بلدي نيوز- (تركي المصطفى)
استحوذت المعارك الدائرة بين روسيا ومعها نظام الأسد وميليشيات أخرى من جهة وفصائل الثورة والمعارضة السورية المسلحة المقاومة لهم من جهة أخرى، في مناطق من ريف حماة الشمالي الغربي، ومنطقة "كبانة" في ريف اللاذقية الشرقي، على تغطية إعلامية غير مسبوقة وأحدثت جلبة سياسية وعسكرية على المستوى المحلي والإقليمي وحتى الدولي، مشفوعة بتفسيرات متباينة حول جدوى هذه المعارك ونتائجها وتداعياتها، وإلى أين تتجه مساراتها.
الواقع أن المعارك في هذه المناطق وخاصة مثلث "محردة السقيلبية قلعة المضيق"، وكذلك "كبانة"؛ تأتي في إطار الاستراتيجية الروسية التي ترمي إلى القضاء التدريجي على نفوذ فصائل الثورة في هذه المناطق التي تمثل مصادر تهديد محتملة للقواعد الروسية المتقدمة المنتشرة في "كرناز وبريديج وحيالين وحلفايا"، والتي شكلت حاجزاً على شكل سيف رأسه في مطار حماة العسكري وقاعدته في معسكر جورين، إذ يعتبر خطاً متقدماً لحماية قواعدها الرئيسية الممتدة على طول الساحل السوري "قاعدة حميميم وإسطامو وطرطوس البحرية".
وبعد سلسلة من التطورات السياسية المتصلة بأعمال عسكرية أثارت روسيا بعد تقديرها للموقف الملائم، هذه المعارك، فتلال كبانة التي تمثل منطقة حدودية لمحافظة اللاذقية تعد أقرب نقطة للوصول إلى قاعدتي حميميم وإسطامو العسكريتين، وفيما لو تمكنت الميليشيات الروسية من بسط نفوذها على هذه المنطقة ستشكل خطراً على مناطق نفوذ المعارضة المسلحة في سهل الغاب ومنطقة جسر الشغور، وستكون كذلك نقطة انطلاق للوصول السريع إلى السفوح الغربية لجبلي شحشبو والزاوية، مع ما يشكله التقدم إليهما من إحكام السيطرة على جزء من الطريق الدولي الرابط بين حلب واللاذقية الهدف الأهم في استراتيجية روسيا.
الملاحظ قيادة فصائل الثورة المسلحة لم تكن النية حاضرة لديها لخوض معركة في ريف حماة الشمالي، وأن التركيز الأكبر كان على منطقة كبانة باعتبارها المنطقة الحيوية الأهم من الجبهات الأخرى.
ما ينبغي مراعاته، أن فتح روسيا لجبهات قتال واسعة في ريف حماة الشمالي لم يكن بالأمر السهل عسكريا؛ فذلك يعني الحاجة إلى مزيد من القوات والمعدات العسكرية وأشكال الدعم الأخرى، في وقت تعاني فيه جبهة "كبانة" نقصاً في ذلك، لكن الملاحظ أن هنالك تحولا في الاستراتيجية الروسية المتبعة، ويتجلى ذلك في سحب أكثر من فرقة عسكرية من المنطقة الجنوبية المحاذية لـ "إسرائيل" والدفع بها إلى ريف حماة الشمالي وكبانة، دعما للجبهات المشتعلة.
ويعتبر تقدم فصائل الثورة بعد السيطرة على الجبين وتل ملح، لتطويق القاعدة الروسية في بريديج والسيطرة عليها دون إيلاء كرناز والجلمة قدرا كبيرا من الاهتمام في هذه الخطوة؛ خللا استراتيجيا قاتلا جعل روسيا تستدعي المراجعة مؤخرا، ما دفع لجلب المزيد من الميليشيات، في وقت تستبسل فصائل الثورة للصمود في تل ملح والجبين، ولكن ضمان الثبات فيهما كان يتطلب فتح محاور قتال جديدة تأمينا وإسنادا للقوات المتقدمة من تل ملح باتجاه الجلمة، فضلا عن توظيف ذلك في تحقيق توسع من منطقة الكركات حتى القصابية باتجاه كفر نبوذة، وإحكام السيطرة على الطريق الواصل بين السقيلبية وحماة ومصادر الإمداد الفرعية الأخرى. فتأمين الظهر مطلب رئيس لضمان تقدم الفصائل المسلحة والتشبث بتل ملح الاستراتيجي.
الأمر كذلك بالنسبة إلى قوة "كبانة" التي تتخذ وضعا دفاعيا مستميتاً أمام العدو الروسي والصورة هنا واضحة للفريقين؛ فالفصائل تدرك جيدا أن تلال "كبانة" تمثل صمام أمان لهم، والحؤول دون أن يستغل الروس أي ثغرة لتحقيق اختراق، ويستلزم تأمينها فتح محاور قتال جديدة في جبل التركمان لاشغال الميليشيات الروسية التي تحاول اقتحام المنطقة بشكل يومي.
أمام التحشيد الذي ينتهجه الروس سواء على جبهة ريف حماة أو ريف اللاذقية المتصل بمعارك ضارية يساندها الطيران الروسي وذاك التابع لنظام الأسد، والتحشيد الذي تقوم به فصائل المعارضة يبدو أننا أمام "معركة كسر عظم"، تشهدها الجبهات المشتعلة منذ ما يقارب الـ 90 يوماً، ومع ما يبديه البعض من ارتياب إزاء تحول الخطط العسكرية الروسية، مما يجري في ريف حماة بعد السيطرة على تل ملح والجبين، إلا أن ضرورات المواقف الناشئة وانفتاح شهية الروس لابتلاع ما يمكن ابتلاعه من مناطق، ستحدث تحولا قريبا على الأرض بعد دفع فصائل الثورة بنوعية جديدة من قوات النخبة باتجاه محاور قتال جديدة، وقد مثلت تلك المحاور بعدة مناطق مرشحة لمعارك تصادمية، وأولى تلك المناطق المزارع والوديان الفاصلة بين تل ملح والزكاة، وقد ركز عليها الروس باعتبارها تشكل تهديدا لخط الامداد الواصل بين السقيلبية ومدينة حماة، لذلك يحاول تثبيت نقاطه في منطقة الزكاة، وهذا ما تنبهت له الفصائل، وأما الثانية فهي رؤوس التلال الواقعة بين كبانة والسرمانية، وأما الثالثة سهل الغاب وتمتد من الحاكورة حتى الحويز، والأخيرة: المنطقة الواصلة بين حرش الكركات والقصابية باتجاه مدينة كفر نبوذة.
الملاحظ بعد مرور90 يوماً منذ بدء العدوان الروسي؛ أن وضع الجبهات اختلف عن آراء وتوقعات الروس، إذ لم يطرأ عليها تغيير جوهري فاعل باستثناء دائرة كفر نبوذة ومجموعة مزارع تقع جميعها ضمن مديات مدفعية الفصائل، فيما ظلت المراكز الاستراتيجية الهامة من المناطق المشتعلة مثل: تلال كبانة وسفح جبل شحشبو، مناطق سيطرة وتحكم للفصائل، ولم تفلح محاولات الميليشيات الروسية المتتابعة إحراز أي تقدم أو حتى القيام بمعركة مكتملة الأركان رغم القصف الوحشي بالطيران الروسي الذي لم يغادر الأجواء منذ انطلاق العمليات العسكرية بمعدل 16 ألف غارة جوية، ألقت حمولة من القنابل والصواريخ بما يقدر بـ 6000 آلاف طن من المتفجرات المختلفة، استهدفت بها البنى التحتية والمناطق المكتظة بالسكان كان أكثرها إجراماً استهداف سوق معرة النعمان الشعبي الذي أودى بـ 80 شخصا مدنيا بين قتيل وجريح، وكذلك ما ارتكبته من مجازر في أريحا وسراقب والبوابية واللطامنة ومحمبل، بدا الأمر كمؤشر واضح على التحول الذي طرأ على أداء الروس الفاشل في مسرح العمليات العسكرية نتيجة المقاومة التي تبديها فصائل الثورة في جبهات القتال، والتي أدت إلى خسائر فادحة للميليشيات الروسية، حيث قال "عبد الرحمن عيسى" وهو أحد نشطاء مكتب حماة الإعلامي لبلدي نيوز: "خسائر النظام خلال الحملة العسكرية الأخيرة بلغت بشكل تقريبي 36 دبابة، و41 عربة BMB، و19 مدفع عيار 23، و26 مدفع عيار 14.5، و7 مدافع عيار 130و120، و4 راجمات صواريخ و2 عربة فوذديكا، و32 سيارة من نوع زيل وبيك أب". وذكر أن عدد قتلى النظام والميليشيات المساندة له خلال الحملة، بلغ أكثر من 1000 قتيل بينهم عدد كبير من الضباط برتب مختلفة.
حتى اللحظة، تشير تحركات فصائل الثورة إلى حرصهم على التمسك المستميت بمناطقهم ودفع الميليشيات الروسية المعتدية، ليقينهم أنها تقع ضمن الأهداف المؤكدة للروس إذ لا يوجد متغيرات جديدة تسقط خيار العدوان الروسي، وهذا ما يؤكده العمل الدؤوب الذي تقوم به فصائل الثورة من هجمات مركزة ضد القواعد الروسية المتناثرة كالسرطان في ريف حماة الغربي.
مما لا شك فيه أن لمناطق ريفي حماة واللاذقية أهمية استراتيجية واضحة المعالم، لكونها تحوي عددا من التلال المرتفعة، ومراكز نقل وإمداد وتوزيع أنواع مختلفة من المسالك المائية، وشبكة طرق تربط بين المناطق المحررة، وتمتعها بميزات طبيعية تحقق الانتشار السريع والتحرك الآمن للفصائل، فيما يعد جبلي شحشبو والزاوية عمقا استراتيجيا وتكتيكيا لمناطق التماس مع العدو الروسي في ظرف الحرب الراهنة، لذلك فإن سقف الأهداف الروسية لن يتجاوز عمليات التدمير الممنهج التي تقوم بها الطائرات الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد انطلاقا من خلفيات دينية بإدعاء الروس حماية المسيحيين الأرذثوكس، ونظام الأسد كحامي للطائفة العلوية.