بلدي نيوز - (تركي مصطفى)
خلال فترة الحرب في سوريا برز لوبي الإعلام "المقاوم" المكون من "إيران وميليشياتها ونظام الأسد" وانضمت له روسيا رسميا عند تدخلها في سوريا عام 2015م ؛ فشكل ميليشيا موازية أو رديفة للميليشيات التي تقاتل على الأرض. والمتابع لهذا الإعلام في كل المعارك يلاحظ اليوميات الحربية من خلال شبكاتهم الإعلامية المزودة بتقنيات عالية والمرفودة بخبراء على مستوى الإعلام الحربي، والقراءة اليومية للأحداث، مع التركيز على تلميع الميليشيات المجرمة وتحويل مهامها القذرة إلى مهام وطنية وإنسانية.
إثر سقوط دمشق في قبضة الإيرانيين وانتشار الميليشيات الإيرانية بشكل واسع في سوريا منذ العام 2013م، تطور النشاط الإعلامي الإيراني في المنطقة بشكل لافت للنظر، خاصة في سوريا؛ ومرد ذلك إلى دور المخابرات الإيرانية التي جنّدت عشرات الصحافيين والكتاب والإعلاميين العرب، من كل الإقليم، وآخرين ممن يقيمون في بعض الدول الأوروبية كالصحفي عبد الباري عطوان صاحب جريدة القدس العربي، ليكونوا في طليعة المدافعين عن إيران بهدف تنظيف الحراب الطائفية المغموسة بالدم السوري، وإيهام الناس أنها تقف في خندق المجابهة والمقاومة لـ"لولايات المتحدة والاحتلال الصهيوني"، حتى باتت الأبواق الإعلامية تعمل على تشويه شريحة واسعة من المجتمع السوري باتهامها بـ"الدعشنة والتكفير والارهاب".. وفي الحملة العسكرية الجارية نلاحظ نبرة الإعلام المرافق لها " الروسي والإيراني وذاك التابع لنظام الأسد" التي تضخم حجم القوات المعتدية وتصورها كقوة متماسكة, بينما هي في الحقيقة ميليشيات تعاني انقساماً هيكلياً حادّاً فهناك "الفيلق الخامس اقتحام" يتشكل قوامه من عناصر المصالحات، وهم من "السنة"، فيما يشكل "العلويون" القسم الأكبر من الفرقة الرابعة، فضلا عن الميليشيات الشيعية المتمثلة بميليشيا "حزب الله اللبناني" وميليشيا "فاطميون الأفغانية"، لكن الإعلام الممول يدافع عن هذه الميليشيات ويصنع منها جيشاً خرافياً، فيما تصنف هذه الميليشيات بالأضعف على مستوى المشهد العسكري السوري. وما يرجح كفتها رغم ضعفها هو سلاح الطيران الروسي بكافة أشكاله.
على الضفة الثانية، يقف "الإعلام الثوري" المفترض أنه صاحب القضية والحق في كل ما يدور في سوريا، بإمكانات هائلة أحيانا ومحدودة أحيانا أخرى، بهدف تحقيق مكاسب حقيقية على المستوى الإعلامي، ويتفوق حقوقيًا في المحافل الدولية وأمام المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، لكنه افتقد لهذه المواجهة لعدم الاستفادة من إمكانيات التفوق، المتمثلة بالتمويل وبالطاقات البشرية المختصة بالتخطيط والإبداع والتميز؛ فهناك مقص الرقيب الذي يبتر كل كلمة تخالف وجهة نظر الممول أو الدولة الوصية على المنابر الإعلامية، وهو ما أحدث تحولاً كبيراً في التغريد خارج إطار مجابهة الإعلام الموجه الذي تقوده الماكينة الإعلامية الإيرانية، وزادت بعض المنابر الثورية على ذلك بمحاكاتها الرؤية الإعلامية الإيرانية المشوهة للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ودارت المعركة الإعلامية المشتركة عبر مختلف وسائل الإعلام سواء الذي تقوده إيران، أو الإعلام المحسوب على الثورة، واستغل الإعلام الممانع موقف السوريين السلبي من داعش للتحريض ضد باقي الفصائل المسلحة السورية التي تحارب نظام الأسد وحلفائه من الإيرانيين والروس؛ فكانت تهمة الإرهاب بالمرصاد فوقع غالبية الإعلاميين السوريين في الشباك الإيرانية وبات الجميع في مواجهة ما يسمى "الإرهاب السني" وفق محددات مشتركة مع الغرب برمته.
على صعيد متصل، أبرز اللوبي الإيراني قادة الميليشيات كأبطال وطنيين يدافعون عن سوريا الموحدة ويحاربون "الإرهاب"؛ فكان من أبرز من أنتجهم هذا اللوبي: العميل الروسي سهيل الحسن وهو أحد الضباط المغمورين الذي تبنته موسكو كواجهة لعملياتها العسكرية لاستكمال احتلال سوريا. كما أبرز بشار الأسد كضامن لوحدة سوريا في الوقت الذي باتت فيه سوريا محتلة ومستباحة من كل الأطراف الدولية والإقليمية وكذلك الميليشيات المحلية.
في ذات الوقت انحسرت المنابر الإعلامية الثورية وانصرفت غالبية أقلامها لخوض معركة جانبية على ضفاف الخليج وانقسمت بين مؤيد للدفاع عن طرف ضد آخر، وبقيت وسائل إعلام ثورية تشغل الساحة الثورية لا تتجاوز عدد الأصابع تعاني تدنيا في ميزانيتها مما انعكس على رواتب العاملين فيها وبالتالي على إنتاج مواد تغطي مسرح العمليات العسكرية الجارية في ريفي حماة وادلب.
لقد كشفت المعارك الأخيرة أن مجال الإعلام المحسوب على الثورة مخترَق إيرانياً، وعلى نحو غير متوقع؛ فبمجرد تقدم رتل تركي باتجاه خان شيخون خرج "المرصد السوري لحقوق الإنسان" بعنوان عريض "معركة إدلب في منعطف خطير.. تركيا تدعم النصرة بالذخائر"، ولا أدلَّ على ذلك من استبداد التشيع الإعلامي بأغلب المنابر.
إن مواجهة نظام الأسد وأحلافه في الميدان الإعلامي تستدعي النظر إلى المشاكل والشروخ التي تعصف به، إذ تعتبر الميليشيات التي تتشكل منها قوته متنوعة عرقياً ودينياً ومذهبياً فمنها الروسية والفارسية الشيعية والأفغانية والعلوية، وجميعها تعاني مشكلات كبيرة يمكن توظيفها لكبح نشاطها العدواني في سوريا بتسليط الضوء على مشاكل هذا الحلف داخل بلدانه. حتى مشاركة ميليشيا حزب الله اللبناني المصنف إرهابياً في القتال تحت راية روسيا في معارك ريفي ادلب الجنوبي وحماة الشمالي الجارية، لم يُستغل، إعلاميا، من قبل الإعلام الثوري، ولم يوظف في الاتجاه السياسي والعسكري الذي تتطلبه المرحلة.
أخيراً على المعارضة السورية وكل وسائلها الإعلامية أن تبحث عن طرق وحلول لتفرض حضورها على المشهد السوري؛ فالمعركة الإعلامية لا تختلف عن المعركة العسكرية، فيجب الالتفات إليها باعتبارها الأخطر على الشعب السوري بكل مكوناته.