بلدي نيوز-(المحرر العسكري)
من جديد ينجح النظام بشكل كبير في إحداث خرق إعلامي ونفسي على مستوى السوريين والمعارضين ككل، فالنظام الذي يدعي بأنه كسر حصار أحياء ديرالزور، يبدو أن نصره المعنوي الحقيقي كان في عمليته النفسية النوعية، التي تجلت باستخدام فريق كرة القدم الخاص به كسلاح جديد من أسلحة حربه "النفسية" ضد السوريين، والتي يتزايد استثماره وتركيزه عليها مع كل خطوة و"خطة" سياسية لإعادة تعويمه.
نظام الأسد جند كرة القدم بمساعدة من حلفائه؛ لتحقيق نصر واختراق معنوي، حيث سعى للترويج لفكرة أن هذا الفريق هو فريق "الوطن" بين المعارضين، مستغلاً جهل معظم الأشخاص "الرماديين" أو الأشخاص الذين تنطلي عليهم حيلة "مؤسسات الدولة"، وأولئك المعادين للنظام بسبب تضررهم المباشر منه فقط، وليس على أسس فكرية أو سياسية أو حتى عقائدية (وجلهم من المهجرين خارج سوريا).
نظام الأسد لم يقم بهذا العمل بشكل اعتباطي أو عفوي، بل بدأه قبل أشهر، حيث كانت التسريبات حول مفاوضات يقوم بها من أجل إعادة بعض اللاعبين من خارج سوريا إلى "حضن الوطن"، ضرب بها عصفورين بحجر واحد، فهو كسب "تائبين" عادوا لحضن الوطن، وكسب أن فريقه الكروي يضم "معارضين" تائبين يلهثون وراء الكرة من أجل عيني "سيادته"، ولتحقيق نصر يقدم إلى "القيادة وراعي الرياضة والرياضيين".
حيث ركز النظام عمليته النفسية والتي نستطيع تسميتها "الساحرة المستديرة" على إغواء اثنين من اللاعبين الذين يعتبرون من "المعارضين" لنظامه، والذي نجح بجلبهم إلى فريقه بطريق ما تزال غير معروفة، سواء بالإغراء المادي أو المعنوي أو حتى الابتزاز، فالنظام لا يغيب عليه شيء من أساليب "الاقناع".
عملياً كان النظام صادقا مع نفسه ومؤيديه، فيعلن أحد إداريي الفريق أن الهدف من النصر هو "إرضاء القيادة" بدون مراوغة أو تقية، ويتجاهل هذا التصريح عشرات ألاف السوريين الذين ما يزالون يعتقدون أنه فريق "الوطن"، على الرغم من أن الدعاية التي أرسلها النظام خلال مبارياته وبعدها ما تزال تؤكد أنه فريق "الأسد"، وليس له علاقة بالسوريين وخاصة المعارضين منهم، الذين تجاهل أو تعامى الكثيرون منهم عن جزئية أن اختيار أفراد "المنتخب" تتم وفق الولاء والتبعية أولاً وأخيراً، وليس وفق القدرة الرياضية، فكم من لاعب "خارق" منع عن الوصول للمنتخب لأنه لا يمتلك مقومات "مناسبة" لدخول الفريق حسب مفهوم النظام.
ما يعني ويؤكد أن هذا الفريق ككل ليس سوى واحدة من وسائل إعادة تعويم النظام، عبر الترويج لعمليات العودة لحضن الوطن، و"الانتصارات" التي يحققها النظام عسكريا وكرويا.
النجاح الذي حققه النظام يتمثل بأنه استطاع النجاح في استقطاب الكثير من "أنصاف المعارضين" أو "الرماديين" المضطرين للخروج من مناطق النظام لأسباب تتعلق بكونهم مطلوبين للنظام لأسباب لا تتعلق بالثورة ، مثل انتهاء التأجيلات الدراسية، أو صعوبة الحصول على عمل، أو الوضع الاقتصادي المزري الذي يعتبر الصفة الأساسية لمناطق النظام، وهذه الفئة من السوريين تعتبر أكثر الفئات إشكالية في الساحة السورية.
حيث جرهم لحضور مباريات يرفع فيها علمه، ويتعاطفوا ويهتفوا بأسماء أشخاص سوف يقدمون حصيلة جهدهم في النهاية إلى "راعي الرياضة والرياضيين"، الأمر الذي لا يمكن تفسيره بطريقة منطقة ونفسية سليمة، إلا بشكل من أشكال "المازوخية" المعندة لديهم.
كذلك استطاع النظام أن يعمل على الترويج للحياة "الطبيعية" في مناطقه، واستطاع الترويج للتجمعات "الشبابية" النابضة بالحياة، والتي تعاكس صورة الحرب الكئيبة القاتمة التي تنتشر عن سوريا، والتي تتناقلها وسائل الإعلام (قبل بداية حملة إعادة التعويم التي بدأت بُعيد ضربة مطار الشعيرات).
فالنظام سير العديد من المسيرات المشجعة للفريق في المناطق التي يسيطر عليها، وبث الكثير من الفيديوهات للاحتفالات بذلك وأن ما يحدث هو "عرس شعبي" حقيقي، في محاولة لإعطاء انطباع أن الحياة أصبحت طبيعية في مناطق النظام، وأنه يعيش في وضع جيد، وأن الأمور ممتازة في مناطقه من الناحية الامنية والحقوقية، والتي لا يعكر صفوها سوى "الارهابيين" الذين يحتلون العديد من المناطق التي يعمل النظام على تطهيرها بدعم دولي.
حيث كانت الكهرباء و"بالصدفة" موجودة في جميع المناطق التي حدث فيها تصوير لهذه "المسيرات"، وسيارات "الهمر" المزينة بأعلام النظام، واختفاء المظاهر المسلحة وكل ما يعكر "صفو" احتفالات مشجعي "فريق الوطن".
إذاً، لن نبالغ إذا أسمينا هذه العملية الطويلة والمعقدة والتي شملت عدة مستويات لدى النظام، إعلامية وعسكرية وعدة مؤسسات عملية "الساحرة المستديرة" الاستخباراتية، والتي يمكن اعتبارها واحدة من أكبر اختراقات النظام السيكولوجية والنفسية، والتي تعتبر واحدة من مقدمات عمليات "التطبيع" مع النظام، والتي ستتلوها عمليات أخرى، لن تقل عنها أهمية.