بلدي نيوز – (نور مارتيني)
بعد انطلاق معركة الموصل، وهروب أتباع تنظيم "الدولة" باتجاه الأراضي السورية، وانطلاق عملية "درع الفرات" التي أسهمت في طرد التنظيم من مدينة جرابلس ومحيطها، والتي تركت للتنظيم طريقاً وحيداً يتجه نحوه، خاصة مع إغلاق الحدود التركية، وتقدّم ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية" في المنطقة. هذا المنفذ الوحيد الذي يمكن التوجه إليه هو "مدينة الرقة السورية، والتي يعتبرها كثيرون عاصمة تنظيم "الدولة".
هذه التطورات ترافقت مع تجاذبات دولية حول هوية من سيحرّر الرقة، لأن المشارك فيها عملياً هو من سيحدّد هوية المنطقة المستقبلية، ففي حال كانت ميليشيات "قوات سوريا الديمقراطية"، هي من تدير المعركة، لن تكون تركيا راضية عنها، بسبب مخاوفها من مطامع "حزب العمال الكردستاني"، الأب الروحي لوحدات الحماية الكردية، التي تعتبر المكون الرئيسي من مكونات ما يعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، وخشيتها من تشكل دولة كردية على حدودها، تكون امتداداً لكردستان العراق، ما يتسبب بالمزيد من التصعيد على جبهة جنوب شرق تركيا، سيما وأن للدولة التركية تاريخاً مريراً مع "حزب العمال الكردستاني", ولذلك فقد لجأت تركيا إلى الاستعانة بقوات الجيش الحر المدربة في تركيا، التي زجت بها في عملية "درع الفرات" والتي اكتسبت ثقة المجتمع الدولي، نظراً لتمكنها من دحر التنظيم من محيط مدينة جرابلس، وهو على ما يبدو كان بمثابة اختبار لقدرة هذه القوات على خوض عمليات أكبر وأهم.
في المقابل، شهدت أرياف مدينة الرقة اشتباكات عنيفة بين "وحدات الحماية الكردية"، وتنظيم "الدولة"، والتي أسفرت عن تهجير أهالي معظم قرى الريف الشمالي، خاصة بعد قيام التنظيم بتفجير خزانات المياه في بعض هذه القرى ما تسبب بمبيت الأهالي في العراء، على الرغم من الظروف الجوية القاسية.
كل هذه المؤشرات، تثير مجموعة من الأسئلة حول مصير مدينة الرقة، ومستقبل المنطقة التي تحرص تركيا على أن تدير المعركة فيها، للحفاظ على عمقها الاستراتيجي وإبقائه تحت السيطرة، مع السعي الحثيث لعدم تقسيمها، بغية حرمان الأكراد من طموحاتهم الانفصالية، حتى لو اقتضى الأمر التحالف مع روسيا، عدو الأمس.
حول رؤيته لمستقبل المعركة، يرى المدير التنفيذي لحملة "الرقة تذبح بصمت" سرمد الجيلاني أن "خطة معركة الرقة مشابهة لمعركة منبج، وهي محاصرة المناطق وقصفها بشكل عشوائي قبل اقتحامها"، مؤكداً أنه "في معركة منبج حصلت أكثر من مجزرة أشهرها مجزرة قرية التوخار التي راح ضحيتها أكثر من 200 مدني ودمار كبير في المدينة، نتيجة حصارها وقصفها لمدة 8 أشهر".
ويوضح "الجيلاني" أن المؤشرات غير مطمئنة، حيث أنه "مع بدء معركة الرقة بدأت الميلشيات باستهداف القرى المدنية بالمدفعية بشكل عشوائي، حيث وقعت مجزرة بحق 25 مدني في قرية الهيشة، واستشهد 5 أشخاص في قرى خنيز نتيجة قصف طيران التحالف والميلشيات الكردية على قراهم".
ويلفت "المدير التنفيذي لحملة "الرقة تذبح في صمت" إلى أن الميلشيات الكردية "سيطرت على قرى لقطة والمشاهدة والحيدريات والشيخ حسن، وما زالت تحاصر قرية الهيشة، بعد أسبوع من انطلاق المعركة"، كما يؤكد أن "الاشتباكات مستمرة في قرى خنيز بالتزامن مع غارات جوية يشنها طيران التحالف على مناطق الاشتباك".
من جهة أخرى، يبين أنه "تم تهجير أكثر من 4000 مدني من قرى ريف الرقة الشمالي إلى البراري، كما لجأ بعض الأهالي إلى مناطق سيطرة الميلشيات الكردية في عين عيسى، وتم نقلهم من قبل الميلشيات الكردية إلى مركز أقطان عين عيسى"، موضحاً أن الميليشيات "منعت خروج أي شخص دون إحضار شخص يكفله من مناطق سيطرتهم".
وحول حرص الكثير من الأطراف على السيطرة على الرقة، يقول المدير التنفيذي لحملة "الرقة تذبح بصمت": "تحاول الميلشيات الكردية الوصول إلى مدينة الرقة قبل وصول أي فصيل من الثوار كـ (درع الفرات)، لضمها لمشروعهم الانفصالي المسمى (روج آفا) وعزلها عن سوريا كما فعلوا في مدن عين عيسى وتل أبيض".
ما يزال الغموض يكتنف مدينة الرقة، التي حوصر تنظيم "الدولة" داخلها، ومع غياب مصيرها عن الخرائط المسربة لسوريا الجديدة، وترحيل معركة "تحرير الرقة" حتى تولي الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً "دونالد ترامب" مهامه، تتزايد المخاوف من أن ما ينتظر المدينة هو الأسوأ!.