Foreign Affairs - ترجمة بلدي نيوز
تعتبر سورية الآن، الموطن الأكبر والأكثر قدرة على تسليح المقاتلين الجهاديين في أي مكان في العالم، وسيستمر هذا لسنوات طويلة، وأي تقدم تحققه قوات التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضا باسم ISIS) في الأشهر المقبلة، لن يعيد الاستقرار في سورية لسنوات قادمة، بعد الفوضى والدمار الهائل الناجم عن خمس سنوات من الصراع، وهذا لن يستفيد منه إلا الجهاديين.
ففي أذار 2011، خرج الرجال والنساء والأطفال السوريين إلى الشوارع، يداً بيد، مرددين شعارات عن الحاجة للإصلاح السياسي والتحرر من القمع، وكان في استقبالهم النظام السوري بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ونيران أسلحته ورشاشاته، وأدى القمع العنيف والعشوائي من قبل قوات الأسد للمظاهرات السلمية، بالإضافة إلى أحداث مروعة مثل تعذيب الطفل البالغ من العمر (13 عاماً) حمزة الخطيب في درعا، إلى تحول الحركات الاحتجاجية إلى ثورة عمت البلاد.
وأدى تصعيد النظام السوري لاحقاً إلى ولادة الجيش السوري الحر، باعتباره القوة الحامية للمظاهرات المدنية، ولينتقم من النظام على جرائمه، فالعنف لا يولد إلا العنف، وبعد خمس سنوات من الحرب، قتل ما يقرب من نصف مليون سوري وشرد أكثر من نصف سكان سورية، سواء داخل البلاد (6.6 مليون) أو خارجها (4.6 مليون).
مغازلة سوريا مع الجهاد
وعلى الرغم من أن اندلاع الاحتجاجات الشعبية، إلا أن عنف النظام، والحرب الأهلية هو ما خلق الظروف التي جعلت الجهادية تزدهر في البلاد، فلقد كانت سورية بالفعل أرضاً خصبة للتطرف، ولسنوات عديدة حتى قبل عام 2011، فقد حافظ نظام بشار الأسد على علاقة غزل مستمرة مع الجهاديين، وحاولت دمشق التلاعب بهم ليقوموا بدور الوكلاء لجدول أعمال السياسة الخارجية السورية.
وأفضل مثال عن حجم وطبيعة العلاقة -كان عند الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق واحتلاله من عام 2003 إلى عام 2010- فلم تكد القوات الأمريكية تضع خطواتها الأولى على الأراضي العراقية، قام المفتي المعين من قبل النظام السوري، الشيخ "أحمد كفتارو"، بإصدار (فتوى دينية) تجبر جميع المسلمين السوريين، ذكوراً وإناثاً، على مقاومة "قوات الاحتلال" بأي وسيلة، بما في ذلك التفجيرات.
وفي المقابل، وخلال الأسابيع الأولى للغزو العراقي، سهلت المخابرات العسكرية السورية نقل الآلاف من الشباب من المحافظات الشرقية من الحسكة ودير الزور، عبر المراكز الحدودية للعراق، وتشير بعض التقارير إلى أن ما يصل إلى 5.000 جهادي قد تم تجنيده في العراق في أول 11 يوم من الغزو، وانضم 1.000 فلسطيني من مخيم اليرموك، وتم نقلهم خارج دمشق للقتال في العراق بعد ذلك.
بعد ذلك بوقت قصير، اعتقلت القوات الجوية الخاصة البريطانية أربعة حافلات تقل حاملي جوازات سفر سورية بينما كانوا يعبرون من سوريا الى العراق.
وكانت الشخصية الرئيسية التي قامت بتعبئة الشبان السوريين للقيام بواجبهم الجهادي هو "أبو القعقاع " والذي تصادف وجوده مع جهاز المخابرات السورية، وفقاً لمسؤول في شرطة حلب، فقد تم إحضار القعقاع إلى المبنى الإداري المحلي للمخابرات بعد وقت قصير من وصوله إلى المدينة في أواخر التسعينات، وكان الرجل الذي يلبس كالباكستانيين، بالكاد يتحدث كلمة واحدة، وتحدث الضباط نيابة عنه، وكانت الأوامر أن تجهز له بطاقة هوية سورية ورخصة قيادة وغيرها من الوثائق، ولكن من دون أي عنوان مسجل أو غيرها من المعلومات الشخصية، وهو أمر غير قانوني في سورية، وعرفنا على الفور أننا نتعامل مع شخص مهم، وبعد سنوات لاحقة.. أدركنا من ساعدنا حينها!
وبحلول عام 2003، أصبح للقعقاع مجموعة كبيرة من التابعين، حتى أصبح من الصعب على الدولة السورية مراقبتها سراً، وكانت بعض صلوات الجمعة والتجمعات المرتبطة بها، في كثير من الأحيان، تحمل العداء للحداثة الغربية والعلمانية، وفي بعض الأحيان ضد الشيعة والعلويين، وكان ذلك بطريقة أو بأخرى يتناقض مع حكم الأسد في سوريا.
وبالتالي جاء غزو العراق في الوقت المناسب تماماً، وتم تصدير أتباع الجهاد القعقاعي للقيام بمحاربة ما يسمى "قوات الاحتلال " و"الشيطان الاعظم" عبر الحدود الشرقية لسورية وإلى العراق.
وأصبحت سورية طريق العبور رقم واحد للجهاديين من جميع أنحاء العالم، من خلال رجال القاعدة مثل " بدران تركي هيشان المزيدي" (أبو غادية) وعلى مرأى ومسمع من المخابرات السورية، وسربت المئات من الجهاديين إلى العراق لمهاجمة الجنود الامريكيين.
ولذلك من دون مساعدة حكومة دمشق، لم يكن ليظهر ويزدهر تنظيم القاعدة في العراق، والذي أصبح تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية، ولا كان قتل العشرات بل مئات الجنود الأمريكيين حينها .