ضجّت صفحات التواصل الاجتماعي للسوريين بقوائم اسمية لسوريين أصدر بحقهم وزير المالية أحكاماً بـ"الحجز الاحتياطي" على الأموال المنقولة وغير المنقولة.،ضمت القوائم المسرّبة -في معظمها- ناشطين في الحراك المناهض للنظام ، ومنشقين عن قوات النظام، ومتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، وشخصيات بارزة في المعارضة، وفئات عديدة من شرائح المجتمع السوري. وكان لافتاً أنّ قرارات الحجز الاحتياطي شاملة لدرجة أنها ضمّت حتّى أطفال المعنيين وزوجاتهم، وبأثر رجعي، وغالباً كونها ضمّت أشخاصاً توفوا بظروف مختلفة، خلال السنوات الأولى من الحراك، وبعضها كانت "اعتباطية"، شملت أشخاصاً ليس لهم أنشطة مناهضة للنظام ، لكن لديهم صلات قربى مع آخرين كانوا رموزاً في الحراك.
تلفزيون سوريا تتبع الموضوع عبر مصدر خاص (من أحد فروع الأمن التابعة للنظام)، تبين من خلاله أنّ "مكتب الأمن الوطني، وعبر إدارة المخابرات العامة، هو مَن يحدّد السوريين الذي سيصدر بحقهم قرارات حجز احتياطي، بناء على داتا ضخمة موجودة لديه فقط، تُرسل على شكل دفعات إلى إدارة المخابرات، التي ترسلها على شكل قوائم ضمن كتب إلى وزير المالية". وخلال عملية تتبع البيانات من قبل فريق التحقيق، وعبر المصدر الخاص، وصل الفريق إلى عدد من الوثائق مصدرها مكتب "الأمن الوطني" في دمشق، بينها قائمة اسمية بـ23 مواطناً سورياً، تضم قرارات عديدة، منها الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة، والتحفظ، ومنع المغادرة. وضمّت القائمة التي حصل عليها فريق التحقيق ناشطين بارزين، منهم عاملون في تلفزيون سوريا (مراسل التلفزيون في عفرين، عبد الهادي طاطين)، ومؤسسات مجتمع مدني، وقادة في تشكيلات الجيش الوطني، ومعارضين مقيمين في الخارج، وناشطين وعاملين في المجال الإنساني والإغاثي والطبي.
حجز احتياطي طاطين
ويصدر قرار الحجز الاحتياطي من قبل المحاكم المختصة بموجب أحكام قضائية مسبّبة، لكن في سوريا، القضاء هو جهة واحدة من عشرات الجهات المخوّلة باستصدار قرارات أو توصيات بالحجز الاحتياطي للأملاك. وبحسب القوائم التي اطلع عليها فريق التحقيق في موقع تلفزيون سوريا، بلغ عدد الجهات المخوّلة باستصدار قرارات أو توصيات بالحجز الاحتياطي أكثر من 162 جهة، بينها: "الوزارات، الفرقة الرابعة، حزب البعث، الجمارك، الاتحاد الوطني لطلبة سورية"، إضافةً إلى عشرات الفروع الأمنية التابعة لشعب المخابرات، وغيرها من مؤسسات النظام السوري، جميعها تملك صلاحيات إرسال كتب بالحجز إلى الجهات الأمنية، التي تعمل على دراستها وتحويلها إلى توصيات، تُرسل إلى "مكتب الأمن الوطني"."مكتب الأمن الوطني" في دمشق، والذي يحوي داتا تراكمية ضخمة، يجمع البيانات من كل الجهات الأمنية والوزارات، وينظّمها على شكل قوائم، بحسب المنطقة، ثم يعيدها عندما يشاء على شكل قرارات إلى "إدارة المخابرات العامة"، التي تُرسلها بدورها إلى وزير المالية، الذي باتت وزارته، منذ العام 2011، ذراعاً تنفيذية تلقي الحجز الاحتياطي من دون الاستناد إلى قرار قضائي، وأحياناً من دون وجود أساس قانوني.ويوضّح المخطّط المرفق، كيفية استصدار قرارات الحجز الاحتياطي ضمن مؤسسات النظام السوري، علماً أنّه غير ثابت، بل يشهد تغييرات تتبع الحالة والمنطقة، لكنّه الشكل الأكثر شيوعاً فيما يتعلّق بالمعتقلين على خلفية الحراك المناهض للنظام. وقال المصدر الخاص، إنّه "منذ اليوم الأوّل للأزمة في سوريا، استقبل مكتب الأمن الوطني (القومي سابقاً)، مئات الكتب والتقارير اليومية من الفروع الأمنية والإدارات والمؤسسات المختلفة وحتى من أفراد ومواطنين متعاونين، حيث يعمل على أرشفتها والاحتفاظ بها وتنظميها بانتظار قدوم مرحلة المحاسبة". وتابع: "الفكرة السائدة لدى القيادة الأمنية للنظام السوري، أنّ أي مواطن أسهم في دمار البلد سيدفع ثمن ذلك من أملاكه الخاصة وأملاك أسرته"، مشيراً إلى أنّه "حتى تشرين الأول 2023، لدى مكتب الأمن الوطني -على أقل تقدير- قوائم بأسماء أكثر من مليون مواطن سوري، صدرت أو ستصدر بحقهم قرارات بالحجز الاحتياطي، وهذه القوائم جمعت، منذ العام 1980، وتشمل حتى جماعة الإخوان المسلمين، ونحو ربع القرارات، على خلفية تهمٍ لا تتعلق بالمعارضة". وقدّر المصدر أنّه "يوجد أكثر من 750 ألف سوري، صدرت أو ستصدر بحقهم قرارات بالحجز الاحتياطي، على خلفية مشاركتهم بأنشطة معارضة، وغالبيتهم صدرت بحقهم هذه القرارات ومن دون علمهم، كونهم خارج سوريا، أو لم يضطروا إلى إجراء فيش أمني بعد لمعرفة ذلك". وبحسب المصدر، فإنّه وفقاً لتحليل بيانات الأسماء الواردة في القوائم، فإنّ قرارات الحجز الاحتياطي الصادرة عن مكتب "الأمن الوطني" شملت في معظمها، المعتقلين والمختفين قسراً أو المطلوبين الذين لم يتمكّن النظام السوري من اعتقالهم، كما أنّها لم تستثنِ عائلاتهم وأقاربهم.