بلدي نيوز – (تركي مصطفى)
مع ولوجنا العام الثامن للثورة, وجدت نفسي للمرة الثانية, ومعي الملايين من السوريين في العراء محاصرين بنظام قاتل, وفصائل متناحرة, ومن خلفنا بلداتنا وقرانا خاوية على عروشها, لا تسمع فيها سوى أصوات القنابل والصواريخ المتفجرة على بقايا بيوت أحالتها طائرات بوتين إلى ركام.
انتهيت من كتابة هذا الملف، والطائرات الروسية وتلك التابعة لنظام الأسد ما تزال تحوم فوقنا لتقصف مدينة إدلب وما يتبعها من بلدات مشمولة باتفاق "خفض التصعيد" وتتناقل وسائل إعلامية مختلفة ما يجري من قتل وتدمير وتهجير وإبادة للغوطة الشرقية, ووعيد روسي بعدوان متجدد على منطقة الجنوب السوري, وأرياف حمص المحررة, والعالم الذي يدعي أنه حر يتفرج على مذبحة شعب دون رقيب أو حسيب بعد أن وضعت روسيا جميع معارضي الأسد في خندق الإرهاب.
ليست المقدمة مدخلا للنعي أو النحيب, ولا مراجعة نقدية لمآلات الثورة, بعد انكسار الفصائل عسكريا, وتعطل المعارضة السياسية المتنقلة بين أحضان العواصم, فالأسباب العميقة للثورة السورية في ذكراها الثامنة فوق مدركات الغرب الذي اتخذ موقفا يتوافق مع مصالحه, ويتنافى مع حقوقنا وحجم التضحيات التي قدمها المطالبون بالحرية لهم ولأجيالهم القادمة.
ولم ولن يفهم الذين اقتربوا من الشأن السوري سواء ممن أيد الثورة, أو من والى نظام الأسد, واقع سورية, ولن يدركوا ماهية "مافيا" نظام منخور من داخل كرسي السلطة, والذي استعار بعد تفككه عكاكيز إيرانية وروسية لمنع سقوطه, ولم يدرس أحد من المهتمين الواقع الاجتماعي والاقتصادي لسورية على مدار عقود من حكم آل الأسد.
من هنا فالثورة في عامها السابع, رغم انتكاساتها العسكرية وحجم تضحياتها الهائلة, وضبابية رؤيتها السياسية, فإنها ثورة حق لا يموت.
مقدمة
تشهد سورية مع أفول السنة السابعة من اندلاع الثورة عام 2011 م تطورات سياسية وعسكرية متصلة بنتائج متباينة على جميع الأصعدة وتداعيات شتى على المستويين الإقليمي والدولي في ظل عجز العالم الحر عن فعل شيء لإيقاف المحرقة السورية المستمرة بصمتها أو موافقتها على إعطاء روسيا الحق في إجهاض الثورة السورية وتعطيلها لكل القرارات الدولية عبر استخدامها حق الفيتو أو التلاعب به في دهاليز مجلس الأمن الدولي.
ينبغي علينا الاعتراف بالانكسارات العسكرية الجارية على مدار العام الثوري المنصرم كنتيجة طبيعية لتشتت إدارة الصراع العسكري ضد قوات نظام الأسد والميليشيات الإيرانية الشيعية المتطرفة, وطائرات بوتين, حيث لا توجد جبهة ثورية مشتركة ومتماسكة، فكانت الاستراتيجية المضادة, التعامل مع كل جبهة على حدة, الأمر الذي سهل قضم مناطق متعددة كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة وكان أكثرها فداحة سيطرة قوات نظام الأسد على القسم الأكبر من غوطة دمشق, باعتبارها المنطقة المحاذية للعاصمة, وإحدى أهم حوامل الثورة السورية, كما شهد الربع الأخير من هذا العام انحسار المناطق المحررة في أرياف المحافظات الشمالية (حماة وإدلب وحلب), جرى كل ذلك نتيجة التناحر الفصائلي أولا, مشفوعا بالارتهان الخارجي، وبتخاذل المجتمع الدولي بصمته عن جرائم الروس وتوابعهم من الميليشيات الإيرانية ثانيا.
كما شهد العام السابع للثورة تطورات عسكرية قام بها الجيش الحر بالاشتراك مع الجيش التركي في عملية "غصن الزيتون" العسكرية, والتي وأدت رأس المشروع الكردي في "روجافا" المزعومة, بعد أن أوشكت عفرين على بلوغ نهاية الأعمال العسكرية, وفي جانب متصل شهدت الساحة السورية احتدام الصراع العسكري الإقليمي والدولي, فتهاوت طائرات إسرائيلية وإيرانية, وأحرقت الآلة العسكرية الأميركية مئات المرتزقة الروس على ضفاف حقول النفط في وادي الفرات.
وفي هذه السنة تشابكت التطورات السياسية بين المتصارعين على " الذبيحة" السورية, في جنيف المعطلة دائما, وسوتشي التي أراد الروس من خلالها وأد أحلام السوريين, فمزقوا وثائق آستانة وأعطوا لطائراتهم حرية رسم حدود النفوذ على جماجم الأطفال.
جرت كل هذه التطورات وسواها بمآلاتها على الشعب السوري الثائر، من التنكيل به إلى تهجيره قسرا من مدنه وقراه وسط صمت دولي يدعي رفع شعارات إنسانية, وفي التفاصيل:
التطورات السياسية ومحاولة تصفية الثورة
مع أفول شمس العام السابع للثورة، بات المشهد السياسي في سوريا يخضع برمته للهيمنة الروسية على القرار السياسي نتيجة تواطؤ وعجز المجتمع الدولي الذي أصبحت أولوياته "الحرب على الإرهاب" والتراجع عن المطالبة بإسقاط الأسد ونظامه والعمل على تعويمه, ما خلا بعض المناوشات السياسية مقرونة بتصعيد عسكري هنا وهناك لأجل تقاسم الغنائم, وتجسدت هيمنة الروس على القضية السورية باستخدام حق النقض (فيتو) مرتين في مجلس الأمن الدولي، والأكثر من ذلك إخراج الملف السوري من أروقة الأمم المتحدة إلى العاصمة الكازخية آستانا، ومن ثم الدعوة إلى مؤتمر الحوار السوري في منتجع سوتشي الروسي.
ويمكن الوقوف على أهم الأحداث السياسية, وإجمالها بالتالي:
- جنيف المعطل حتى إشعار آخر
ما بين آذار المنصرم والجاري شهدت أروقة الأمم المتحدة, ثلاثة مؤتمرات في جنيف السويسرية بين وفدي نظام الأسد والمعارضة السورية, مقترنة برفع اليد الروسية لمنع استصدار أي قرار ينهي الحرب الدائرة في سورية في إطار القرارات الدولية, تجسد ذلك برفض نظام الأسد أي مبادرات حسن النية بوقف القصف أوفك الحصار أو إطلاق سراح المعتقلين وتمسكه بالحوار دون شروط ورفضه مشاركة بعض أطراف المعارضة.
وانتهت جولات المحادثات الثلاث غير المباشرة دون إحراز تقدم، ويمكن رصد مجمل تلك الجولات بالتالي:
- جنيف 5: انطلقت أعمالها في 24 مارس آذار, واستبق المبعوث الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، هذه الجولة من محادثات جنيف بإجراء مشاورات دولية مكثفة لدعم التسوية السورية شملت الرياض وموسكو وأنقرة، ما اضطره للتغيّب عن اليوم الأول من مفاوضات جنيف5, ناقش المفاوضون أربعة ملفات هي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب, وفيما تصر المعارضة على بحث عملية الانتقال السياسي بوصفه مظلة شاملة للقضايا الأخرى، يتمسك نظام الأسد ببند مكافحة الإرهاب.
- جنيف 6: انطلقت هذه الجولة في16 أيّار، فقام فريق المبعوث الدولي بتطوير "آلية تشاورية" بشأن المسائل الدستورية والقانونية كشفتها وثيقة سلمها دي ميستورا للأطراف المشاركة في مفاوضات "جنيف 6", وتستند هذه الآلية إلى بيان "جنيف 1" في 30 حزيران/يونيو 2012، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتي حددت متطلبات عملية انتقال سياسي متفاوض عليها بهدف حل النزاع.
ويتمسك وفد المعارضة بطلب تنحي الأسد، وهو ما يرفضه وفد نظام الأسد لكن لم يتحقق في هذه الجولة أيّ تقدّم.
- جنيف 7: انطلقت أعماله في 10 تموز وانتهت في 15 من ذات الشهر دون التوصل إلى نتائج سوى محاولة الروس الالتفاف والتهرب من مخرجات جنيف1 والتي تحدثت عن هيئة حكم انتقالي وهو ما يعني انتهاء دور الأسد في مستقبل سوريا.
- جنيف 8: بدأت الجولة الثامنة من جنيف في 28 تشرين الثاني، ورغم تعثرها كسابقاتها فقد ظهرت فيها متغيرات أهمها دعوة المعارضة لمفاوضات مباشرة مع وفد نظام الأسد، في حين اقترح ستيفان دي مستورا المبعوث الأممي ترحيل ملفي الدستور والانتخابات إلى مؤتمر سوتشي الذي عقد في روسيا, وفي لقاءات جنيف الأخيرة يجري الحديث عن ملف الدستور وسط رفض روسي, وبذلك تمكن الروس من وضع الملف السوري في ثلاجة الأمم المتحدة إلى إشعار آخر.
آستانا.. استراتيجية روسيا لدفن فصائل المعارضة
بلغت آستانة محطتها الأخيرة دون مشاركة وفدي المعارضة وذاك التابع لنظام الأسد, واكتفى الروس في آستانا بالدعوة إلى مفاوضات غير مباشرة، وبالإفراج عن المعتقلين، وتحديد مناطق خفض التوتر، وتحييد بعض فصائل الثورة مع استمرار عدوان نظام الأسد وعدم التزام الراعي والضامنين بقرارات وقف إطلاق النار.
وقد توصلت وفود روسيا وتركيا وإيران في آستانة 1و2 إلى اتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا, وشهد العام السابع للثورة اللقاءات التالية في آستانة:
آستانا 3: انطلق في 14 مارس/آذار 2017, وأبرز ما جاء فيه أن روسيا قدمت اقتراحات بوضع دستور للبلاد، كما أن الجولة الثالثة من المفاوضات انتهت في ظل مقاطعة المعارضة المسلحة, وأكد البيان الختامي لهذه الجولة عقد اجتماع الجولة التالية مطلع مايو/أيار 2017، وأنه تم الاتفاق على عقد اجتماع على مستوى الخبراء في طهران خلال يونيو/حزيران 2017 كما أكد البيان اتفاق الدول الضامنة على تشكيل لجان لمراقبة الهدنة والخروق، ولجان لمتابعة ملف المساعدات، ولجان لملف الأسرى والمعتقلين.
- آستانا 4: بدأت أعمالها في4 مايو/أيار 2017, وأبرز ما نتج عنها هو اتفاق مناطق خفض التوتر التي تشمل كامل محافظة إدلب ومحافظة اللاذقية ومحافظة حلب، وأجزاء من محافظات حماة وحمص ودرعا والقنيطرة، ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق.
ووقع ممثلو الدول الراعية لمحادثات أستانا "روسيا وتركيا وإيران" على المذكرة التي اقترحتها روسيا لإقامة مناطق لتخفيف التوتر في سوريا، وأكدت روسيا أنه سيتم تطبيقها لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، في حين أعلن وفد المعارضة أنهم ليسوا جزءاً من الاتفاق.
- آستانا 5: انطلقت يوم4 يوليو/تموز2017 واختلفت الدول الضامنة الثلاث - روسيا وتركيا وإيران- على رسم حدود مناطق خفض التصعيد في سوريا، وبعد يومين من التفاوض تم تحديد اجتماعين لاحقين في الأول والثاني من أغسطس/آب 2017 بإيران، وذلك للاتفاق على تحديد خرائط للمنطقتين الثانية والثالثة، مع وجود أسئلة بشأن المنطقة الأولى في محافظة إدلب وبعض التحفظات بالنسبة للمنطقة الجنوبية.
- آستانا 6: بدأت أعمالها في14 سبتمبر/أيلول2017 بعد أن قدمت المعارضة عدة شكاوى عن عدم التزام نظام الأسد باتفاق خفض التصعيد في العديد من المناطق، ويضم وفد المعارضة 24 عضوا برئاسة العميد أحمد بري، ويرأس بشار الجعفري وفد الأسد، ومن نتائج هذا اللقاء رسم حدود مناطق خفض التوتر، التي أعلن عنها سابقا، خاصة منطقة إدلب التي كانت محط خلافات.
- آستانا7: انطلقت في30 أكتوبر/تشرين الأول2017 وحضر المفاوضات غير المباشرة بين نظام الأسد والمعارضة، وفود الدول الضامنة وعدد من الدول المراقبة، وطالب الروس تركيا فرض الاستقرار في محافظة إدلب.
- آستانة 8: انتهت أعماله في21 كانون أول/يناير، وأقر البيان الختامي وثيقة حول تشكيل فريق عمل خاص لبحث ملف المفقودين والمعتقلين وتبادل الجثث، رغم معارضة وفد نظام الأسد حتى اللحظة الأخيرة.
كما تمّ إقرار وثيقة إزالة الألغام في سوريا بما في ذلك مواقع التراث الثقافي المدرجة على قائمة اليونسكو بحسب البيان الختامي الذي تلاه وزير الخارجية الكازخستاني خيرت عبد الرحمنوف.
وتقرر في "أستانة 8" عقد مؤتمر "الحوار السوري" في سوتشي الروسية بين 29-30 كانون الثاني/يناير على أن يكون "رافداً" للمساعي الدولية للحل السياسي.
وتقرر عقد لقاء تقني من قبل الدول "الضامنة" قبيل "مؤتمر الحوار" في سوتشي تحضيراً له.
ولكن روسيا وجدت في آستانة فرصة التمدد نحو وادي الفرات بتحييد فصائل المعارضة عن المعركة, ثم عادت مجددا لرمي مناطق خفض التصعيد في سلالها المهملة, بعد أن أطلقت حملة عسكرية ضد تلك المناطق في الأرياف الشمالية المحررة وفي الغوطة الشرقية, وبذلك انتهت آستانة الظرفية ولن تقبل روسيا من فصائل المعارضة إلا الاستسلام الكامل لإستراتيجيتها.
التطورات العسكرية "انكسارات وهزائم وتعطيل مشاريع"
انتهجت موسكو بوصفها القوة الرئيسة في الصراع الدائر في سورية, والتي تتحكم فعليا في إدارة الحرب ضد المعارضة السورية بشقيها العسكري والسياسي, استراتيجية عامة لإدارة الصراع تتفرع إلى خطط لإدارة المعارك في مختلف الجبهات في مواجهة الشعب السوري منذ تدخلها العسكري المباشر في أيلول عام 2015م, واتسعت دائرتها تدريجيا من حلب وإدلب فدرعا والبادية السورية ومدن ضفة الفرات الغربية, وأخيرا وليس آخرا الغوطة الشرقية, ويمكن إًجمال أبرز التطورات العسكرية التي رافقت العام السابع للثورة بالتالي:
- الاستراتيجية العسكرية الروسية وانكفاء عسكر المعارضة
طالما شكلت المناطق الثائرة على مدار السنة الثورية السابعة, أهدافا للقصف التدميري من قبل الروس ومعه طيران نظام الأسد, وهو ما يؤكد اعتماد استراتيجية ثابتة لتدمير منازل المدنيين والنقاط الطبية والأفران والمدارس وغير ذلك من البنى التحتية، بحيث تستحيل الحياة في هذه المناطق نتيجة العنف المفرط. وعمدت إيران ونظام الأسد وبتغطية جوية روسية خلال السنوات الأخيرة، إلى تفعيل سياسة تطهير ريف دمشق من سكانه "السنة"، عبر الحصار أولاً وبالاجتياح تاليا, بذريعة محاربة الإرهاب، وكان تهجير مقاتلي "بيت جن" وجوارها باتجاه إدلب ودرعا آخر المحطات في هذا السياق، وسبق ذلك اتفاق "المدن الأربع"، حين تم إخلاء مقاتلي وبعض سكان الزبداني ومضايا وبقين، وقرى منطقة وادي بردى, وشهد ريف دمشق اتفاقات مشابهة قضت بإخلاء ما تبقى من مدن وبلدات مناهضة لنظام الأسد, ومع التخلص من ثوار هذه المناطق انتقل نظام الأسد وحلفاؤه إلى الدائرة الثانية الأبعد قليلا كخان الشيح والتل وكناكر وزاكية والدرخبية، وإرغامهم على توقيع اتفاقات مصالحة.
ولم تبق بعد هذه الدوائر الثائرة المحيطة بالعاصمة دمشق سوى منطقة الغوطة الشرقية المتماهية جغرافيا بالعاصمة, ومنطقة جنوب دمشق التي شهدت إجلاء لبعض سكانها قبل أيام قليلة.
وفي هذا الإطار, فإن كل ما تعرضت له مناطق ريف دمشق من حصار واجتياح وتهجير قسري, جرى تحت إشراف ورعاية الأمم المتحدة, وآخرها قرار مجلس الأمن 2401 الذي شرعن عملية التطهير الديني والتهجير القسري الذي تمارسه الميليشيات الشيعية وتلك التابعة للأسد بغطاء جوي روسي, ومع التخلص من أهالي غوطة دمشق بفصائلها المتنوعة تكون روسيا أحكمت سيطرتها على العاصمة دمشق وتأمينها من فصائل الثورة ذات الإمكانيات العسكرية الكبيرة التي كانت تشكل تهديدا فعليا لنظام الأسد.
وسبق ذلك أن أطلقت روسيا حملة عسكرية كبيرة ضد الأرياف المحررة في كل من محافظات حلب وحماة وإدلب, واجتاحت تلك المناطق أمام تراجع فصائل الثورة, وخسارتها لكامل منطقة شرق سكة حديد الحجاز التي تزيد مساحتها على مساحة لبنان مع تهجير أكثر من نصف مليون مواطن من بلداتهم وقراهم ليجدوا أنفسهم في العراء.
عملية غصن الزيتون وتعطيل مشروع "ب ي د" الانفصالي
أطلقت تركيا في كانون الثاني من هذا العام, عملية غصن الزيتون العسكرية بالاشتراك مع فصائل الجيش السوري الحر ضد تنظيم "ب ي د" الكردي في منطقة عفرين, حقَّقا فيها نتائج معتبرة, حيث حررت كامل الشريط المحاذي لتركيا.
ويمكن وصف هذه المنطقة بالجزء الحيوي المؤثر في خاصرة تركيا, ومع هزيمة ميليشيا "ب ي د" وئد حلم الأكراد الانفصاليين بعد أن تمكن الجيش السوري الحر من التقدم إلى عمق منطقة عفرين وإحكام السيطرة على آخر معاقل الميليشيات الكردية, وقطع رأس الكانتون الكردي الذي أسموه "روجافا", والذي يهدف إلى خلق وقائع جغرافية جديدة تأتي في إطار تحقيق المصالح الدولية المتشابكة على الأرض السورية دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح السوريين بما فيهم المكون الكردي المتطلع إلى الحرية ومناهضة نظام الأسد المستبد.
الثورة حق لا يموت
في عام الثورة السابع, تعاظم الصراع الإقليمي والدولي في سورية, وتراجع الوكلاء عن أدوارهم إلى المرتبة الثانية, تجسد ذلك بتشابكات عسكرية إسرائيلية إيرانية في الجنوب السوري, وخسارة روسيا مناطق شرقي الفرات بعد أن أحرقت الولايات المتحدة طلائع المرتزقة الروس الذين تقدموا إلى حقول النفط في وادي الفرات, في سباق محموم على تقاسم تركة تنظيم "الدولة".
بين هذا وذاك, يقف عسس المعارضة وساستها خارج سياق الفعل المؤثر نتيجة تراكم الاقتتال البيني, وشيوع مشاريع خارج الإطار الوطني للثورة، وغياب المرجعيات القضائية والقيادة المركزية الجامعة, مما أفضى لانهيارات وهزائم عسكرية متتالية, وفي الطرف السياسي المعارض تفاقمت الهوة بين التيارات المتباينة، لتنشأ كيانات سياسية شتى دخيلة على المعارضة.
ومع ذلك, فالثورة كشفت حجم المأساة الدولية التي انهارت فيها أخلاقيات ووجدان العالم المتحضر الذي يرفع شعارات وهمية، كالإخاء والعدالة والمساواة... وهو الوالغ في دماء السوريين حتى الرقبة، ولعل استقالة اللجنة الخماسية الأممية المكلفة بالتحقيق في جرائم الحرب في سورية وعلى رأسها المسؤولة الأممية "كارلا بونتي" بعد تصريحاتها عن مسؤولية الأسد عن المجازر الكيماوية وغيرها، توضح المشهد بأبهى صوره عن أبشع حرب في التاريخ المعاصر ارتكبت فيها أشنع الجرائم دون عقاب، أو محاسبة أو رقابة، يتحمل وزرها عالم يدعي التحضر والتمدن.
ما يهمنا في هذا الإطار, أن المؤمنين بالثورة السورية سواء الذين اختاروا البقاء داخل الوطن رغم فداحة المأساة, أو الذين اضطرتهم ظروفهم للعيش في المنافي وبلدان التشرد, يصرون على الصمود حتى إسقاط نظام الاستبداد, وهذا حق للشعب السوري, لا يقتله احتلال, ولا براميل الكلور, ولا القنابل الكيماوية, ولا الصواريخ الذكية أو الغبية, ولا تموت ثورة بالتقادم, لأنها فكرة تختزنها ضمائر وعقول أصحابها, الذين يتمسكون بتحقيق أحلام ثورتهم التي رددوها معا, حرية وكرامة وعدالة لكل السوريين.