فوكاتيف – (ترجمة بلدي نيوز)
حقق مقطع فيديو لرجل ألماني وهو يغني أغنية عربية على غيتاره عن سوريا في الوقفة الاحتجاجيّة للسلام في مدينة فرانكفورت الألمانية في الهواء الطلق أكثر من 20،000 مشاهدة منذ تحميله على موقع يوتيوب في 27 آب/أغسطس، وتمّت إزالة الفيديو من الموقع بعد أربعة أيام بسبب ادّعاءات بشأن حقوق الطبع والنشر، ولكنه لا يزال حتى الآن يجذب الآراء في عدة صفحات على موقع الفيسبوك.
ففي الواقع كان المغني إرنست (إرنستو) شوارتز والذي اعتقد وهو يغنّي ويعزف أغنية عربيّة على أن ما قدمه كان أغنية مناهضة للحرب، ولكنه كان في الواقع كان يعزف نشيد "بوب" غير رسميّ و دعاية لنظام بشار الأسد، حيث تمّ نشر مقطع الفيديو بشكل كبير على وسائل الإعلام الاجتماعية من قبل الجماعات والأفراد الذين يدعمون نظام الأسد.
إن الأغنية التي أدّاها شوارتز، بعربيّة مرتبكة ذات لهجة ألمانية، تسمّى "صباح الخير يا سوريا"، وهي من غناء "علي الديك" 45 عاماً، وهو مغنّي شعبي أطلقها عام 2011، خلال الأيام الأولى من الثورة الشعبية ضد نظام الأسد.
إنّ الديك يتبع للطائفة العلويّة، الطائفة ذاتها التي يرجع إليها بشار الأسد، و تمّ إنتاج الفيديو المرافق لأغنيته إلى حد كبير بمساعدة من العاملين في وزارة الداخلية السورية، ومنذ ذلك الحين فإن أغنية "صباح الخير يا سوريا"، أصبحت عنصراً أساسياً في التلفزيون الرسمي السوري، بكلمات تُفهَمُ على نطاق واسع بكونها داعمة لنظام الأسد، وبعبارة أخرى لم تكن مجرّد لحن بوب موسيقيّ جذّاب، وبالتأكيد لم تكن إطلاقاً أغنية حول "السلام".
في الفيديو الأصلي المرافق للأغنية، كان الديك يرتدي زيّاً عسكرياً، ويقف مع صفّ من الجنود الذين يقومون بإلقاء التحية لـ "علم نظام الأسد البعثيّ"، وفي مشهد آخر، كانت هنالك امرأة ترتدي الحجاب الطويل وفستان تشتهر به نساء الطائفة "السُنّية" وهي تبتسم وتضحك بشكل وديّ مستمتعة بارتشاف قهوتها مع امرأة مسيحية، والتي عرّفها الصليب التي ترتديه حول عنقها، إن التقاط الكاميرا لأبراج الكنائس ومآذن المساجد في الفيديو، كانت قرائن بصريّة ذكيّة، تشير خفية إلى أن هذا الفيديو هو أقرب للدعاية الرسمية لنظام الأسد، والذي يروّج لنفسه على أنّه حامي الأقليّات والتعدّد الطائفي، والرّاعي الرسميّ لسوريا المنفتحة حيث يتم التعامل فيها مع الناس من جميع الأديان والخلفيات على قدم المساواة.
كما أن كلمات الأغنية تقوم أيضاً بنقل رسالة مفادها أن سوريا هي جنة من التسامح والوطنية فقط بفضل قيادة بشار الأسد، وأن أي سوري يطعن في هذا السرد هو خائن، أو مروّج لنظريات المؤامرة، والذي لن تستقبله الأحضان السوريّة حينها.
في الواقع فإن نظام الأسد معروف بوحشيّته القصوى والتي لا مثيل لها اتجاه أي من معارضيه، أو أي شخص يشتبه بكونه خصماً له، ووفقاً لمنظمة العفو الدولية، فقد تعرض للتعذيب حتى الموت أكثر من 18،000 من المعتقلين السياسيين على مدى السنوات الخمس الماضية، في حين قتل جيش النظام أكثر بكثير السوريين من تنظيم الدولة الإرهابي، وذلك باستخدام تكتيكات البراميل المتفجرة والغاز السام، كما أنه يلقي أيضاً بظلال حصاره على المناطق السكنية التي تسيطر عليها معارضته، حائلاً دون وصول الغذاء والإمدادات الأساسية إلى المدنيين العزّل في منازلهم، وفي الآونة الأخيرة اتُّهِمَ نظام الأسد بقصف المناطق المدنية بقنابل النابالم.
وقد قامت وسائل التواصل الاجتماعية التي يشرف عليها أنصار نظام الأسد باستغلال الفيديو والترويج له، بما في ذلك صفحة الفيسبوك التابعة لقناة العالم، وهي قناة الفضائية ناطقة باللغة العربية والتي تملكها الحكومة الإيرانية -الداعم القوي لنظام الأسد، بحيث كان ذلك الفيديو بالنسبة لهم، أداة دعائية مفيدة لتقديم الأدلة المزعومة بأن الألمان سعداء جداً لتدفّق اللّاجئين السوريين للعيش بينهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد فاتهم ذكرُ كيف أن السوريين الذين باتوا الآن في ألمانيا قد رمتهم الأقدار ليصبحوا مهجّرين في المنفى، إذ لا أحد من أنصار الأسد ولا إرنست شفارتز بنفسه، شرح مصدر ودلالات تلك الأغنية.
في ذلك الفيديو، يبدو إرنست سعيداً لترك مستمعيه الألمان جاهلين لحقيقة المعنى السياسي للأغنية أو انتماء مؤدّيها وتأيّيده لنظام الأسد، إن شوارتز بنفسه هو "ماركسيّ" لطالما أدّى الأغاني السياسيّة في التجمعات الأوروبية للأشخاص الذين يشاطرونه التفكير ذاته، وحتى الماركسيون الأوروبيون أصبحوا رسمياً معارضين لنظام الأسد، بعد أن كانوا سابقاً من المؤيّدين لأيديولوجيته البعثية (الثورية العربيّة الاشتراكية)، لذلك يبدو أن شوارتز لديه بعض وجهات النظر السياسية التوفيقية "بصورة غريبة"، ومن الجدير بالذكر أيضاً أن لجنة التضامن مع سوريا في فرانكفورت والموالية لفكر الأسد قامت بتحميل الفيديو على صفحة الفيسبوك الخاصة بها.
إن مسيرة السلام الأسبوعي في فرانكفورت هي مجرد مسيرة من العديد من المسيرات التي تجري في جميع أنحاء ألمانيا وسويسرا والنمسا تحت رعاية منظمة مشكوك فيها إلى حد ما، رسميّاً فإن الوقفة الاحتجاجية لحركة السلام هي غير تابعة لأحزاب معينة، ولكن الاستطلاعات الأكاديمية تقول بأنها مدعومة من قبل بعض الشخصيات الغامضة من قبل كل من اليمين المتطرف واليسار المتطرف، بما في ذلك أصحاب نظرية المؤامرة ومعادو السامية !
وبالنسبة للمراقب الذي لا يعرف سوى القليل أو حتّى لا شيء عن تعقيدات الصراع السوري، فإن تلك الكلمات الغامضة في "صباح الخير يا سوريا" هي في الظاهر تلك الأغنية غير الضارة، المبهجة والجذّابة حول حب الوطن الواحد، ولكن وبالنسبة للاجئ سوري، أو بالأحرى للملايين من اللّاجئين والمنفيين والمعذّبين من قبل نظام الأسد، فإنّها غناء مرير ومؤلم، فمغنيها علي الديك يسافر بحرّية بجواز سفره السوري، ما يجعل أمر الأغنية أكثر حرقة ، وفي حفل له في عام 2013 في ولاية أوهايو الأمريكية، سخر الديك من الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأثنى على نظام الأسد، مدّعياً أنه "انتصر بالفعل" على الولايات المتحدة.