Middle East Eye – ترجمة بلدي نيوز
تأتي الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" إلى طهران في أواخر شباط، في أعقاب تكثيف اتصالات الدفاع بين البلدين على مستوى عال، وحتى قبل هذه الزيارة الأخيرة كانت هناك موجة من التكهنات حول مبيعات أسلحة روسية وشيكة لإيران، في جزء منها، تمت في زيارة وزير الدفاع الإيراني "حسين دهقان" لموسكو ، قبل أربعة أيام فقط من زيارة شويغو الى طهران.
وتظهر آخر التقارير أن روسيا قد شحنت مؤخراً نظام الدفاع الجوي S-300 إلى إيران، وذلك أضفت نوعاً من المصداقية على التقارير التي تناولت مبيعات كبيرة من الأسلحة الجديدة بين البلدين، ولا سيما مقاتلات سوخوي 30.
وإذا كانت التقارير عن بيع روسيا إيران لمقاتلات سوخوي30 صحيحة، فإنها ستكون أهم أسلحة الدفاع الجوي التي حصلت عليها إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وبالتزامن مع شراء أنظمة الدفاع الجوي S-300، و S-400 الأكثر تقدماً، فإن اقتناء إيران للمقاتلة الروسية المتعددة المهام، سيجعلها قادرة على تغيير ميزان القوى في المنطقة، ولذا فليس من المستغرب أن واشنطن تعارض بشدة هذا الصفقة.
وعلى الرغم من المعارضة الغربية المعروفة، إلا أن القضية الحقيقية هي ما إذا كانت هذه المقتنيات العسكرية تصب حقاً في المصلحة الوطنية الإيرانية وإلى أي مدى (إن وجدت) ستقوض تماسك ووحدة سلاح الجو الإيراني.
القوات الجوية المتداعية:
قياساً لغيرها، إيران تملك واحدة من أضعف القوات الجوية في المنطقة، بالمقارنة مع الدول المجاورة الكبيرة، وتحديداً باكستان والمملكة العربية السعودية وتركيا وإسرائيل، فهي لديها حتى الآن أقل قوة جوية متقدمة بين هذه الدول، وحتى دول الخليج الصغيرة مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، لديها مقاتلات أكثر تقدماً ويحتمل أن تلحق ضربات موجعة بإيران من الجو.
وكون قوات الدفاع الجوية الإيرانية بالأصل أمريكية الصنع، فقد عانت إيران من مشاكل تتعلق بالصيانة وتحديث هذه الطائرات على مدى العقود الأربعة الماضية، كما دمرت الحرب بين العراق وإيران في الثمانينات الكثير من سلاح الجو الإيراني، وعطلت العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة قدرة إيران على تجديد أسطولها من المقاتلين والانتحاريين.
وحتى الآن يتكون الجزء الأكبر من القوة الجوية الإيرانية من ((F-4s, F-5s , F-14s التي قدمتها الولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاماً، ولذلك ما زالت الدعامة الأساسية للقوات الجوية الإيرانية هي ماكدونيل دوغلاس F4 فانتوم الثانية، والتي يوجد منها فقط 30 ما زالت تعمل.
ورغم أن الفنيين والمهندسين في سلاح الجو الإيراني قد بذلوا جهوداً بطولية في الحفاظ على هذه الطائرات وتحسين أداء الأسطول المتبقي من المقاتلات النفاثة والقاذفات المقدمة من الولايات المتحدة، إلا أنه كان هناك إجماع على أن هذه الطائرات التي عفا عليها الزمن سوف تنتهي خلال عقد من الزمان، ومما يعزز هذا الإدراك، هو عدد تحطم الطائرات والتي تضمنت فانتوم F-4، مع أحدث تحطم في كانون الثاني والذي أدى لمقتل الطيار والملاح.
وقد كان لإيران نجاح متواضع في تنويع قواتها الجوية بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق في آب 1988، حيث تم شراء أسطول صغير من مقاتلات الميغ 29 والسوخوي سو 24 ، من الاتحاد السوفياتي السابق في عام 1989، كما حصلت أيضاً على تشكيلة صغيرة من الصين، في شكل طائرة F-7، والتي هي على غرار ميغ 21، بالإضافة إلى ذلك صادرت إيران عدة قاذفات قنابل ومقاتلات روسية وفرنسية الصنع من العراق -عن طريق تعويضات الحرب- خلال حرب الكويت عام 1991.
علاوة على ذلك، حاولت إيران تطوير قدرات مقاتلها الأصلية ولكن من دون نجاح ملموس، فمثلاً المقاتلة "الصاعقة" والتي هي في الواقع نسخة تم تفكيكها من طائرة F-5، بدأت العمل في أيلول 2006 ، مع تقارير تشير إلى أن سلاح الجو الإيراني قد استخدم سرب واحد على الأقل من هذه المقاتلات.
ولكن رغم التفاخر بها، إلا أن قدرات المقاتلة "الصاعقة " لم يتم اختبارها أو التحقق من قدراتها بشكل كاف في مجال الطيران، ويبدو أن هذه الطائرة هي للعرض أكثر من الطيران.
وعلى النطاق الأوسع، تعرض إيران بانتظام قدرتها المحلية بشكل ظاهري في جميع قطاعات الخدمات، ولكن حتى الآن لم تحقق الجمهورية الإسلامية الإيرانية انفراجه استراتيجية إلا في مجال الصواريخ البالستية، والتي تقوم بردع خصوم إيران الأقوياء.
ولذلك ، فإن القوات الجوية الإيرانية لديها (صفر) قدرة عملية ضد القوى الجوية المتقدمة ، بالإضافة إلى عدم وجود طائرات متطورة، وعجز تقني وقلة خبرة، وما يتعلق بذلك من ضعف الاستعداد القتالي.
ولم تشهد القوات الجوية الإيرانية إجراءات جدية منذ عام 1985 (عندما حقق العراق التفوق الجوي في الحرب)، ولم ينشر السلاح الجوي إلا في مناسبات قليلة، ولا سيما ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل منظمة مجاهدي-خلق (في التسعينيات)، ومؤخراً ضد ما يسمى مجموعة الدولة الإسلامية في العراق.
الاعتماد على السلاح الروسي في قوى الجو الإيرانية
من الواضح أن إيران بحاجة ماسة إلى سلاح جو ذو مصداقية في ضوء التحديات الملحة العسكرية والسياسية، وتبدو إمكانية الحصول على طائرات روسية متطورة، على الأقل ظاهرياً، خياراً جذاباً.
ولكن هناك على الأقل ثلاثة أسباب هامة تثبت أن الحصول على الطائرات الروسية المتقدمة قد يكون حلاً غير مرضي للتحديات المعقدة والطويلة الأمد:
أولا: وقبل كل شيء، إن سلاح الجو الايراني لم يحصل بشكل كامل على الأسلحة الروسية السابقة، وهي من طراز ميج 29س وسو-24س، ولم يضمها إلى أسطوله القتالي، وهذا نتيجة مزيج من الأمور التقنية والتشغيلية وقبل كل شيء أسباب ثقافية، كما وتتركز ثقافة القوة الجوية الإيرانية على المقاتلات وقاذفات القنابل المقدمة من الولايات المتحدة، وتتغنى بالبطولات في زمن الحرب والأساطير التي حيكت حول هذه الطائرات والطيارين الذين تنقلهم، حتى أن الأفلام الوثائقية تركز بشكل حصري على F5s، F14s وقبل كل شيء الفانتوم F4 الثانية.
ثانياً: هناك مسألة الموثوقية، كما يدل على ذلك التأخير الروسي منذ 11 عاماً لنقل نظام الدفاع الجوي S-300 إلى إيران، وحتى لو تم تسليم الطائرات التي تم شراؤها حديثاً في الوقت المحدد، يبقى هناك خطر حقيقي من أن قطع الغيار الحيوية قد يتم حجبها، خصوصاً في أوقات الشدة الجيوسياسية أو عندما يتم تطبيق الضغوط الغربية على موسكو.
ثالثاً: هناك مخاطر الإفراط في الاعتماد على التكنولوجيا الروسية، وما يصاحب ذلك من "روسنة" القوات المسلحة الايرانية، وهذا يمثل تهديداً سياسياً، وذلك لأن استقلالية القوات المسلحة الإيرانية غالباً ما يعتبر كواحد من أعظم إنجازات الثورة عام 1979.
وحتى في السياق العسكري فإن التكنولوجيا الروسية ليست الأكثر طلبا، على الرغم من النجاح النسبي للحملة الجوية الروسية في سوريا، والمشكلة بالنسبة لإيران هو أن البديل، وهو الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الأمريكية، غير وارد بتاتاً، ليس فقط في المستقبل المنظور، بل من المرجح لعقود قادمة.
ونظرا للتحديات التي تواجهها محلياً، تضطر إيران للتوجه إلى روسيا لتلبية احتياجاتها الدفاعية الهامة، وخاصة في قطاع الطيران، ويتمثل التحدي بالنسبة لها في هذه المرحلة هو بالتخفيف من مخاطر تكثيف علاقات الدفاع العسكرية إلى أقصى حد ممكن، والبحث عن مصادر بديلة للشراء.