بلدي نيوز _(تركي مصطفى)
مدخل:
يناقش هذا الملف العملية العسكرية التركية التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان, اليوم الأربعاء, ضد الوحدات الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية وتسيطر على منطقة شرق الفرات، حيث اتجهت الأوضاع إلى الصدام العسكري المباشر بين الجيش التركي وقوات سورية الديمقراطية "قسد"، كما حدث مطلع العام الماضي في منطقة عفرين شمال غربي حلب، ونستعرض أسباب انسحاب القوات الأميركية من منطقة الشريط الحدودي مع تركيا, تسهيلا لتنفيذ أنقرة عمليتها العسكرية.
عملية "نبع السلام"
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأربعاء، عن بدء معركة شرق الفرات أطلق عليها اسم "نبع السلام". وقال مراسل بلدي نيوز، إن عملية "شرق الفرات" التي تقودها تركيا برفقة فصائل من "الجيش الوطني" ضد الوحدات الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بدأت في مدينة رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة الشمالي. وأضاف مراسل بلدي أن القوات التركية بدأت بالتمهيد المدفعي والصاروخي على مواقع عسكرية تابعة للوحدات الكردية في رأس العين وتل أبيض. وتابع أن 4 انفجارات دوت في مواقع تابعة لقوات حماية الشعب الكردية في رأس العين، ناجمة عن قصف جوي من قبل الطائرات التركية. وقال إن الطيران التركي استهدف مواقع "قسد" بقرى الأسدية وبير نوح بريف رأس العين. ونوه المراسل أن خدمة الانترنت قطعت عن مدينتي رأس العين وتل أبيض فور بدء العملية العسكرية التي أعلنت عنها تركيا.
وتأتي هذه التطورات بعد أن بدأت الولايات المتحدة في وقت مبكر من صباح الاثنين الماضي، تنفيذ ما وعد به الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بسحب القوات الأميركية تدريجيا من مناطق انتشارها في شمال شرقي سوريا. وشدد ترامب على أنه "ليس متحيزا لأحد" بقرار سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، مشيرا إلى أن "أميركا تريد إعادة قواتها للوطن"، متابعا "منذ سنوات ونحن في سوريا، وكان يجب أن تكون مهمتنا العسكرية في هذا البلد قصيرة، كان علينا الدخول إليها والإسراع في الخروج".
وفي السياق ذاته، أعلن مسؤول أميركي كبير أنّ قرار ترامب سحب القوّات الأميركيّة لا يشمل سوى نحو 50 إلى 100 جنديّ فقط من أفراد القوّات الخاصّة "سيتمّ نقلهم إلى قواعد أخرى" داخل سوريا. وهذا يعني إعادة نشر تلك القوّات لإعطاء "ضوء أخضر" لعمليّة عسكريّة تركيّة ضدّ القوات الكرديّة في شمال شرق سوريا, أطلق عليها " نبع السلام" وفق خطة عسكرية تقضي بدخول فصائل "الجيش الوطني" المسنود من تركيا، إلى كل من تل أبيض ورأس العين، بعدما انسحبت منهما القوات الاميركية. وستتوغل تلك الفصائل حتى الطريق الدولي اللاذقية-حلب-اليعربية فأربيل، بغطاء جوي تركي من داخل الأراضي التركية حصرا بعد تقييد حركة الطيران التركي فوق الأرض السورية، وهو ما سيُعقّد مهمة القوات البرية في البحث عن خطط تكتيكية إضافية لحسم المعركة خلال وقت قصير في ظل إصرار الوحدات الكردية الدفاع عن مناطق سيطرتها.
على خطى "مهاباد"
يتنقل حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" بين حضن الأسد والولايات المتحدة وروسيا في وعود واهية لإقامة مشروعهم في الشمال السوري، ويطلعنا التاريخ القريب أن الأكراد عاشوا ذروة حياتهم السياسية، في منتصف القرن الماضي، إذ تمكنوا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من إقامة جمهورية مهاباد الكردية في غرب إيران، بدعم مباشر من الاتحاد السوفيتي، الذي أراد أن يكون له حلفاء على الأرض في إيران، بغية الاستفادة من الثروة النفطية فيها، وحرمان بريطانيا منها وفي العام 1946، تشكلت أول جمهورية كردية، وعاصمتها مهاباد، بدعم دولي وسياسي واقتصادي من الاتحاد السوفيتي، وفي العام1947 حصل السوفييت على وعود إيرانية بإعطائهم امتيازات نفطية في إيران، وبكفالة أميركية – بريطانية، حينها تخلى السوفييت عن شريكهم الكردي، بعد تلك الامتيازات، فأوعزت روسيا لقواتها بالانسحاب من إيران، ليتبعها حملة عسكرية إيرانية قضت على الحلم الكردي، وقتلت أشهر الشخصيات الكردية قاضي محمد.
ومع وصول الملالي إلى سدة الحكم في إيران حذفوا الأكراد من القاموس السياسي الإيراني، وهكذا يدخل حزب العمال الكردستاني في تحالف مع الولايات المتحدة في سوريا لمحاربة تنظيم "داعش", فأقامت قواعد عسكرية في مناطق نفوذه, واقترب من روسيا التي تستخدمه كورقة ضغط على تركيا, ولكن سرعان ما تخلى الروس عنهم تدريجيا في الصفقة السياسية الأخيرة مع تركيا، في ظل صمت وتخلي الولايات المتحدة عن الوحدات الكردية حيث وصفتهم بالمرتزقة الذين يقاتلون لقاء دعمهم بالمال والسلاح إلى أن وأدت عملية "غصن الزيتون" أوهام الحزب في منطقة عفرين.
وحاولت الوحدات الكردية فرض أوهامها على قرار أكراد سوريا وملاحقتهم واضطهادهم، والتخلص من أحرارهم بالاغتيالات، كما حدث للسياسي الكردي (مشعل تمو) وغيره، أو تسليمهم أعضاء المجلس العسكري الكردي لسلطة نظام الأسد، وكذلك دغدغة وتر نزعات قومجية ممزوجة بنكهات مذهبية ظنا منهم أن ارتهانهم لإرادة اللاعبين الدوليين يعطيهم الحق في تقرير مصير المنطقة، ليصبح واقعا يحمل السكان بالقوة على القبول به، ثم يتجاوزونه إلى خلق واقع جديد، كما يتوهمون بكيان رسموا خرائطه وحاولوا تسويقه دوليا، والتسبب بمأساة جديدة للسوريين من أكراد وعرب في منطقة شرق الفرات وجر تركيا للتدخل العسكري في المنطقة.
أسباب انسحاب واشنطن
دافع الرئيس دونالد ترمب عن قرار إدارته سحب قوات بلاده من شمال سوريا، والسماح لأنقرة بتنفيذ عملية عسكرية ضد الأكراد. وذلك عبر سلسلة من التغريدات على حسابه الرسمي في موقع توتير الأخير القاضي فكتب مغردا "إن مواصلة دعم القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة في المنطقة مكلف للغاية". وأوضح الرئيس الأمريكي تبرير القرار قائلا "الأكراد قاتلوا معنا، لكنهم حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل لفعل ذلك، إنهم يقاتلون تركيا منذ عقود، وأبقيت نفسي بمنأى عن هذه المعركة على مدى ثلاث سنوات تقريبا", وتابع "ترامب" تغريداته "آن الأوان لكي نخرج من هذه الحروب السخيفة التي لا تنتهي، والكثير منها قبلية، وأن نعيد جنودنا إلى البلاد"، معتبرا أن "على الأتراك والأكراد حل الوضع فيما بينهم بعد انسحابنا من شمال سوريا". وبيّن الرئيس الأمريكي أنه يتخذ القرارات التي تتوافق مع مصالح أمريكا قائلا "سنحارب في المكان الذي نرى فيه فائدة لنا وفقط من أجل الانتصار". معتبرا أنه "سيتعين الآن على تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والأكراد تسوية الوضع". وشدد "ترامب" خلال تغريداته على أنه آن الأوان لخروج القوات الأمريكية من الحروب التي وصفها بـ "اللانهائية السخيفة"، في إشارة إلى سحب القوات الأميركية من سوريا. وكانت واشنطن قد أصدرت بياناً أعلنت فيه انسحابها من شمال سوريا، ممهدة الطريق أمام هجوم تركي على الوحدات الكردية التي دعمتها واشنطن طيلة السنوات الخمس السابقة.
وقال بيان البيت الأبيض "إن تركيا ستمضي قدما قريبا في عمليتها، المخطط لها منذ فترة طويلة شمالي سوريا". وأضاف البيان الرسمي الأمريكي الذي صدر في وقت متأخر من مساء الأحد "لن تدعم القوات الأمريكية العملية أو تشارك فيها، ولن تكون قوات الولايات المتحدة، بعد أن هزمت خلافة تنظيم"داعش"، في المنطقة التي تجري فيها العملية".
كما ذكر بيان البيت الأبيض أن تركيا ستتولى المسؤولية الكاملة فيما يتعلق بمقاتلي التنظيم ممن وقعوا أسرى في العامين الماضيين. ونوه البيان عن أن "الحكومة الأمريكية مارست ضغوطا على كل من فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية، التي وفد منها هؤلاء الأسرى التابعون للتنظيم وذلك لاستردادهم لكن هذه الدول رفضت ذلك وأبدت عدم رغبة في عودتهم". وأضاف البيان الأمريكي: "لن تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتهم لمدة قد تطول لسنوات عديدة وتكاليف طائلة من أموال دافعي الضرائب الأمريكية".