استراتيجية واشنطن مع طهران.. الخنق لا الحرب - It's Over 9000!

استراتيجية واشنطن مع طهران.. الخنق لا الحرب

بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
رغم مهاجمة إيران لناقلات النفط في الخليج العربي، وإسقاطها طائرة مسيرة أمريكية، إلا أن صراعها مع واشنطن بقي في إطار التصعيد الإعلامي عبر النوافذ السياسية رغم مساعي طهران لافتعال حرب تكون ساحتها منطقة الخليج العربي والعراق وسوريا ولبنان وصولا إلى إسرائيل، بهدف خلط الأوراق الأمريكية واللعب على عامل الوقت وتهدئة الداخل الإيراني وإشعال الخارج بحرب سيطول أمدها.
ومع بداية الاجتماع الثلاثي في القدس، الذي ضم؛ اللاعبين الكبار، "روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل"، وإلقاء الورقة الإيرانية على طاولة اللعب، يبدو أنّ المطبخ السياسي الدولي يعدّ لحدثٍ ما.
إيران تتمادى
بات من الواضح أنّ إيران استشعرت الخطر، وتحسست من حضور اسمها على طاولة "الكبار"، لترد بتصعيد يفهم منه تماديها في اللعب، فقد أعلنت طهران أمس الاثنين، 1 تموز/يوليو الجاري، أنّها تجاوزت سقف مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب المحدّد بموجب الاتفاق النووي الموقّع عام 2015، في أول إعلان من جانبها عن إخلالها بالتزاماتها الواردة في هذا الاتفاق.
وأتى الرد سريعاً، على لسان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الذي حذّر إيران ووصفها بأنّها "تلعب بالنار".
إﻻ أنّ تصريحات ترامب، للصحافيين في البيت الأبيض، بقيت ضمن إطارها الدبلوماسي المشحون بالتهديد المبطن، حين قال؛ "إنهم يعرفون ماذا يفعلون. يعرفون بماذا يلعبون وأعتقد أنهم يلعبون بالنار".
تنسجم تلك التصريحات مع ما نقله موقع الـ (CNN) في وقتٍ سابق، عن الرئيس اﻷمريكي، دونالد ترامب، قوله؛ "لا نتطلع لإيذاء إيران"، العبارة التي تختزل جوهر العلاقة الثنائية بين الطرفين.
ويشار أنّ هذه التصريحات أتت إبان التوتر اﻷخير بين طهران وواشنطن على خلفية إرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" مع عدد من القاذفات إلى الخليج، قبل أن تزرع منظومة صواريخ باتريوت الدفاعية في المنطقة.
إسرائيل لن تسكت
عملياً؛ المواجهة الأمريكية-الإيرانية، تدير دفتها، تل أبيب، وهذه الأخيرة ومن خلال استقراء سياساتها العسكرية وتعاطيها مع المستجدات في الساحة التي تمس أمنها، يتضح أنها تتحرك ضمن إطارٍ بطيء ظاهرياً، لكنه في المحصلة يخدم أهدافها البعيدة، بما يحقق لها "التكلفة الصفرية" في ضرب عدوها، بعد تجييش حلفائها، وانصياعهم التام لها.
ويعتبر إيقاف المشروع النووي الإيراني هدفاً تعمل إسرائيل لضربه، باتباع مسارات متنوعة، فقد كشفت آلكساندرا لوكاش، الكاتبة الإسرائيلية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أن "كتاباً جديداً صدر للتوّ في إسرائيل؛ يتحدث عن الجهود الإسرائيلية لوقف المشروع"، وترجم التقرير موقع "عربي 21".
دون ضوضاء
ومن خلال قراءة التقرير، نجد أنّ تل أبيب تلعب في خطين متوازيين، تقليم الأظافر الإيرانية على حدوها الشمالية، والأهم؛ التحرك بخطواتٍ ثابتة دون ضوضاء، تكشف عن مجرياتها في وقتٍ لاحق، يقودها الموساد (جهاز الاستخبارات الإسرائيلي).
وجاء في التقرير أنّ "الكتاب يحمل عنوان (العاصفة القادمة باتجاه إيران)، لمؤلفه إيلان كافير، كاتب السير الذاتية المعروف في إسرائيل، أكد فيه أن جهاز الموساد ووحدة التجسس الإسرائيلية 8200 أعاقا عمل المشروع النووي الإيراني لمدة عامين على الأقل".
وأورد الكتاب أنّ "من المهام التي نفذها الموساد، سلسلة اغتيالات لعلماء الذرة والبرنامج النووي الإيراني وكبار رموز الصناعات النووية الإيرانية، وقد اقتربت إسرائيل عدة مرات من مهاجمة المشروع النووي الإيراني، لكن كان يتم إحباطها في اللحظات الأخيرة، حيث إن الفترة الزمنية بين إعطاء التعليمات لطياري سلاح الجو وقرار التوقف كانت متقاربة جدا".
ما يعطي مساحة للقول بوجود صراع بين الحمائم والصقور ضمن البيت الإسرائيلي، الذي يحاول معالجة ملف "إيران" كلٌّ بطريقته، وهذا ما يفسر إنعاش مشروع إيران النووي، وإطالة عمره.
الحيطة والحذر
ومن المرجح أنّ منهجية إسرائيل في التعاطي مع الملف الإيراني، تسير بحذر وتؤدة، فهي تريد فعلاً حسم الملف وإنهاء الخطر، بالمقابل؛ ﻻ تعطي آذاناً إلى لغة القوة، وهذا بالنظر إلى احتمالية إشعال حرب، ﻻ تسعى لها تل أبيب مطلقاً على اﻷقل في الوقت الراهن لحساباتٍ كثيرة، يجيب عنها الكاتب الإسرائيلي، إيلان كافير، في كتابه، (العاصفة القادمة باتجاه إيران)، من خلال جملة من التساؤﻻت، في مقدمتها، ماذا سيحصل في اليوم التالي لمهاجمة إيران؟ وكيف سيكون رد فعلها؟ وهل ستتصرف كسوريا بعد تفجير مفاعلها النووي في 2007 حين كان إيهود أولمرت رئيساً للحكومة الإسرائيلية؟ الجواب لا؛ لأن ما سيحصل مع إيران مختلف كلياً، فهو أشبه بحرب يأجوج ومأجوج، وبعض الخبراء الذين التقاهم المؤلف أبلغوه بأننا سنشتاق كثيراً لحرب الغفران 1973".
الملف السوري أولا
بمطلق الأحوال؛ إسرائيل لا يعنيها الخطر الإيراني ولا يشغلها بحجم اهتمامها بالملف السوري، حتى وإن بدا إعلامياً أنها غير مهتمة، فالتقاطعات والتشابكات مع النظام الإيراني أكبر بكثير مما سيحدث في حال تجددت اﻻضطرابات في العمق السوري على أيدي التيار الجهادي، وتحديداً "القاعدة"، رغم أنّ هذه الأخيرة تبدو حتى اللحظة أضعف من التحرك بحكم جملة من القيود، لكن احتمالية تأزم الموقف، ووثوب أنصارها مجدداً سيحمّل المجتمع الدولي تكلفة باهظة.
ويمكن اﻹشارة في هذا السياق أنّ عودة تحرك طائرات التحالف الدولي بقيادة الوﻻيات المتحدة قبل أيام وضرب أحد المعاهد الشرعية، التي تضم قيادات في تنظيم "حراس الدين"، في ريف حلب، أحد المؤشرات التي تؤكد أهمية هذا الملف على حساب غيره في الوقت الراهن، ويبدو أنّ اللعبة ستخرج من يد موسكو، على اﻷقل بالنسبة لقيادات التنظيم، لتلقى على عاتق التحالف. وهذا يعني مزيداً من الوقت لمصلحة الملف اﻹيراني، بانشغال العالم بغيره.
وتعتبر طهران أنها تتحرك "في إطار الاتفاق" الذي تتيح مادتان فيه لأي طرف أن يكون بحل من التقيد ببعض التزاماته لفترة معينة، في حال اعتبر أن الطرف الثاني لا يفي بها.
وتهدد طهران أيضاً بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم لتصبح أعلى مما هو وارد في الاتفاق (3,67%)، بدءاً من 7 تموز/يوليو، وإعادة إطلاق مشروعها لبناء مفاعل أراك للمياه الثقيلة (وسط البلاد)، إذا لم تساعدها الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق (ألمانيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، روسيا) في الالتفاف على العقوبات الأميركية.
هذا وتصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة، منذ انسحاب الأخيرة، من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف، المبرم في 2015، وصل التوتر لمستوى خطير مع قيام إيران في العشرين من حزيران/يونيو بإسقاط طائرة مسيرة أمريكية.
بالتالي؛ وفقاً لكل المعطيات السابقة، ﻻ يوجد ما يشير إلى مشهد ما بعد الضربة أو "اليوم التالي"، وستبقى التهديدات ضمن إطار التحركات التي تخنق الإيرانيين، من خلال تطويقها وتكبيلها حتى ترضخ وتأتي إلى طاولة المفاوضات من جديد.

مقالات ذات صلة

سلسلة غارات جوية إسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان

غارات جوية تستهدف مواقع في طرطوس وجبلة على الساحل السوري

باجتماع ثنائي جرى في أنقرة.. واشنطن تبلغ تركيا معارضتها لتطبيعها مع النظام

السجن لشخص هرّب فسيفساء من سوريا إلى الولايات المتحدة

أمريكا تتفقد قواعدها العسكرية في سوريا والأردن

الموقف الأمريكي من التقارب التركي مع النظام في سوريا