أسهمت الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تزامنت مع تدنٍ في اﻷجور العامة مترافقةً بارتفاع جميع أسعار البضائع، في خلق واقعٍ جديد فرض نمطاً آخرَ من الحياة على سكان الشمال السوري، تلخص في إيجاد طرقٍ للتحايل واﻻلتفاف على مظاهر الغلاء والبطالة. إذ يحاول الناس بمن فيهم التجار ومن يديرون السوق اليوم التكيف مع الواقع، لتأمين مستلزمات وحاجيات السوق اﻷساسية، وبما يتناسب مع أحوالهم أو أحوال قاطني المنطقة والذين هم في معظمهم من النازحين والمهجرين، ومن نجا بروحه من القصف وترك منزله وممتلكاته في مدنهم ومحافظاتهم الأصلية، فوجود هذه البضائع في الأسواق بـ"المنقذة" لسكان المنطقة نظرا لجودتها ورخص ثمنها.ومع الحاجة إلى إدخال بضائع تتناسب مع ظروف الناس وحالتهم المالية، ازدهرت تجارة الأدوات والسلع المستعملة، بمختلف مسمياتها وأنواعها، وهو ما يبرر انتشار وانتعاش تجارة المستعمل، والتي اتخذت شكلاً جديداً أيضاً في الترويج خلال السنوات الماضية عبر ما تسمى بـ"الترويج اﻹلكتروني" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الإلكترونية. حيث يقوم التجار اليوم بالترويج لبضائعهم الأوروبية المستعملة، ومواصفاتها وأسعارها، وعرضها بعد تصويرها في غرف الواتساب وفيس بوك، مع تذييلها بعنوان المحل، والعروض وما شابه ذلك لجذب الناس، إذ باتت هذه التجارة تلقى رواجاً وحركة واسعة هذه اﻷيام، ولها زبائنها، فضلاً عن كونها فتحت باباً للعمل لبعض الفئات.
ويؤكد عدد من العاملين في هذا المجال أن انتشار البضائع الأوروبية في أسواق محافظة إدلب، بدأ مؤخراً باﻻتساع، لتشكل الماركات التي تحمل علامة تجارية -رغم أن جميعها مستعملة بإصداراتٍ قديمة- مصدراً للراغبين بالتسوق واقتناء مثل تلك اﻷجهزة أو حتى اﻷدوات المنزلية. فالبضائع اﻷوروبية باتت تلقى رواجاً واسعاً مقارنة بالبضائع ذات المنشأ التركي أو الصيني ﻷسباب مختلفة، ففي المقام الأول تتمثل بناحية الجودة والمتانة والتي تعتبر من أبرز عوامل جذب الزبائن.فاﻷهالي باتوا يقصدون اليوم سوق المستعمل بكثرة مقارنة بالأسواق التي تبيع السلع الجديدة، إذ إن معظم الأدوات وخاصة الكهربائية يمكن تصنيفها على أنها ماركات مشهورة بجودتها، كـ"اﻷفران، والخلاطات، أو الغساﻻت والبرادات والمكانس الكهربائية"، لافتاً إلى أن وصول الكهرباء إلى الشمال السوري أعاد رغبة الناس لشراء مثل تلك اﻷدوات بما يتناسب مع دخلهم وحاجتهم. و أسعار معظم هذه البضائع عملياً تصل إلى أقل من نصف سعرها وهي جديدة، وبما أن معظم سكان المنطقة من المهجرين وذوي الدخل المحدود، فإن "سوق المستعمل" بمختلف ما يقدم من سيارات وأدوات يصبح محط أنظار الناس والزبائن ويجدون فيه ضالتهم لتزويد منازلهم بالمستلزمات الضرورية. والسوق بحاجة هو اﻵخر ﻷدوات وسلع وبضائع تلبي متطلبات الناس وحاجاتهم؛ وبالتالي يتفهم التجار هذه الناحية ويقومون بسد هذا الفراغ وفق دراستهم للسوق والمتعاملين داخله، لا شك أن هناك من يعمل أيضاً في البضائع الجديدة فالمستعمل ﻻ يلغيها لكنه اليوم وفق الظروف التي تعيشها إدلب، يصبح هو محط أنظار شرائح واسعة بما فيهم بعض ذوي الدخل الجيد فهؤلاء أيضاً يبحثون عن الجودة أو التوفير".وتحت عنوان "متجر اﻷنتيكة" وكنوعٍ من الدعابة، يعنون البعض في أسواق الشمال السوري لمحالهم التي تبيع "اﻷدوات المستعملة" سواء كهربائية أو غيرها، إذ يعتبر شارع "الصليبة" في مدينة إدلب، أحد الشوارع التي اشتهرت بكثرة محال صيانة وبيع القطع الكهربائية المستعملة..