يؤمن العمل بلم المخلفات ونبش القمامة مصدراً يومياً لعائلات بكاملها، ولا يأخذ هذا العمل الطابع نفسه الذي نراه في الدول الأوروبية التي تنشئ مؤسسات كاملة لأهداف بيئية تسعى إلى تنقية الطبيعة والشوارع تطوعياً، بل إن دافع العاملين الوحيد هو حاجة قسرية لتأمين لقمة العيش، ولا سيما لأولئك الذين لا يمتلكون شهادات أو أعمال خاصة يعملون بها، إذ يصبح الارتزاق بالاعتماد على القمامة روتين يومي ومهنة ذات أسس يتم توريثها وتعليمها.
يتراوح مدخول العاملين بـ"النبش" وسطياً بين 40 ألف و250 ألف ليرة يومياً، ويزداد بازدياد عددهم والكميات التي يجمعونها ووزنها، وبحسبة بسيطة نستنتج أن واردهم الشهري أفضل بأضعاف من راتب الموظف الحكومي.وتبدو هذه المهنة مربحة ومريحة في الوقت نفسه لمن يعملون بها على الرغم من تعاطف الناس معهم؛ إذ لا تحتاج إلى رأس مال أو مجهود فكري، لكنها بكل تأكيد لا تخلو من الأمراض والمشكلات الصحية والعمل المضني.
لكن اللافت للانتباه في مهنة "النباشين" هو العدد الكبير للأطفال العاملين؛ وذلك باندفاع من الأطفال نفسهم لمساعدة أهلهم مادياً أو بدافع من الأهل بعد إخراج هؤلاء الأطفال من مدارسهم أو حتى مع التزامهم بالدوام المدرسي صباحاً وبالعمل في نبش حاويات القمامة مساءً.
وصلت نسبة الأطفال المتسربين من المدرسة إلى 2.5 مليون طفل في عموم سوريا حتى شهر حزيران من العام الفائت، بحسب تقرير "منسقو الاستجابة سوريا"، أما وزارة تربية النظام فلم تقدم نسبة منذ العام 2022، حول أعداد الأطفال المتسربين من المدرسة وكيفية معالجة هذه الظاهرة.
ويزداد عدد الطلاب المتسربين بمرور السنوات، نظراً لتردي الأوضاع المعيشية والفقر والجوع وعدم قدرة الأهل على تحمل تكاليف الدراسة، إلى جانب حاجتهم لإرسال الأطفال إلى العمل لتأمين لقمة العيش وإيجارات البيوت.
تنتشر في المناطق الشعبية وعلى أطراف دمشق، عدة مراكز لشراء البلاستيك والكرتون والمواد المستعملة، وتوجد أكبر هذه المراكز في مناطق: الحرجلة، الكسوة، الصَّهية، الصناعة، إذ يجري تحويل النفايات حسب نوعها إلى "بالات" تُنقل لاحقاً إلى معامل متخصصة لإعادة تدوير هذه المواد بالصهر والخلط وإعادة التشكيل. وتتعامل كل مجموعة من مجموعات النباشين مع مركز معين لبيع ما جمعوه، كما أن كل منطقة أو شارع تحت "وصاية" مجموعة معينة من النباشين، وبالتالي فهي محظورة على بقية المجموعات، الأمر الذي يتسبب بمشاجرات بينها، إذا تعدّت إحداها على منطقة ليست منطقتها أو اقترب أحد الأطفال من حاوية تتبع لمجموعة غير مجموعته.
يعاني العاملون في هذه المهنة من أمراض معوية وجلدية نتيجة انعدام النظافة الشخصية وظروف العمل القاسية وغياب القدرة على العلاج في كثير من الحالات؛ إذ تنتشر بينهم أمراض مثل اللشمانيا، القمل، الالتهابات المعوية المتكررة والإنتانات البولية؛ ورغم انتشار فكرة بين عامة الناس بأنّ هؤلاء الأطفال ذوو مناعة عالية جداً لكونهم اعتادوا على ظروف غير صحية، إلا أنّ فئة كبيرة منهم قد تصل إلى المشافي الحكومية وهي أقرب إلى الموت.
يشار إلى أنّ ظاهرة عمالة الأطفال تفشّت في معظم المناطق السوريّة بشكل لافت للنظر، حيث يقدّر بعض الخبراء أن عشرات آلاف الأطفال تركوا مقاعد الدراسة سعياً وراء مصدرٍ للزرق يعيلهم وأهاليهم، من خلال العمل في مهن تُصنف على أنها "سيئة" أو "قاسية"، مثل نبش القمامة ومسح السيارات على إشارات المرور.