الشرق الأوسط - ترجمة بلدي نيوز
إن التصريحات المكثّفة الصّادرة عن لقاءات قمة زعماء الدول العشرين، وعدت بحل ما للحرب في سوريا، ولكن أطلق على المصطلح الجديد اسم "حل العنف" في سوريا، والذي هو ليس حلّاً سياسيًّا، ولا مصالحة ما بين القوى السورية، بل أسلوب علاج أوليّ لتضميد تلك الأزمة النازفة بخطورة، كما اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما روسيا بأنها المفتاح الرئيسي، فقد قال: "إن جمع كل القوى على الأرض في سوريا أمر صعب حقاً، ولكن المحادثات مع الروس أمر أساسي."
إذاً ... كيف لحل العنف أن ينجح؟ هل يستطيعون مصادرة بنادق مئات الآلاف من المسلحين في البلاد؟ هل يمكنهم تسريح المقاتلين كحال أي جيش نظامي؟ هل بشار الأسد مستعدّ لترك الحكم؟ ما هو هذا العنف؟ وكيف يعمل اليوم؟ وكيف يمكن وقفه؟ دون وجود ترتيبات سياسية تجيب عن تلك الأسئلة الصعبة فإن العنف لن يتوقف، فقط لأن أوباما اتّفق مع الروس على ذلك.
وإذا كان ما نسمعه الآن صحيحاً، فإن الحل يستند على الاعتراف بالوضع الراهن، والاستسلام لحكم النظام الحالي على الرغم من القتل والدمار والتشريد الذي قام بتنفيذه وارتكابه على مدى السنوات الخمس الماضية.
وهل لم يعد هنالك من معارضة سورية مسلحة حقيقية، منذ أن تم استخدامها من قبل قوى الدول الرئيسية المقاتلة في سوريا، فلقد قام الأمريكيون باستخدام "الجيش الحر" لضرب تنظيم الدولة، في حين أن الأتراك يستخدمون "الجيش الحر" أيضًا لضرب التنظيمات الكردية في الشمال السورية، حيث يقال بأنه: لم تعد هنالك معارضة سورية مسلحة حقيقية تقاتل عدوّها الوحيد، أي قوات نظام الأسد وحلفاءه، وأن من يقاتل الأسد والإيرانيين الآن ويقوم بإسقاط طائرات الروس هم مقاتلو الجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة وجبهة النصرة، ومعظمهم من غير السوريين، عرب وغربيون ومن أواسط آسيا.
هل يعبّر هذا التوصيف عن الواقع على الأرض السورية؟ إن حال المقاومة السورية صعب الآن، ولكن لم يتم القضاء عليها وهي ليست مهزومة على الإطلاق، فعشرات الآلاف من السوريين اختاروا مواجهة قوات نظام الأسد والإيرانيين والروس، وما جلبوه معهم من ميليشيات، ولا يزالون يحاربون في مناطقهم دفاعًا عن قضيتهم وأهلهم، ولو لم يكونوا متواجدين حقاً ويقاتلون بكل ما أوتوا من قوة، لبسط النظام سلطته على معظم سوريا، إذ أن جميع منتسبي التنظيمات الإرهابية من الأجانب يقدر عددهم فقط بخمسة آلاف.
وعلى الرغم من انتكاسات المقاومة السورية، سواء كان ذلك بسبب تراجع الدعم المُقدّم لها من قبل الدول الحليفة، أو إغلاق الحدود في وجهها شمالاً وجنوبًا، فإنها لا تزال متواجدة على الأرض وتقاتل بشراسة، إذ لم يحقق النظام نجاحًا أمامها حتى مع الدعم الهائل لكل من إيران وروسيا، والضغط الدولي والإقليمي المستمرّ على المعارضة.
إن الحرب في سوريا لا تزال مستعرة ومنتشرة على معظم الأراضي السورية، ولا يبدو في الأفق الحالي أي سلام ولا هزيمة، في حين أن مؤشرات الحل الجديد الذي نسمعه حالياً يظهر -فقط- لأن واشنطن تريد إنهاء العنف دون حل المشكلة، كالنّعامة التي تدفن رأسها في الرمال، فالرئيس أوباما الذي يوشك على مغادرة الرئاسة بعد اثني عشر أسبوعاً، يرغب في إنهاء العنف كيفما اتفق الأمر، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باقٍ، وكذلك آية الله خامنئي في حكم إيران، وهما يريدان حلّاً واحدًا: إخضاعُ السوريين.
في قمة العشرين، في مدينة هانغتشو الصينية، يريدون حلّاً ما، في حين أن ما يمكنهم الاتفاق عليه هو مكافحة تنظيم الدولة وأشقّائه الإرهابيين، وكذلك منح تركيا أيضًا الحق ذاته، بمكافحة التنظيمات الكردية الإرهابية المعادية لأنقرة، والتخلي عن المعارضة السورية دون تغيير في الموقف السياسي، إن الحل المطروح هو بالتأكيد هروب من الواقع، وهو يعطيهم الشعور بأن القضية السورية ستذبل تدريجياً وتنتهي مع الوقت، كما يعتقدون بأن اختصار الأزمة بمجملها بكلمة واحدة "العنف" يُبَسِّط المهمة على المتفاوضين، والتي من الممكن برأيهم أن تكون نتيجتها النهائية تتجلى بفرض الديكتاتور الأسد حاكماً من جديد، رغم أنه قتل نصف مليون من مواطنيه في سوريا، وشرّد أكثر 12 مليون إنسان في أنحاء العالم، ورغم أن ذلك الحلّ يمنح إيران الهلال الجغرافي العربي كاملاً، العراق وسوريا ولبنان.
-عبد الرحمن الراشد المدير العام لقناة العربية، ورئيس التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط، والمشارك في المجلة الأسبوعية العربية "المجلّة"، كما أنه كاتب عمود بارز في الصحف اليومية -المدينة المنورة و البلاد- حصل على درجة الدراسات العليا في وسائل الاتصال الجماهيري من الولايات المتحدة، وكان ضيفاً على العديد من برامج الشؤون السياسية، يقيم حالياً في دبي.