بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
يدخل المشهد الميداني حالة ضبابية في الشمال المحرر، ﻻسيما بعد اتخاذ قرار الفصائل المعارضة اﻻنسحاب من نقاط التماس مع قوات النظام في محيط "كفرزيتا واللطامنة ومورك"، في ريف حماة الشمالي.
تزامنت تلك اﻷنباء مع دخول رتل عسري تركي مؤلف من عشرات الآليات بينها دبابات وعربات مصفحة، يوم الاثنين، باتجاه نقاط المراقبة التركية بريف إدلب الجنوبي.
وبعيدا عن تبريرات الفصائل الثورية في ملف اﻻنسحاب، من المرجح أن يتجه ملف الشمال السوري إلى تطورات كبيرة وخطيرة في المرحلة المقبلة، وسط ترقب شعبي وتخوف من المشهد.
مناورة تكتيكية
تشير مجريات اﻷحداث اﻷخيرة أنّ تطبيق "سوتشي" يسير على قدمٍ وساق، وبالأسلوب الخشن، بعد فشل اﻵليات الناعمة أو الدبلوماسية.
وفي السياق كتب اﻷستاذ محمود ابراهيم، مدير السياسيات في مركز برق للسياسات واﻻستشارات على صفحته في "فيس بوك" يقول؛ "السلاح الثقيل الذي دخل اليوم كان مناورة تكتيكيّة، لحماية ظهر النقاط التركية ومنع تطويقها في حال خرجت ميليشيات مهاجمة عن نطاق السيطرة الروسيّة، بما يؤكّد سقوط المنطقة، وتموضع الرتل على طريق المعرّة هو مهمة مسك مؤقت للأرض قبل إخلاء سلاح ثقيل إلى مناطق درع الفرات".
بالمقابل؛ ثمة وجهات نظر ترى أنّ الدخول التركي يشير إلى أحد أمرين، ويقول المحلل السياسي، خليل المقداد في تغريدة نشرها على صفحته الرسمية؛ "عمليا يتوحب على تركيا التنسيق مع كافة الأطراف على الأرض وعلى رأسها روسيا قبل إرسال تعزيزات إلى إدلب".
وأضاف؛ "إرسال تعزيزات أو إقامة نقاط مراقبة جديدة دون موافقة روسيا شريكها في أستانا، يعني حالة استعداء قد تجر لصدام".
أخطاء قاتلة
ووسط الضبابية السابقة يمكن اﻻعتراف أيضا بمجموعة من اﻷمور التي أسهمت في ترتيب فسيفساء المشهد السابق، وتطوراته على اﻷرض.
فقد تبنت معظم الفصائل تكتيكات المواجهة المباشرة والتقليدية في معاركها، ما أكسب الطرف اﻵخر (قوات النظام) المقدرة على التقدم، ﻻعتمادها أساسا على عنصر فاعل بقوة هو "سلاح الجو" الذي اتبع سياسة اﻷرض المحروقة.
كما أنّ حصر القتال طيلة الأشهر الفائتة بمحيط جغرافي ضيق أو التركيز على استعادة منطقة "مغتصبة/محتلة" من طرف قوات النظام، مع الاكتفاء بالدفاع عن بعض المناطق أسهم في تركيز النظام عليها، وتجلى ذلك بوضوح في تكثيف القصف وخسارة اﻷرض.
ومن بديهيات وأبجديات العمل العسكري، عدم السماح للعدو باختيار زمان ومكان المعركة، وهي إحدى عوامل اﻻنتكاسة التي لابد من اﻻعتراف بها.
صحوة أو موت
ومن الطبيعي أنّ المرحلة المقبلة في ضوء التطورات الراهنة، تحمل معادلة ثنائية وجودية، بالنسبة للمعارضة المسلحة، كما هي بالنسبة لمحيطها اﻹقليمي، ودون شك النظام وحلفائه، الذين يحاولون الحسم سريعا بعد كم الخسائر، ونتحدث هنا عن "اﻹنفاق المالي على الحملة اﻷخيرة تحديدا، وما دفع ﻹحراق واحتلال اﻷرض".
بالتالي؛ ثمة استحقاقات عسكرية، على المعارضة، تفرض التعامل مع المشهد بخفة ومرونة، وتفترض امتصاص الصدمة أوﻻ، وفهم الفارق في توازن القوى وعدم إمكانية الوصول إلى "نقطة التعادل"، منطقيا.
وهذا ما يفرض فتح مزيد من الجبهات؛ والذي من شأنه تشتيت قوة المهاجم، ودفعه لارتكاب أخطاء، والتركيز على استنزافه بشريا، وحصر النظام في خانة اﻹحساس بعدم القدرة على تأمين وحماية جنوده.
وتفرض الواقعية القول؛ أنّ المعركة ما تزال في طورها اﻷول، رغم ما مرّت به من انتكاسات، فالحاضنة والحامل الشعبي، فضلا عن إرادة القتال، التي يمكن أن تلمس من طرف شباب الثورة المقاتل، موجودة.
قلب الموازين
ميدانيا؛ الفرصة قائمة أمام المعارضة، والخيارات متاحة، وشكل المعركة في المرحلة المقبلة، سيختزل إلى شكل وآليات مختلفة، تعتمد "حرب البرغوث" واستنزاف العدو، وهذا وحده كفيل بقلب الطاولة.
فالمنطق يقول، والشواهد تؤكد أنّه ثمة شبه إجماع دولي وإقليمي تبنى فكرة وجود "فصائل إرهابية" في محافظة إدلب؛ أسهم وجودها في منع تسوية تعيد بسط نفوذ وسيطرة نظام اﻷسد عليها، بالتالي؛ وجب إنهاء ملفها.
وليس من السهل عمليا التخلص من هذا الملف الذي فشلت به موسكو واﻷسد لاعتبارين يلخصهما اﻷستاذ خليل المقداد المحلل السياسي؛ على صفحته في "تلغرام"، بالقول "ما يزيد التعقيد أمران: تداخل أرياف إدلب وحماة واللاذقية وترابطها، وصعوبة فصل المصنف إرهابيا عن المعتدل؛ لذلك من المرجح العمل على فك الترابط جغرافيا والتعامل مع كل منطقة على حدة".
والمرجح؛ أن تحمل اﻷيام المقبلة عودة للحراك الثوري بشكله العسكري سيرته في البدايات؛ وثمة ما يؤكد وجود تيارات وطنية مجمعة على هذا اﻷمر".
يذكر أنّ قرارا اتخذ الليلة الماضية بالإخلاء لريف حماة بعد انقطاع معظم طرق الإمداد على ريف حماة، عقب سيطرة قوات النظام وروسيا على نقاط حاكمة في مدينة خان شيخون، واقتصار طريق الإمداد والإخلاء والإسعاف على الطرق الترابية الواقعة بين مورك والتمانعة.
ويهدف القرار الذي اتخذته غرفة العمليات إلى منع حصار مئات المقاتلين، والتعرض للأسر أو القتل الجماعي في ظل استخدام جنوني للأسلحة شاملة التدمير من قبل روسيا ونظام الأسد.
ويشار إلى أنّ ريف حماة الشمالي من أكثر المناطق التي حاول نظام الأسد بسط سيطرته عليها منذ منتصف عام 2012، إلا أنها بدت عصية على ميليشياته، ما دفعه إلى تطويقها وإسقاطها ناريا وتحت الحصار، بدلا من السيطرة المباشرة عليها.