Middle East Eye – ترجمة بلدي نيوز
حتى الآن، لم تصدر أي نتيجة تذكر من مؤتمر السلام الأخير بشأن سورية والذي يجري حالياً في جنيف، وذلك ليس بشيء مفاجئ، ليس فقط بسبب المعايير المحددة للمحادثات، بل لأن هذه العملية تشكل استمراراً لنظيرتها "عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين" الطويلة والمكررة.
فعملية السلام السورية ما زال تحتفظ إلى حد كبير بنفس الإطار منذ انطلاقتها في عام 2012 على الرغم من فشلها الواضح، ومؤتمر جنيف وفيينا في سويسرا يمثلان إصراراً عنيداً على إعادة اختراع العجلة التي لا تعمل، ومن هنا يأتي تكهن شرعي حول ما إذا كانت عملية المحادثات مصممة لإدارة الصراع أم حله_ وهذه هي الطريقة التي يُنظر فيها إلى "عملية السلام" الاسرائيلية الفلسطينية المتوقفة منذ فترة طويلة، نظراً لأنها قد تمسكت بنفس الصيغ الفاشلة منذ أن بدأت من ربع قرن من الزمن.
فقد استخدمت إسرائيل المحادثات كغطاء لمواصلة ترسيخ احتلالها واستعمارها لفلسطين، بمساعدة مخلصة وتحريض من الولايات المتحدة، والتي من المفترض أن تقوم بدور الوسيط بين الجانبين.
وفيما يتعلق بسوريا، قامت روسيا بدعم النظام عن طريق القصف والذبح وإخضاع السوريين، وفي الوقت نفسه تدعي كونها وسيطاً في البحث عن السلام، وفي كلتا الحالتين، عملت هذه الازدواجية من قبل أمريكا بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ومن قبل روسيا بين الأسد والمعارضة إلى حماية ودعم حلفائهم من الانتقادات في مجلس الأمن الدولي، وأدت إلى شلل أي عملية سلام، بشكل رئيسي بسبب حق النقض الأمريكي أو الروسي.
السوريون الآن يعانون ما عانى الفلسطينيون منذ فترة طويلة: عمليات سياسية ومفاوضات طويلة ولكن دون سلام، محادثات ليس من أجل حل عادل ودائم لمحنتهم، وفي كلتا الحالتين، الموضوع يتعلق بأطراف معينة في هذه الصراعات، والمجتمع الدولي بأسره يبدو وكأنه يفعل شيئاً، بغض النظر عن صدق وفعالية تلك الجهود - وبعبارة أخرى، العلاقات العامة والأمور الملموسة هي على حساب الجوهر.
إنهاء الاحتلال الإسرائيلي / حكم الأسد
عندما يقول الفلسطينيون أن محادثات السلام يجب أن تؤدي إلى نهاية الاحتلال الإسرائيلي، أو عندما يقول السوريين أن المحادثات يجب أن تؤدي إلى تنحي بشار الأسد عن الحكم، فيعتبر المجتمع الدولي ذلك كشروط مسبقة تعرقل عملية السلام، ولكن يجب أن يكون الهدف النهائي من التفاوض واضح المعالم، وإلا فستستمر هذا العملية إلى ما لا نهاية وستوفر الكثير من الوقت للمماطلة والخداع والفشل.
فإسرائيل ونظام الأسد هم أسباب الصراعات، بغض النظر عن ما قد يتصوره المرء عن الأساليب أو المجموعات المقاومة لهم، فما الفائدة المرجوة بالنسبة للفلسطينيين بهذه العملية إن لم تلتزم اسرائيل بإنهاء احتلالها، وماذا سيستفيد السوريون إذا رفض الأسد التنحي؟ فهناك خلل جوهري بين القوى، مما يجعل المحادثات لا معنى لها من دون الضغط اللازم على الطرف الأقوى، والذي لا يجد نفسه مرغماً على القبول بحل.
لقد دمر نظام الأسد البلاد، وارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو المسؤول عن الغالبية العظمى من مئات الآلاف من القتلى المدنيين حتى الآن – للحفاظ على الاحتكار الوحشي للسلطة، ورغم كل ذلك لن يتم مناقشة مصير الأسد في "عملية السلام" السورية بأكملها.
وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في كانون الأول: "من غير المقبول أن يكون حل الأزمة السورية معتمداً على مصير رجل واحد"، كما لو أن هناك حل يمكن العثور عليه ليكنس هذه القضية المركزية تحت السجادة الملطخة بالدماء.
بدلاً من ذلك، فإن المرحلة الأولى من المحادثات - التي من المفترض أن تستمر لستة أشهر كاملة - ستركز فقط على تحقيق وقف إطلاق النار (وسيتم استبعاد بعض القوات البرية الأكثر شراسة)، بالإضافة إلى توفير المساعدات الإنسانية ومحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومع ذلك، فإن معالجة أي من هذه القضايا أو جميعها _ والتي هي آثار النزاع وليست السبب _ لن يؤدي إلى انتقال سياسي للسلطة (والذي ليس حتى موضع النقاش الآن) وبالتالي لن يجلب السلام إلى سورية.
الأسد يستخدم التكتيكات الإسرائيلية
وعلى العكس من ذلك، سوف يستمر النظام السوري بتأطير أي معارضة على أنها إرهاب ليحصل على التعاطف والتدخل الأجنبي تماماً كما تفعل اسرائيل، وفي الأسبوع الماضي، اتهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمين العام للأمم المتحدة بـ "تشجيع الإرهاب" لقوله "من طبيعة الإنسان الرد على الاحتلال".
وسوف يستمر نظام الأسد باستخدام المحادثات كمنصة لتضخيم روايته المشوهة، وسيكون أكيداً من توريط المجتمع الدولي بالقضايا الأمنية بدلاً من معالجة قضية الصراع، وبالتالي إيجاد حل لها - مرة أخرى، تماماً كما تفعل إسرائيل.
كلا الطرفين وحلفائهما يلومان الطرف الآخر لعدم جدوى المفاوضات لأنها تفتقر إلى "شريك من أجل السلام"، ولكنهم يفعلون كل ما في وسعهم للحفاظ على هذه الخلافات وتتفاقم هذه الانقسامات، فقد عملت اسرائيل منذ فترة طويلة على إشعال لهيب التنافس بين حماس والسلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه، في محادثات الرياض أواخر العام الماضي والتي أدت إلى وحدة دبلوماسية غير مسبوقة بين جماعات المعارضة السورية، قام المجتمع الدولي بجهود كبيرة لإملاء من سيسمح له بالمشاركة في المفاوضات ومن لا - محاولة واضحة لزرع مزيد من الانقسام.
نظام الأسد استخدم ورقة من كتاب اسرائيل في التكتيكات التفاوضية التضليلية، وهذا ليس مستغرباً، لأن هذا الكتاب مألوف جداً لديه، بعد أن تم استخدامه بشكل فعال للحفاظ على الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية المستمر لنصف قرن من الزمن، وبالتالي السوريين الآن هم هدف مرة اخرى لهذه التكتيكات المستخدمة من قبل حكومتهم تماماً كما فعلت اسرائيل بالفلسطينيين .