بلدي نيوز – (ميرفت محمد)
بينما كانت تعمل تركيا على المضي قدمًا للسيطرة على بلدة (منبج) ومجابهة النظام السوري وتنظيم "الدولة"، سلّم مجلس منبج العسكري، التابع لـ"قوات سوريا الديمقراطية" قرى البلدة لنظام الأسد وحليفه الروسي.
ليصبح بذلك ولأول مرة كلا من روسيا والولايات المتحدة ونظام الأسد خلف الأكراد ضد الرغبة التركية، وبذلك تزداد التخوفات التركية مع تعنت الموقف الأمريكي بإشراك وحدات حماية الشعب الكردية في معركة الرقة معقل تنظيم الدولة في سوريا، والتي تعتبرها تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني، وهو ما يعني أن خارطة التحالفات نحر تغير لا تتوقع أبعاده.
الصدام العسكري المباشر
بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بزيادة عدد جنودها قرب منبج شرق حلب، وذلك بالتزامن مع التصريحات التركية التي هددت بقصف ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي ما لم تنسحب من المدينة، جاء قرار مجلس منبج العسكري، التابع لقوات سوريا الديمقراطية، والحليفة لأمريكا بالسماح للقوات الروسية وقوات النظام بالسيطرة على قرى قريبة من منبج، ليصبح المستشارين العسكريين الأمريكيين الموجودين في المنطقة بعد هذا القرار أقرب إلى القوات الروسية وجيش النظام.
منبج الواقعة على الحدود السورية-التركية، والتي سيطرت قوات سوريا الديموقراطية على المدينة في آب/أغسطس 2016 أصبحت نقطة هامة في تشكيل خارطة التحالفات على الأرض السورية، لذلك يؤكد المختص في الشأن التركي (عبو الحسو) أن "الصدام العسكري المباشر مهما تأجل بين قوات درع الفرات المؤلفة من الجيش الحر المدعوم من قبل القوات التركية وبين قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية لا مفر أنه قادم مهما تأجل ومهما تم تحاشي ذلك"، ويستدرك بالقول لبلدي نيوز "الوقائع الأخيرة بتسليم مدينة منبج لقوات النظام وبرعاية روسية من قبل مجلس منبج العسكري، وكذلك إنزال الولايات المتحدة الأميركية بقوات ومدرعات على خطوط التماس بين قوات درع الفرات وقوات سوريا الديمقراطية يظهر كل ذلك بأن النظام ومعه قوات سوريا الديمقراطية والميليشيات الإيرانية وأميركا وحتى داعش يقفون في طرف وفي الطرف الآخر نجد قوات درع الفرات".
ويؤكد المختص في الشأن التركي على أن معركة منبج ستظهر هشاشة التفاهمات والتحالفات بين تركيا وروسيا من جهة، وبين أمريكا من جهة أخرى، وكذلك إظهار التحالف الخفي بين تنظيم الدولة والنظام وإيران وروسيا وأميركا إلى السطح وعملية تبادل الأدوار بينها لتحقيق تثبيت أركان النظام، وإضعاف دور الجيش الحر، وتقويض الدور التركي. وختم بالقول "ربما يكون خيار تركيا التضحية بالتفاهم مع روسيا وكذلك مجابهة قسد وزيادة الشرخ مع أمريكا وتمسك الولايات المتحدة أكثر بقوات قسد، ورد تركيا على ذلك بإغلاق قاعدة انجرليك في وجه قوات التحالف الذي يشكل الولايات المتحدة القوة الرئيسة فيها".
كبح جماح التوسع التركي
قدمت تركيا الكثير من الاقتراحات مقابل إقصاء قوات سوريا الديمقراطية من عملية استعادة مدينة الرقة، من بينها الدفع بقوات قوامها نحو عشرة آلاف مقاتل من الجيش السوري الحر بقيادة تركية جنوبًا نحو الرقة انطلاقاً من مدينة تل أبيض الحدودية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، لكنها الولايات المتحدة رفضت هذه الاقتراحات.
يشدد المختص في الشأن الكردي (مهند الكاطع) على أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تتجهان في إطار إبعاد تركيا عن أي دور عسكري محوري في سوريا حتى في معركة الرقة، وتابع القول "أعتقد أن ذلك سيشمل التحالفات في معركة الرقة التي ربما لن يتم الاستجابة لرغبة الأتراك بإقصاء حزب العمال الكردستاني عن هذه المعركة، ربما بعد معركة الرقة يتم إرضاء الطرف التركي إذا دعت المصلحة لذلك، عبر السماح لهم بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في سوريا بشكل يشل قدراتهم".
ويرى (الكاطع) أن تحرك روسيا المشترك مع النظام مؤخراً في منطقة منبج والمتطابق تماماً مع تحرك الولايات المتحدة الأمريكية لا يأتي في إطار دعم للأكراد (ميليشيا حزب العمال الكردستاني)، بقدر ما هو توافق أمريكي روسي على كبح جماح التوسع التركي في الشمال السوري، وفتح المجال أمام التمدد الإيراني والميليشيات المرتبطة بإيران ومنها حزب العمال الكردستاني.
ويوضح (الكاطع) لـبلدي نيوز "الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بالنهاية يدركان حجم تركيا على الساحة الإقليمية والدولية، وهناك تخوف من سيطرة تركيا على الشريط الشمالي في سوريا بشكل كامل، مع وجود قاعدة شعبية للحكومة التركية الحالية، خاصةً في ريف حلب وإدلب، وأيضًا في ريف الرقة في المناطق التي تأذت من سياسة النظام وحزب العمال الكردستاني"، مضيفًا "بالتالي فإن هناك أولوية دولية اتجاه التصدي للتوغل التركي، فحزب العمال الكردستاني أو داعش كلاهما يشكل مع النظام توليفة "كومبارس" تخدم مشروع أمريكي روسي إيراني في المنطقة، يبدو أنه يستهدف سورية أرضاً وشعباً وغير بعيد أبداً من محاولات إضعاف تركيا وإنهاكها".
زيادة الشرخ بين تركيا والغرب
تخشى تركيا من أن تعمق الجهود الروسية التحالفات مع الولايات المتحدة على أرض المعركة، فروسيا التي دعمت جويًا عملية درع الفرات من أجل السيطرة على الباب تسلمت مؤخرًا منبج من قوات سوريا الديمقراطية.
يؤكد المحلل العسكري (راني جابر ) على أن "روسيا ليست سوى كومبارس في منطقة الشرق الأوسط تعمل مثلها مثل إيران والنظام السوري برضا ومباركة أمريكية، ومهمتها الحالية زيادة الشرخ بين تركيا والغرب والناتو بهدف السماح للغرب لاحقا بالاستفراد بتركيا بعد التخلي عنها تمامًا وإخراجها من خانة الأصدقاء نهائيًا لخانة الأعداء"، ويرى (جابر) خلال حديثه لبلدي نيوز أن هذا الأمر قد يكون مفيدًا على المدى المتوسط والبعيد لتركيا التي أصبح تدرك الآن بشكل واضح جدًا أنها لا تمتلك أي حلفاء حقيقيين من الدول الكبرى، بل حليفها الحقيقي هي الشعوب في المنطقة.
وينوه (جابر) إلى أنه لن تغير معركة الرقة نموذج التحالفات في المنطقة لكنها ستكشف حقيقته، حيث يقف الآن الروس والأمريكان خلف الأكراد والنظام بشكل معلن لأول مرة منذ بداية الحرب في سوريا. ويضيف جابر "تركيا تؤمن تمامًا ولديها ولدى جميع المتابعين للوضع السوري أطنان من الأدلة على تبعية حزب الاتحاد الديمقراطي لجذره الموجود في تركيا وهو يمثل امتدادا فكريًا وعسكريًا وتنظيميًا له، وتركيا لا يوجد لديها أي دافع أو سبب لتعزلهما عن بعض بل تزيد الأيام والأحداث من صحة النظرة التركية لهما".
هل تتراجع تركيا عن موقفها من PYD؟
تصر تركيا على رفض أي فرصة للتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في الحملة ضد تنظيم الدولة في مدينة الرقة، وقد كرر الرئيس التركي (رجب طيب إردوغان) هذا الرفض، عندما قال "إن تركيا لا يمكن أن تقبل أي تحالف مع وحدات حماية الشعب الكردية"، ويأتي هذا الإصرار التركي في وقت ترى الولايات المتحدة أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب هم الأكفأ في قتال تنظيم الدولة.
فهل تدفع التطورات الأخيرة تركيا للتراجع عن قناعتها، يجيب على هذا التساؤل المختص بالشأن التركي (عبو الحسو) فيقول أنه لا يمكن لتركيا بأي شكل من الأشكال التراجع عن تغيير قناعتها بوجود ارتباط عضوي بين حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وجناحها العسكري وحدات حماية الشعب YPG بحزب العمال الكردستانيPKK ، ويضيف "تركيا خاضت وما زالت تخوض صراعاً مريراً مع حزب العمال الكردستاني منذ أكثر من 35 عامًا، وبدأت فترة مصالحة معها منذ عام 1999 وتوجتها بتوقيع ما سمي حينها بمسيرة السلام الداخلي في عام 2013 وتم استصدار عفو لكل من ألقى السلاح وتشكيل لجان حكماء في الولايات لتعزيز تلك المسيرة وصدرت حزمة قوانين تحت مسمى الانفتاح الديمقراطي تعزز حقوق الأقليات ومراعاة خصوصيتها من ناحية اللغة والتراث"، ويستدرك "لكن الحزب استغل ذلك وتسلح وخزن السلاح وقام بعمليات إرهابية كبيرة ضد الجيش التركي وقام بتفجيرات في المدن الكبرى مستهدفًا المدنيين بل أكثر من ذلك أعلنت بعض البلديات في جنوب شرق تركيا الحكم الذاتي مما دفع السلطات التركية بتنفيذ عمليات عسكرية ضد عناصر الحزب".
ويوضح (الحسو) أن الأمر مع حزب الاتحاد الديمقراطي لا يختلف كثيراً، فتركيا فتحت أبوابها على مصراعيها أمام الهاربين من تنظيم الدولة عندما سقطت عين العرب-كوباني- بأيديهم وسمحت لقوات البيشمركة التابعة لإقليم كردستان بالعبور عبر الأراضي التركية للمشاركة في السيطرة على عين العرب-كوباني- بل أكثر من ذلك دفعت بفصائل الجيش الحر وبدعم منها للمشاركة في عملية التحرير وقابل الحزب كل ذلك بإعلان الفيدرالية وتهجير العرب والتركمان من مناطق تل أبيض ومنبج ومحاولة السيطرة على كامل الشريط الحدودي مع تركيا وتشكيل ممر كردي، حسب الحسو.