والحرب الأهلية، وتمسّك بها عن طريق استخدامه لأشكال غير معروفة حتى الآن من الإرهاب وذلك ضد أعداد ضخمة من السكان، مات في سريره، كيف؟ لأنه قام بإبادة وقتل جميع منافسيه المحتملين دون رحمة، حيث لم يبق من وجود لأي شخص يستطيع تنحيته، بالإضافة لكسبه للحرب العالميّة التاريخيّة ضد ألمانيا النازية، والذي ضمن بقاء النظام السوفياتي، وفي نفس الحقبة تلك، فرانسيسكو فرانكو، والذي أطاح بالجمهورية الديمقراطية في إسبانيا وأعدم الآلاف من الجمهوريين، بقي محافظاً على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية، وكان قادرا على الحكم حتى وفاته في عام 1975.

تقاعد طغاة الحرب المريح

إن طغاة الدول الإمبريالية أفضل حالاً، على ما يبدو، من نظرائهم في الدول الصغيرة. فنابليون، والذي غزا أوروبا قبل هزيمته في واترلو، انتهى بها المطاف في المنفى، والقيصر الألماني ويلهلم تقاعد بشكل مريح في هولاندا، كما يمكن لأحدهم أن يبدأ حرباً دمويّة، مثل جورج دبليو بوش في العراق، ومن ثم ينسحب بعيداً عن الساحة السياسية الى التقاعد، فلقد قام بوش على الأقل بالتقاعد بعد ثماني سنوات مخزية، والذي هو نوع من بنود الخروج، لتجار الحروب الديمقراطية (وهذا يتضمّن أيضاً توني بلير).

في حين نجا بعض من طغاة السيف بفرارهم من منصّة الحكم، فبعد حكمه الوحشيّ، عاش "عيدي أمين" الرئيس الديكتاتوري الأوغندي السابق لسنوات من التقاعد في جدة، بينما "منغستو هيلا مريام"، الزعيم الإثيوبي الدموي اضطرّ إلى الفرار عندما هُزمت قواته أمام جيوش المتمردين، وتم الترحيب به من قبل روبرت موغابي في زيمبابوي، حيث لا يزال يقيم، على الرغم من إدانته في أثيوبيا وصدور حكم قضائي غيابيّ في حقه، بتهمة الإبادة الجماعية!

وهذا ما يقودنا بالتالي إلى الحرب الحالية في سوريا، حيث أن الأسد الابن، والذي ورث عرش "الجمهوريّة" من أبيه، مخالفاً صيغة دستور الجمهورية، عاش بالتأكيد بسلطة السيف والقمع منذ عام 2011، وأياً كانت درجة تأييد النظام في المناطق الخاضعة لسيطرته، أو بالأحرى الخوف من البديل، لا يمكنه أن يخفي الحصيلة المرعبة التي فرضتها استراتيجيته الحربيّة عديمة الرحمة على السوريين: مخلّفة نصف مليون، في حين أن نصف المدنيين اليوم لاجئون (4.6 مليون)، أو مشرّدون داخلياً (6.6 مليون).

كيف يمكن لأي حاكم تفادي الجزاء والعقاب بعد كارثة كهذه؟ بالطبع الجغرافيا السياسية الحالية تَمِنُّ عليه، إذ أن المعسكر المؤيد للأسد يتضمن دولاً ذات إرادة قوية لفرض أهدافهم (روسيا، إيران، حزب الله)، بينما "أصدقاء" الثوار (الولايات المتحدة، تركيا، والمملكة العربية السعودية) هي ولأسباب شتّى، من ضمنها -الخوف من تنظيم "داعش" البديل- ليست مستعدّة لتقديم الشيء نفسه، و حقيقة أن البعض يقوم بالترويج لجبهة النصرة -والتابعة لتنظيم القاعدة، كبديل "معتدل" لتنظيم "داعش"، في المستقبل السوريّ، يعبّر عن يأس كبير.

تقسيم دولة في القرن الـ21

من الناحية النظرية يقودنا هذا إلى حالات تاريخية ذات تشابه محدود، ففي العصور السابقة، تم نحت المناطق والدول وتقسيمها من قبل القوى العظمى، وحدد مصيرها إلى حد ما، وذلك عندما تقوم القوة (أ ) بالاتفاق مع القوة (ب) ، لرسم خط على الأرض، وإطلاق اسم (السلام) عليه.

فبعد الحرب العالميّة الثانية على سبيل المثال، كانت كلّ من بولندا والمجر عالقتان بظلال المخيم السوفياتي، على الرغم من عدم وجود أي رغبة تاريخيّة لأن يكونا هناك، في حين أن اليونان، وبوجود ثورة انحازت مع السوفييت، بقيت في المعسكر الغربي، في حين تم إبعاد يسارييها بعيداً عن السلطة لمدة 70 عاماً (و كان النصر المؤخر نوعاً من الخذلان).

وتم تقسيم الشرق الأوسط ما بعد الحرب، أثناء الحرب الباردة، وانضمت تلك الدول بعد تحررها من الاستعمار الأوروبي للسوفييت، وكانت سوريا تابعة للمخيم السوفيتي، كما كانت لفترات كل من مصر واليمن والعراق.

إن التاريخ يقوم أحيانا بإلقاء البطاقات في الهواء، تُخلَطُ الرزم، ويسقط الطغاة، وفي أحيان نادرة، يعاد رسم الخطوط العظمى على الخريطة، والتي سبق أن رسمتها قوى عظمى، كما حدث في عام 1989 بعد سقوط الشيوعية، وإعادة تشكيل أوروبا بعد 1990، حيث لم يعد هناك المزيد من الاضطرابات السياسية الكبرى، وعوضاً عن ذلك تم تقسيم تلك الدول، وحدث هذا لأول مرة في حرب البوسنة، عندما تمّ تقسيم يوغوسلافيا إلى خمس ولايات.

يمكننا أيضا أن نرى ذلك في العراق، وذلك عندما تمّ فرض عقوبات في البداية على نظام سنيّ علماني، ومن ثم الإطاحة به من قبل الأمريكان، و تقسيمه ما بين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، والشيعة المدعومين من إيران، ومؤخراً تنظيم "داعش"، (وقد حدث ذلك في أوكرانيا أيضاً، منذ عام 2014)

وهكذا كانت القوى العظمى في القرن الـ20 تستغل الاضطرابات مثل انهيار الإمبراطوريات لسحب الدول نحو مدارها، ويبدو أنه في القرن الـ21 أنه وبدلاً من إعادة رسم الخريطة، فإن من الأسهل القيام بخلق واقع مبنيّ على دويلات منشأة على أنقاض الدول القومية المقسمة.

سوريا: مأزق القوة العظمى

هناك عاملان أساسيان في الشرق الأوسط، كانا قد أوجدا ما يحصل الآن: تقهقر الولايات المتحدة بعد فترة فشلها في استعراض العضلات الإمبريالية، وغياب وجود أي قوّة سنّيّة ذات شرعية كافية لحشد القوات، وهذا ما يترك الميدان مفتوحاً بوجه كل من روسيا وإيران، وفي حين أن بعض المتعاطفين مع الثوار السوريين يناشدون حلفاءهم وداعميهم ببذل المزيد من الجهد، ينبغي عليهم أن يتذكروا بأن إيران تقوم بتوفير الدعم والأسلحة إلى حليفها دون أن تناشد سماح أي دولة قوية... شيء لم تستطع المملكة العربية السعودية القيام به، ولربما يرغب حكام تركيا بالقيام به، ولكن ونظراً لعلاقاتهم الثنائية القطب، مع الغرب، لا يستطيعون.

وهكذا ... لم تتمّ الإجابة عن التساؤل ما إذا كان الأسد في نهاية المطاف، سيقتل بحدّ سيفه، أو ستكون نهايته بواسطة سيف أحد آخر، في ضوء كل الدماء التي أريقت بسببه، لربما كان الجواب بأنه سينجو لطالما كان داعموه الأقوى، باقون باستعداد للتضحية بكنوز أكثر، ودماء أكثر، في الدفاع عن وجوده، بشكل أكثر حقيقية من قدرة أو إرادة خصومهم في التقديم والقتال من أجل تنحيته.

هل وصلنا أخيراً إلى تلك النقطة في التاريخ، عندما لا يستطيع لا الإغريق ولا الكتاب المقدس إخبارنا بكيفية انتهاء القصة؟

لعل تاريخ يوغوسلافيا يستطيع إخبارنا كيف يمكن للأحداث أن تتكشف، كما حدث في وقت سابق في ولاية بيل كلينتون، زوج المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ورئيس الولايات المتحدة في حينها، حيث أن سلوبودان ميلوسيفيتش، غوغائي قومي آخر، نجا من حرب البلقان الأولى لبضع سنوات، قبل تدخل حلف شمال الأطلسي في كوسوفو، حيث شهد نهايته في آخر المطاف.

إن من السهل جدّاً، تصور أمثال الأسد كضحايا للمؤامرات الإمبريالية، بينما هم في الواقع جلادون قساة عديمو رحمة، يقتلون شعوبهم، ويحرقون بلاداً كاملة ، كي لا يتمكن أحد آخر من أخذ سلطتهم، فلا ينبغي للأسد ولا لأي قوة خارجية - المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وإيران أو روسيا أن يكون له حق الاعتراض، على إنهاء كابوس سوريا.

إن مستقبل الأسد لا يبدو مشرقاً، حتى لو كانت الجغرافيا السياسية، وتهديد التطرف، والذي خلقته سياسته الدموية، يؤيدانه في الوقت الحالي، لكن وكما جاء عن النبي محمد (ص) قوله في الحديث الشريف "من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله".

مقالات ذات صلة

رأس النظام يعين فيصل المقداد نائبا له

تركيا تنفي تحديد موعد ومكان لقاء أردوغان وبشار

السويداء تحتفل.. عام على الحراك السلمي

السويداء تواصل مظاهراتها ضد نظام الأسد

رأس النظام يعزل دفعة أخرى من القضاة

بعد أحداث الأمس.. "الهيئة" تسحب عناصرها من الشوارع