بلدي نيوز- (عبد الكريم الحلبي)
بقيت مدينة حلب أقدم المدن المأهولة في العالم، تزدهر من كافة النواحي عمرانياً واقتصادياً، حتى اندلاع الثورة السورية التي قلبت أوضاع المدينة بعد خروج العديد من أحيائها بمظاهرات، في ظل الطوق الأمني من قبل "شبيحة" النظام، وقوات الأمن في المساجد والتجمعات والجامعات.
قتل النظام مئات المدنيين، ولعل البداية كانت بقتل أحد المصلين في جامع "آمنة" بحي "سيف الدولة"، لينتقل الغليان الشعبي إلى عدة أحياء أهمها "حي صلاح الدين" و"الفردوس" و"الشعار" و"طريق الباب" و "حي المشهد"، حيث كانت تشهد هذا الأحياء تجمعات كبيرة للمدنيين للخروج من الجوامع بمظاهرات سلمية تحيي مدينة درعا والمدن التي تتعرض للقتل على أيدي النظام وشبيحته.
وبعد أشهر قليلة توسعت المظاهرات وتشتعل في أحياء جديدة، في الوقت الذي بدأت فيه حملات النظام الأمنية بالتزايد بشكل أكبر لاعتقال الشبان بسبب خروجهم بمظاهرات ضد النظام.
جامعة الثورة
كانت جامعة حلب هي المركز الرئيسي والنبع الذي يخرج منه المنادين بشعارات الثورة؛ فبداية المظاهرات كانت من كلية الآداب، وتعرض أغلب من خرج فيها للاعتقال والقمع من قبل عناصر الأمن والشبيحة.
ومع بدء التحول نحو العسكرة بعد أن كانت المظاهرات سلمية في شهر (تموز) عام 2012، جراء استخدام قوات النظام الرصاص الحي ضد المتظاهرين، وسقوط العديد من الشهداء، بدأت المواجهات المسلحة مع عناصر النظام بعد تحرير "الجيش الحر" لعدد من مدن وبلدات الشمال السوري، وانتقلت نحو مدينة حلب، وتمكن الثوار من دخول الأحياء الشرقية وطرد النظام منها.
التدخل الإيراني في حلب
برزت التحركات العسكرية الإيرانية منذ عام 2014م على جميع محاور جبهة مدينة حلب الممتدة من "الوضيحي" جنوبا ً إلى مطار "النيرب" العسكري شرقاً، وصولا إلى قريتي "نبل والزهراء" في الجهة الشمالية الغربية، وبعد معارك عنيفة تمكنت من بسط سيطرتها التدريجية على مساحة واسعة من ريف حلب ثم عملت على تكوين ميليشيات من الموالين لها كــ "لواء الباقر" الذي جرى إعداده عسكريًّا وفكريًّا، وفقًا لأدبيات الميليشيات الشيعية الإيرانية، وبعد ترسيخ نفوذها وانتشار قواعدها العسكرية أصبحت التشكيلات العسكرية كلها تدين لإيران بالولاء، وفي حكم الخاضعة لها.
وفرضت طبيعة التدخل الإيراني اللجوء إلى بناء قواعد عسكرية، كاستراتيجية يمكن بوساطتها ترسيخ وجودها المديد في حلب، وانفردت إيران بمجموعة قواعد عسكرية عملت على إنشائها وتطويرها، لتكون منطلقاً لفرض إرادتها بوصفها لاعباً أساسياً في الميدان السوري، وأهم هذه القواعد (قاعدة جبل عزان، وقاعدة الوضيحي، وقاعدة تل شغيب، وقاعدة الأكاديمية العسكرية).
أما استراتيجية هجوم الميليشيات الإيرانية، فتركزت على سياسة الأرض المحروقة ضد مناطق محدودة، يستهدفها الطيران الحربي الروسي تمهيداً لاقتحامها مثل: الأحياء الشرقية لمدينة حلب، التي تعرضت لغارات جوية غير مسبوقة خلال أشهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وكانون الأول/ ديسمبر من عام 2016، وما يشير إلى شدَّة هذه الاستراتيجية تعرُّض المناطق المحررة في حلب لأكثر من 100 صاروخ إيراني يحمل قنابل عنقودية، استهدفت أغلب أحياء حلب المحررة.
وتعد أكبر الخسائر البشرية لإيران خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2015، حينما قتل الجنرال "حسين همداني" نائب قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني الذي يقوده الجنرال "قاسم سليماني"، في التاسع من الشهر ذاته، خلال معارك في حلب وسقوط العميد "جواد دوربين"، إلى جانب "شفيق شفيعي" القيادي البارز في صفوف "فيلق القدس"، كما قتل في مدينة حلب الجنرالات "حسن شاطري، ومحمد جمالي زاده، وعبد الله إسكندري، وعبد الرضا مجيري، وجبار دريساوي، وعلي الله دادي، ومحسن قجريان، وحسن علي شمس أبادي".
حصار حلب وتهجير أهلها
في 27 يوليو ٢٠١٦، تمكنت قوات النظام وميليشيات إيران من حصار مدينة حلب من كافة الجهات بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة، بالتزامن مع قصف بري وجوي طال أحياء حلب الشرقية، والذي أدى إلى سقوط مئات المدنيين بين شهداء وجرحى.
وبعد عشرة أيام تمكن "جيش الفتح" من فك الحصار عن أحياء مدينة حلب الشرقية، بعد سيطرتهم على كلية المدفعية في حي "الراموسة" وفتح الطريق.
وفي 2016/9/8 تمكنت قوات النظام والميليشيات الإيرانية بغطاء روسي من معاودة حصار حلب للمرة الثانية، بعد معارك عنيفة مع فصائل المعارضة في المدينة.
وفي 2016/9/22، شنت الطائرات الروسية وقوات النظام وميليشيات إيران حملة قصف عنيفة استهدفت المشافي والمدارس والمركز الصحية وفرق الدفاع المدني، لتخرجها عن الخدمة بعد سقوط آلاف الصواريخ والبراميل والقذائف، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين.
التهجير الجماعي
وفى يوم 31 كانون الأول 2016، وافقت فصائل المعارضة على الانسحاب من المدينة في إطار اتفاق لوقف إطلاق النار، يجرى بموجبه إجلاء المدنيين والمقاتلين مع عائلاتهم إلى مناطق تسيطر عليها فصائل المعارضة إلى ريف حلب الغربي وإدلب.
وتعاني مدينة حلب منذ سيطرة المليشيات الإيرانية وقوات النظام عليها، من كثرة جرائم الخطف والقتل والاغتصاب للنساء على أيدي عناصر مليشيات إيران دون أي تحرك من قبل قوات النظام، وانقطاع تام للخدمات الكهرباء والماء والغاز رغم وعود النظام بعودتها.