أيريش كاثوليك – (ترجمة بلدي نيوز)
عند النظر إلى صور المجازر والفوضى المتدفّقة من سوريا اليوم، وخاصة في القتال العنيف الذي تشهده مدينة حلب، فإن من الواضح بأن البلاد في حرب شرسة، وغالباً ما يكون من الصعب تقديم دليل دامغ يدفع للأمل بأن هناك أي مستقبل جيد ما بعد إراقة الدماء والحرب المدمّرة، إن الأمر لصعب حقاً... حتى تلتقي بشخص مثل عبد الكريم الريحاوي.
الريحاوي- رجل الأعمال السوري، والذي كان يعتمد في مدخل رزقه سابقاً على تصنيع وبيع الملابس، فقد كان يملك متجراً لبيع الملابس الداخلية في وسط العاصمة السورية دمشق، حتى عاش تجربة شخصية في تسعينيات القرن المنصرم مع وحشية النظام السوري في ظل حكم حافظ الأسد.
في الواقع فَقَدَ ريحاوي محفظته، بما فيها من أوراقه الشخصية وبطاقة هويته السورية، توجّه إثر ذلك الحادث إلى مركز الشرطة المحلية لتقديم تقرير عن سرقة محفظته وضياع أوراقه، هناك اعتقل وتعرّض للضرب والمضايقة، من قبل مسؤول في الشرطة متّهماً إياه بأنه باع هويته في السوق السوداء إلى عدو للدولة!
ومن ثم أطلق سراحه في نهاية المطاف بعد تدخل عائلته وأصدقائه لصالحه، وبدأ الريحاوي يتساءل عن صحة هذا البلد الذي من شأنه أن يسمح لشرطته وأجهزته الأمنية بالتصرف بمثل هذه الطريقة دون وجود أي أساس وفي غياب المحاسبة أو الطعن.
المجتمع المدنيّ
وبدأ الريحاوي بالتواصل مع بعض المحامين والناشطين، وشرع في الرحلة التي أدّت لاحقاً إلى تأسيس الجمعية السورية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي أصبحت فيما بعد إحدى التعبيرات الرئيسية عن المجتمع المدني في البلاد، حيث تقوم بتوثيق الانتهاكات على جميع أطراف النزاع والسعي لبناء بديل معتدل مؤيد للفكر الديمقراطي في الوضع الراهن.
وكان الريحاوي في روما في نهاية هذا الأسبوع، يعمل مع صديقة قديمة لي على مشروع معاً، وتدعى صديقتي نيكوليتاغايدا، الناشطة الإيطالية التي أسست مبادرة باسيس آرا، وهي المنظمة العالمية الهادفة وغير الربحية المكرّسة للبعد الإنساني للسلام، وتماماً بمحض الصدفة التقينا أنا وزميلي إينيس سان مارتين في ليلة الجمعة مع غايدا والريحاوي في الفندق الروماني حيث عادة ما أقيم.
على مرّ السنين، كانت قيادة وسمعة ونزاهة الريحاوي قد وضعته في بعض المواقف السريالية إلى حد ما، فقد أخبرنا كيف أنه وفي عام 2013 على سبيل المثال، اختطف عناصر ما يسمى بتنظيم "الدولة" الإرهابي مجموعة من حوالي 200،000 من الآشوريين المسيحيين، وتواصلوا مع الريحاوي لمعرفة ما إذا كان يمكنه التوسط في دفع فدية عودتهم، الأمر الذي قاده لاحقاً للتوسط في عدة تبادلات مع قادة التنظيم، بما في ذلك تبادل الرسائل مع مسؤولي التنظيم على كل من سكايب والـ WhatsApp.
وكان أحد الأشياء التي فاجأته حقاً، كيف بدا قائد التنظيم منضبطاً ومتعلماً بشكل جيد، الأمر الذي جعله يعتقد بأنه قد تلقى مستوى عال من التدريب والدعم، كما أضاف الريحاوي قائلاً: "إنهم يعتبرون أنفسهم الأخيار في هذه القصة، فقد كان المسؤول مقتنع بشدة بأن ما يفعلونه هو الحق، وأن الله سيكافِئهم على ذلك".
في نهاية المطاف أعيد الآشوريون، بعد أن تم دفع ما يقرب من 50 مليون $ في فدية تم جمعها من المجتمع الآشوري على مدى عدة أشهر.
لكن وبالنسبة للريحاوي فإن من وجهة نظره بأن ذلك التنظيم الإرهابي ليس الخطر الوحيد الذي يهدد السلام والأمن في البلاد، لأنه يرى أيضاً بأن نظام بشار الأسد -وريث والده- نظام وحشي للغاية.
ويقول الريحاوي بأنه يشعر بالقلق الشديد حيال ما يقدر بـ 300،000 من المناهضين لنظام الأسد والذين يقبعون حالياً في السجون السورية، بالنسبة له فإن هذا ليس شعوراً مجرّداً، فقد تم اعتقاله عشرات المرات بسبب انتقاده للنظام، بما في ذلك لمدة أسبوعين في عام 2011 تعرض خلالها في السجن للتعذيب والضرب المبرح مراراً وتكراراً.
ويتحدث الريحاوي عن تجربته الشخصية، واصفاً كيف كان معلقاً من ذراعيه في زنزانة السجن بعد ضرب مبرح خلّف عدة كسور في أضلاعه، قبل أن يدخل إلى تلك الزنزانة عميد من خدمة أمنية أخرى كان لفترة طويلة يسعى للقبض عليه، إذ قال: "لقد أمر الحارس بوضعي على الأرض واستخدام جسدي لتنظيفها كممسحة، ومن ثم أدخل حذاؤه في فمي حتى فقدت الوعي"، قبل أن يضيف متأثراً بتجربته ومستذكراً مرارة الموقف: "لقد كان يرسل رسالة واضحة لي، بأن علي أن أصمت".
وهرب الريحاوي في نهاية المطاف إلى مصر، حيث عمل مع القوات المؤيدة للديمقراطية خلال الربيع العربي، ويسعى الآن للحصول على اللجوء السياسي المؤقت في ألمانيا، ومع ذلك فإنه مصمم على أن رغبته الوحيدة هي العودة إلى سوريا ليكون جزءاً من الثورة السلمية المعتدلة، إذ يقول: "لقد أخبرت الضابط المسؤول عن مسألة اللجوء بأنني لن أبقى لدقيقة واحدة في ألمانيا ما إن استطعت العودة للبلاد، فإنني أنتمي إلى سوريا".
البعض يظنون في كثير من الأحيان بأن الأقليات في سوريا بما في ذلك ما يقرب من 10٪ من المسيحيين، يميلون إلى أن يكونوا موالين للأسد لأنهم يعتبرونه البديل الواقعي الوحيد لتنظيم "الدولة"، إن الريحاوي لديه رسالة للمسيحيين الذين يميلون إلى التفكير بهذه الطريقة، ولأي شخص آخر قد يرغب بالاستماع، بما في ذلك تحديداً حكومة الولايات المتحدة في جوهرها، هو أن صيغة الوضع ليست على الإطلاق اختيارا ما بين الأسد وتنظيم "الدولة" فقط، إذ أن اختصار سوريا على هذا النحو هو أمر زائف وغير صحيح، إذ أنه يقول: "إن الأسد يريد منكم الاعتقاد بذلك الأمر، يجب أن تعلموا بأن الأسد هو الداعم الرئيسي في الحقيقة لتنظيم الدولة الإرهابي... إن لديهم في الأساس اتفاق قوي فيما بينهما".
في الواقع، فإن الريحاوي يؤكد على أن هناك أطياف واسعة داخل سوريا تنظر للأمر بنحو مختلف، وترسم تحولاً جذرياً في المستقبل من شأنه أن يأخذ البلاد نحو اتجاه معتدل وديمقراطيّ ومستقر.
إذ يقول: "يجب أن تعلموا بأن السوريون ليسوا متطرفين، إنهم يكرهون تنظيم الدولة، وكذلك نظام الأسد الوحشي، إنهم يرغبون بتغيير حقيقي، وإذا ما سنحت لهم الفرصة فإن هنالك الكثير من الناس على الأرض هناك من شأنهم أن يقودوا البلاد نحو عدل وديمقراطية واستقرار، وإنني أرى بأن الترويج الكاذب للأسد بكونه بديل لتنظيم الدولة والمتطرفين، هو مجرد إطالة لأمد معاناة البلاد، إذ أنهما وجهان لعملة دموية واحدة".
قبل أن يضيف الريحاوي: "لو تم استبدال الأسد بحكومة معتدلة منتخبة بشكل ديمقراطيّ وتحظى بدعم وتأييد شعبي، فتأكدوا من أن تنظيم الدولة والمتطرفين في البلاد سينتهون في غضون ثلاثة أشهر، إنني أضمن ذلك".
لقد أعطيت هذه الضمانات من قبل، وبطبيعة الحال فإن من الصعب معرفة أي شيء في المستقبل، نظراً للتوترات وتعقيدات الشرق الأوسط التي لا تُدرك تقريباً، في حين كان التاريخ الدموي الكئيب بدلاً عن أي تجارب أخرى حديثة في الإصلاح الديمقراطي، هو الأمر السائد في المنطقة.
من ناحية أخرى فإن مقابلة ريحاوي، والتي تقدم ببساطة ما يصل إلى حالة من الشعور الطيب بالتفاؤل، ترينا كيف أنه كان على استعداد تام لتقديم أي شيء لدفع بلاده لتحقيق أفضل نسخة من ذاتها، كما يقترح مساراً ديموقراطياً بديلاً بعيداً عن الإرهاب والتطرف والدولة البوليسية من شأنه أن يوقف موجات الحرب الدموية.
لا أعلم في الواقع ما إذا كان مستقبل سوريا سيعتمد على شخصيات مثل عبد الكريم ريحاوي أم لا، لكن ومع ذلك فإن ما أعرفه هو أن البلاد ستكون حينها في أفضل حال إذا ما حدث ذلك.
*جون آلن صحفي ومحرر موقع CruxNow.com.