بلدي نيوز- (ميرفت محمد)
على شاكلة الاتفاق الذي اقتضى تهجير سكان حيي برزة وتشرين، تم تهجير مدنيي ومسلحي فصائل المعارضة يوم أمس الأحد من حي القابون شرقي العاصمة دمشق نحو إدلب في الشمال السوري، وترك الحي لقوات النظام والميليشيات.
هذا الاتفاق الذي نفذ بشكل سري وعلى عجل، نزع من يد المعارضة السورية آخر مناطقها في شرق العاصمة (دمشق)، فالقابون كبرزة وتشرين له أهميته الكبيرة لكونه كان شريان حياة مناطق المعارضة، حيث سهلت الأنفاق فيه طريق نقل المواد الغذائية، كما يمنح هذا الاتفاق نظام الأسد الفرصة للتفرغ لقتال المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية، إضافة إلى منحه استحقاقات سياسية سواء في جنيف القادمة أو حصده للنتائج الإيجابية لاتفاقية "خفض التصعيد" التي وقعت في وقت سابق في الأستانة.
القابون.. المعقل الأخير
غادر بالأمس نحو 2289 شخصاً آخر أحياء شرق العاصمة (دمشق) التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية، ترك أبناء حي "القابون" الواقع على مشارف العاصمة كل شيء وتوجّهوا مجبرين تحت نيران النظام وحلفائه إلى إدلب.
هذا التهجير الناجم عن اتفاق بين المعارضة والنظام، قد سبقه اتفاق مشابه تمخض عنه إخلاء حيي برزة وتشرين الدمشقيين، حيث غادر أكثر من 1200 شخص أيضًا باتجاه إدلب.
ورغم أن تشديد الحصار أدى إلى إجبار مقاتلي المعارضة على الموافقة على اتفاقيات الانسحاب إلى شمال سوريا، إلا أن هذه الفصائل تتحمل مسئولية اعتماد النظام وحلفائه لأساليب الحصار وعمليات الإجلاء نفسها، بعد توقيع الاتفاقيات وما يتبعها من تكثيف لعملياته العسكرية فور دخول تلك الاتفاقيات حيز التنفيذ.
ويمثل فقدان القابون بعد برزة ضربة قوية أفقدت المعارضة تواجدها في العاصمة، ففي الرابع من أيار الجاري وقعت المعارضة على اتفاق في ختام اجتماعات الجولة الرابعة للمؤتمر في العاصمة الكازاخية "أستانة4" برعاية روسية تركية إيرانية, وينص الاتفاق على إنشاء مناطق (خفض التوتر) كما سماها الروس.
تنص المذكرة على تحديد أربع مناطق خالية من الاشتباكات، تشمل محافظة إدلب (شمال غرب)، وأجزاء من محافظات اللاذقية وحماة وحلب المجاورة، وبعض المناطق شمالي محافظة حمص (وسط)، والغوطة الشرقية بريف دمشق، ومحافظتي درعا والقنيطرة، جنوبي سوريا.
الفصائل مخترقة
شكل تهجير حي القابون، آخر حي في شرق دمشق كانت تسيطر عليه المعارضة صدمة كبيرة، وذلك لكون النظام حاول عشرات المرات اقتحام الحي لكن صمود المعارضة حال دون تحقيق مراده، كما يشكل تهجير هذا الحي كارثة لها عواقب وخيمة جدًا ستتضح تبعاتها في الأسابيع القادمة.
يعتبر السياسي السوري ورئيس هيئة الإنقاذ السورية (أسامة الملوحي) أن ما حدث من اتفاقيات اقتضت تهجير أحياء شرق دمشق كانت كلها لصالح النظام، مضيفاً: "بعد كل اجتماع في الأستانة تقع كارثة حقيقية، فالأمر لا يتوقف على خداع الروس بل تلك قمة التعسف والفجور السياسي، تحصل الاجتماعات وأثناءها يكون هناك قصف وإطلاق نار، عكس ما تحمله هذه الاجتماعات من وقف إطلاق النار وهدن وخفض التوتر، ثم في نهاية كل لقاء تحصل كارثة تهجير ضخمة".
ويشدد (الملوحي) خلال حديثه لـ"بلدي نيوز" على أن وقوع الحي تحت إدارة فصيل (جيش الإسلام) وحديث المواطنين هناك عن وجود اتفاقيات غير معلنة واجتماعات في غرف مغلقة يضع المعارضة السورية في مأزق كبير، ويتابع القول: "ما يحدث من روسيا غير مفاجئ، المفاجئ هو ما قام به جيش الإسلام وممثله محمد علوش، كرئيس وفد، كان عليه عدم الحضور، فذلك سيحدث ضجة أو لفت انتباه، الكارثة التي حصلت، تجعل الناس تصدق ما يقال من أن قيادة جيش الإسلام تتفق مع النظام أو شيء من هذا القبيل".
ويرى (الملوحي) أن آلية الهدن المحلية الصغيرة مع كل حي، تؤكد أن النظام السوري نجح عن طريق مخابراته، بإحداث خرق أمني للمدنيين وحتى للفصائل، إذ أصبح مؤكد أن الفصائل مخترقة، وهذا الاختراق يؤتي أكله بطريقة ترويج للقرارات من داخل الفصيل المعارض، حيث يحصل استدراج من داخل التنظيم ثم تسويق لهذه القرارات".
ويتابع (الملوحي) : "نحن بالطبع لا نتهم جيش الإسلام بالخيانة، فهو فصيل عريق له إنجازاته في ردع النظام، لكن لا نستطيع أن نسكت الأصوات التي تشكك في أشخاص داخل قيادة هذا الفصيل، يجب أن نسلط الأضواء على هؤلاء، أداؤهم يثير الريبة، ويحقق مكاسب هائلة للنظام، والمضاعفات في الأسابيع القادمة خطيرة للغاية فيما يتعلق بالعاصمة وسيطرة النظام على العاصمة".
أستانا4: هزيمة سياسية
أحكم النظام السوري حصاره على الغوطة الشرقية، المعقل الرئيس الوحيد للمعارضة قرب دمشق منذ عام 2013، ومع خسارة القابون وبرزة يكون قد سقط خط الدفاع الأساسي عن الغوطة الشرقية.
يؤكد الباحث السياسي السوري ومدير مركز الجمهورية للدراسات وحقوق الإنسان (ميسرة بكور) أن روسيا التي أخرجت للسوريين اتفاقيات "مناطق خفض التوتر" نجحت في إفراغ كل المبادرات الدولية الرامية إلى التحول السياسي في سوريا بعيدًا عن النظام السوري.
ويؤكد (بكور) أن روسيا فرضت على الساحة السورية عقاباً يأخذ في الحسبان مقتضيات مصلحتها برضى دولي، ويوضح: "هي تقول تخفيف التصعيد وليس وقفه نهائياً، ورغم أن ذلك إقرار رسمي من الروس أن وقف إطلاق النار لم يحترم منها ومن حلفائها إلا أن المجتمع الدولي قبل ذلك".
ويشير (بكور) إلى أن وفد الفصائل الذي حضر "أستانة4" أظهر للعالم أجمع حجم الشرخ بين تلك الفصائل خاصة لو تابعنا باهتمام انسحاب بعض أعضاء الوفد أثناء توقيع المندوب الإيراني على المنتج الروسي، مضيفًا لـ"بلدي نيوز": "استطاعت موسكو خلال أستانة ومن أجل أستانة، أولًا احتلال حلب، ثم تمكنت في كل فصل من فصول أستانة من إفراغ منطقة من أهلها، وعممت عملية التهجير على معظم مناطق الفصائل، والأخطر هو ذاك (الباص) الذي ينقل سوريا والمعارضة من انهزام عسكري إلى انهزام سياسي ومزيد من التشرذم".