بلدي نيوز – (عمر الحسن)
تتوالى المواجهات في ملحمة حلب الكبرى، في واحدة من أهم المعارك في عمر الحرب السورية والتي تحولت فيها حلب إلى المحور والمركز، والمنطقة التي سيحدد المسيطر عليها مصير الشمال السوري بشكل كامل.
فإيران التي تريد حلب بسبب معرفتها بأهميتها الكبيرة وخاصة بسبب إطلالتها على الطريق الذي يصل بين إيران والساحل السوري، والذي يعمل "خامنئي" على تجهيزه منذ سنوات، بمساعدة الأمريكان والأكراد، بحيث يتجنب الصحراء السورية ويسيطر على المدن الأساسية الواقعة على الطريق نحو المتوسط، وتهجير أهلها لتكوين كتلة شيعية في المنطقة لا تقاومه لاحقاً.
الهجوم من الغرب
يعمل الثوار خلال معركة حلب الكبرى على التقدم باتجاه الأحياء الغربية لحلب، مروراً بالأكاديمية العسكرية غربي المدينة، ومجموعة من الأحياء المحيطة بها في حلب، والتي تحتوي على كتل سكنية ومناطق لم يسبق للثوار دخولها أو السيطرة عليها.
فتجمع 3000 شقة وحلب الجديدة، يعتبران الساحتين الأساسيتين لتقدم الثوار خلال معركة كسر الحصار عن حلب، حيث يعمد الثوار إلى استخدام تكتيك التطويق والحصار مع الأكاديمية العسكرية، وإبقاء الجهة الأقرب للأحياء الغربية لحلب مفتوحة، بغية تسهيل هرب عناصر النظام وعدم حصارهم ما يجبرهم على القتال، وجعل ظهر الثوار مكشوفاً عند توغلهم في المنطقة وتجاوز الأكاديمية، حيث يعتبر تطهير الأكاديمية أحد أهم الأعمال التي ستساهم في كسر الحصار عن حلب، لما لها من أهمية وموقع حاكم للطريق الذي اختاره الثوار لكسر الحصار عن المدينة.
تتخذ كلية الهندسة العسكرية أهميتها من كونها أحد العناصر الأساسية للخط الدفاعي للنظام غربي المدينة، والذي يمتد من تجمع الكليات جنوباً إلى الكاستيلو شمالاً، والذي يضم مجموعة من الأجزاء والكتل الدفاعية، التي تؤمن الدفاع المتبادل والتغطية النارية لقواته في عموم مدينة حلب ومحيطها.
إضافة لقيمتها الرمزية من ناحية التسمية بالنسبة للنظام، تعتبر الأكاديمية إحدى مراكز قوته الأساسية في حلب، والتي يعتمد عليها في عدد من الأمور الأساسية، مثل التغطية النارية والمهمة الدفاعية والسيطرة على منطقة مفتاحية بين تجمع الكليات والأحياء المسيطرة عليها غربي المدينة، والتي تمتد عبر حلب الجديدة ومشروع 3000 شقة.
بالنسبة للثوار يعتبر الطريق عبر الأكاديمية هو الأقصر فعلياً لكسر الحصار (بعد طريق الكليات)، حيث يمكن للثوار فك الحصار بعد السيطرة على الأكاديمية، والسيطرة على أجزاء من الحمدانية ومشروع 3000 شقة، ما يجعلها طريقاً مهماً لفك الحصار عن المدينة، وفتح طريق للأحياء المحاصرة، وربما التوغل في الأحياء التي يسيطر عليها النظام وتحريرها، وخاصة باتجاه الشمال، حيث أحياء حلب الجديدة وجمعيات المهندسين والتي يمكن أن تتعرض للهجوم من محورين إذا تمت السيطرة على الأكاديمية.
طريق جديد
ميزة الطريق الجديد الذي يهاجم عبره الثوار هذه المرة، بهدف فتح ثغرة في خطوط النظام والنظام وكسر الحصار، هو أنه من الصعب حكمه أو إغلاقه نارياً عكس طريق الراموسة الذي فتحه الثوار سابقاً، والذي سيطر عليه النظام نارياً وقطعه، بحكم طبيعة المنطقة المفتوحة التي سمحت له بالإشراف عليه ورصده دائماً، إضافة لطبيعة تجمع الكليات الذي سمح للنظام وروسيا بقصفهما بشكل فعال، ما أدى لإجبار الثوار على الانسحاب منهما.
في حين يعتبر الطريق الجديد الذي يسعى الثوار لفتحه أكثر أمناً وأقل احتمالاً لأن يغلقه النظام، خصوصاً أنه يمتد بين الكتل السكنية وليس في مناطق مفتوحة ومكشوفة، ما يصعب عمليات الرصد من قبل النظام، ويحد من فاعلية رماياته المختلفة سواء بالطيران أو المدفعية، ويسمح بالدفاع عنه وتأمينه، وتحويل كل نقطة منه لنقطة انطلاق لتحرير المزيد من المناطق، لمتابعة كسر الحصار عن المدينة.
التقدم البطيء نسبياً للثوار في محوري الهجوم يعود لعدة أسباب، أولها عدم جدوى الاندفاع السريع في هذه المناطق، فهو سلبي وليس إيجابياً، بحكم الحاجة للسيطرة على الأبنية بشكل كامل وعدم ترك أي جيوب للنظام فيها تعطل عمل الثوار، إضافة للحاجة لإنشاء خطوط دفاعية أثناء التقدم، بسبب ضخامة وتعدد الهجمات المعاكسة المختلفة التي يشنها النظام والميليشيات الشيعية عليهم، ما يجبرهم على الانتقال من الوضع الهجومي للوضع الدفاعي خلال فترة قصيرة جداً من بدء أي هجوم، والسيطرة على كتل أبنية جديدة، خصوصاً مع كثافة القصف الهائلة التي ينفذها النظام وروسيا.
أسلحة مميزة
يمتلك الثوار مجموعة من الأسلحة والتكتيكات التي تساعدهم في مهمتهم، على رأسها المفخخات المختلفة والانغماسيون، إضافة للغزارة النارية التي لم تشاهد سابقاً خلال أي من معاركهم مع النظام.
حيث يدخل الانغماسيون بعد انفجار المفخخات التي تدمر الخطوط الدفاعية للنظام والميليشيات وتصعق عناصره، ليبدؤوا تنظيف المناطق من عناصر الميليشيات الشيعية وعناصر النظام، مستغلين تحييد سلاح الجو والمدفعية بسبب تداخلهم مع قوات النظام.
ما يجبر النظام على التوقف عن القصف أو قصف قواته مع الثوار، الأمر الذي له أكبر الأثر على النظام وعناصره، وحالتهم النفسية وقدرتهم القتالية.
حصيلة معارك ملحمة حلب الأخيرة بالمجمل، هي تقدم يحققه الثوار ويعتبر مبشراً، وهو دليل وجود مستوى عالٍ من التخطيط والعمل العسكري، الذي تجلى في القدرة على تجاوز عشرات وسائط الاستطلاع البصري والراداري ونقل حجم كبير من القوات من منطقة لأخرى، دون أن تستطيع قوات النظام توقع الهجوم بشكل دقيق بالزمان أو المكان، ما يثبت قدرة جيش الفتح على كسر حصار حلب والدخول إلى الأحياء الغربية بعد اختراق خطوط النظام وتحطيم قواته.