latimes – ترجمة بلدي نيوز
يعتبر الملياردير النيجيري جيلبر تتشاغوري، أحد أغنى الرجال في أفريقيا، والذي بنى سمعته كعملاق في العمل الخيري العالمي، حيث عرض اسمه في معرض متحف اللوفر وكلية الطب في لبنان، كما حصل على جوائز لكرمه في الكنيسة الكاثوليكية، ومستشفى الأطفال في سانت جود، ولديه شبكة رفيعة المستوى من الأصدقاء من واشنطن إلى لبنان إلى الفاتيكان، حيث شغل منصب سفير للدولة الجزرية صغيرة -سانت لوسيا، ويظهر موقعه على الإنترنت مصافحته وضحكه مع البابا فرانسيس.
ومنذ تسعينيّات القرن المنصرم كان تشاغوري قد صقل أيضاً صداقة مع عائلة كلينتون، بجزء من تلك الصداقة من خلال كتابته لشيكات كبيرة، بما في ذلك مساهمة بمليون دولار على الأقل لمؤسسة كلينتون، وفي الوقت الذي أصبحت فيه هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، كانت العلاقة قوية بما فيه الكفاية لأقرب مساعدي بيل كلينتون للدفع باتجاه تشاغوري لوصوله إلى كبار الدبلوماسيين، وبدأت الوكالة باكتشاف الصفقة، والتي لا تزال قيد الدراسة، لبناء قنصلية على أرض عائلة تشاغوري في لاغوس، نيجيريا.
ولكن حتى وفي حين كانت تلك المحادثات جارية، كان البيروقراطيون في وزارة الخارجية من جهة أخرى يقومون بالبحث في اتهامات عن أن تشاغوري كان له انتماءات مشبوهة، نابعة من أنشطته وصداقاته في لبنان، وبعد التدقيق رفضت تأشيرة تشاغوري لدخول الولايات المتحدة في العام الماضي.
تشاغوري هو مثال بارز للعلاقة ما بين وزارة خارجية هيلاري كلينتون ومؤسسة أسرة كلينتون، والتي تعرضت لتدقيق مجدد خلال خوضها للانتخابات الرئاسية، إن المنظمة والتي تأسست باعتبارها وسيلة لكلينتون للاستفادة من شبكة واسعة من الأعمال الخيرية، واجهت بعضاً من أشد التحديات في العالم النامي، بما في ذلك إعادة بناء هاييتي ومكافحة الإيدز في أفريقيا، كما واجهت أيضاً بعض الانتقادات بسبب استعدادها لقبول الأموال من الحكومات الأجنبية الطامحة لاستمالة سياسة الولايات المتحدة خلال فترة منصب كلينتون كوزيرة للخارجية، وبعض الجهات المانحة المثيرة للجدل بتاريخها وارتباطاتها.
جزء من الدائرة المقربة للديكتاتور
ولد تشاغوري في عام 1946 في لاغوس لأبوين لبنانيين، والتحق لاحقاً بمدرسة في لبنان، ثم باع الأحذية والسيارات في نيجيريا لاحقاًوفقاً لسيرته الذاتية على موقعه على الإنترنت، وذلك قبل أن يتزوج من ابنة رجل أعمال بارز في نيجيريا، وخلال فترة حكم الجنرال ساني أباشا، الذي استولى على السلطة في نيجيريا في عام 1993، ازدهر تشاغوري وخاصة بعد منحه اتفاقات للتطوير والامتيازات النفطية.
وفي تسعينيات القرن المنصرم صور تشاغوري نفسه بأنه رجل أباتشا وذلك أثناء محاولته في التأثير على السياسة الأمريكية لتكون أكثر ودية مع نظام أباتشا، وبعد فترة وجيزة عين الرئيس كلينتون دونالد إي ماكهنري مبعوثاً خاصاً إلى نيجيريا في عام 1995، و زار غيلبرت وشقيقه رونالد تشاغوري، دونالد ماكهنريفي مكتبه في جامعة جورج تاون في واشنطن، ودفعت الولايات المتحدة حينها لإعادة الحكم الديمقراطي في نيجيريا، كما قال ماكهنري بأن أباتشا في الوقت نفسه كان حريصاً على أن تتم إزالة اسم بلاده من القائمة الأمريكية للدول التي تتاجر بالمخدرات، كما أضاف "لقد كانت جهودهم لمحاولة التأثير على أي شخص ظنّوا بأنه يستطيع التأثير على حكومة الولايات المتحدة".
لقد تحوّل أباتشا ليصبح أحد أعتى الفاسدين في الذاكرة، حيث سرق المليارات من الأموال العامة، وبعد وفاته في عام 1998، استأجرت الحكومة النيجيرية محامين لتعقّب الأموال، حيث أدّى التعقّب إلى حسابات مصرفية في جميع أنحاء العالم، يقع بعضها تحت سيطرة غيلبرتتشاغوري والذي نفى علمه بأن الأموال كانت مسروقة، كما دفع غرامة 1 مليون فرنك سويسري، ومن ثم حوالي 600،000 $، كما أعاد 65 مليون $ لنيجيريا، وقال المتحدث باسم تشاغوري لاحقاً بأنه قد تم شطب إدانته السويسرية.
صلاته بعائلة كلينتون
في السنوات اللاحقة، نمت ثروة تشاغوري، حيث باتت إمبراطوراته العائلية تسيطر على مجموعة من الشركات، بما في ذلك شركات البناء والمطاحن والمصانع والعقارات، واستخدم تشاغوري بعضاً من تلك الأموال لبناء علاقات سياسية وطيدة، وكشخص غير أمريكي، فهو ممنوع من دعم أي من الحملات السياسية الأمريكية ماديا، ولكن وفي عام 1996، قام بمنح 460،000 $ إلى مجموعة سجلات الناخبين التي يقودها حلفاء بيل كلينتون، وكوفئ بدعوة إلى عشاء في البيت الأبيض، على مر السنين، حضر تشاغوري جمع تبرعات عيد ميلاد كلينتون الـ60، كما ساعده في ترتيب زيارة لسانت لوسيا، حيث قام بدفع مبلغ 100.000 $ للرئيس السابق حينها لإلقاء كلمة، لقد دعا حتى مساعد كلينتون، دوغ باند، تشاغوري لحفل زفافه.
كما ساهم تشاغوري بمبلغ ما بين 1 مليون إلى 5 $ لمؤسسة كلينتون، وفقا لقائمتها للجهات المانحة، وفي الصيف الماضي قام دبلوماسيو الولايات المتحدة باختيار عقار بمساحة 9.9 فدان، يعود لشركة إيكو أتلانتيك والتي يمتلكها تشاغوري، كموقع مفضل لقنصلية لاغوس جديدة، كما أظهرت وثائق وزارة الخارجية التي حصلت عليها لوس أنجلوس تايمز قبل شهرين، ومن ثم قام السفير الأمريكي لدى نيجيريا، جيمس إينتويسل بالكتابة إلى واشنطن بطلب إذن للتوقيع على عقد إيجار لمدة 99 سنة.
نمو الشكوك حوله في الولايات المتحدة
على الرغم من شبكته الواسعة من الأصدقاء ذوي النفوذ، فقد أثار تشاغوري شكوك مسؤولين أمنيين في الولايات المتحدة، ففي عام 2010 تم سحبه خارج طائرته الخاصة في تتربورو، نيوجيرسي، واستجوابه لمدة أربع ساعات لأنه كان على قائمة حظر الطيران في وزارة الأمن الداخلي، كما تم حذف اسمه في وقت لاحق من القائمة وتصنيفه على أنه "selectee"، مما يعني بأنه يستطيع أن يطير للولايات المتحدة ولكنه سيتلقى فحصاً دقيقاً، وتبيّن وثائق الأمن الداخلي، بأن الوكالة كانت قد كتبت في وقت لاحق إلى تشاغوري، معتذرة "عن أي إزعاج أو أحداث غير سارة".
ولم تكن تلك الرسالة قد فسرت لماذا كان تشاغوري على قائمة حظر الطيران، ولكن وثيقة أخرى للأمن القومي، تظهر أن الوكلاء بنوا شكوكهم غير المحددة على صلات لتشاغوري بالإرهاب، والتي يمكن أن تشمل على تمويل منظمات متطرفة وإرهابية، وقال تشاغوري في وقت لاحق للصحفيين بأن وكلاء الأمن سألوه عن البنوك التي يستخدمها في نيجيريا.
إن مشاكله مع التأشيرة تنبع جزئياً على الأقل من مشاركته في الحياة السياسية المتشابكة في لبنان، حيث ساهم تشاغوري في بعض المشاريع هناك، كما أيد المسيحيين في البلاد والتحالفات السياسية التي شكّلوها، بما في ذلك مع ميشيل عون، الزعيم المسيحي اللبناني الذي شغل منصب قائد الجيش ورئيس الوزراء خلال الحرب الأهلية في البلاد.
ولعقد من الزمان، كان حزب عون جزءاً من التحالف السياسي مع حزب الله، الجماعة الشيعية المدعومة من إيران والتي تملك مقاعد في البرلمان اللبناني، ويُصنّف حزب الله كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، والتي تحمّل تلك المجموعة المسؤولية عن تفجير عام 1983 للسفارة الأميركية في بيروت وانفجار ثكنة مشاة البحرية، ذلك العام الذي قتل فيه 241 جندياً أمريكياً، كما وجدت تحقيقات إدارة مكافحة المخدرات أيضاً بأن حزب الله متورط مع عصابات أمريكا اللاتينية لغسل مئات الملايين من الدولارات من أرباحه من المخدرات.
لقد أخبر وزير في الحكومة اللبنانية آنذاك السفير جيفري فيلتمان في عام 2007، بأن تشاغوري كان "معروفاً بتمويله" لميشيل عون، ووفقاً لبرقية نشرها موقع ويكيليكس لا تدخل في تفاصيل علاقة تشاغوري وعون، فقد أشار الوزير آنذاك إلى الولايات المتحدة "لتسليم رسالة قوية لتشاغوري حول احتمال فرض عقوبات مالية وحظر سفر ضد أولئك الذين يعملون على تقويض المؤسسات اللبنانية المشروعة."
لم يحصل حينها تشاغوري على أي توبيخ، بل وبدلاً من ذلك، قام باند، مساعد بيل كلينتون، بدفعه للوصول بشكل أكبر عقب تولي هيلاري كلينتون لوزارة الخارجية، وفي عام 2009، كتب باند لصديقه في القسم، "نحن بحاجة لغيلبرتتشاغوري للتحدث لشخص مهم كونه ذو علاقات نافذة ومحبوب في لبنان"، وهي "هوما عابدين" مساعدة كلينتون لفترة طويلة والمقربة منها، وهي الآن تشغل منصب نائبة رئيس حملتها الانتخابية، وحينما صدر البريد الإلكتروني للجمهور في هذا الشهر، انقضّ عليه دونالد ترامب، واصفاً حادثة تشاغوري بـ"غير القانونية" وبأنها سياسة "الدفع مقابل اللعب".
رفض منحه تأشيرة الدخول
بعد انتهاء فترة كلينتون في وزارة الخارجية، وجد تشاغوري نفسه مرة أخرى تحت الاشتباه من قبل مسؤولي الأمن في الولايات المتحدة، وأشار تقرير لمخابرات FBI في عام 2013، استناداً إلى معلومات أولية غير مؤكدة المصدر، بأن تشاغوري قام بإرسال الأموال لعون، والذي قام بنقلها لحزب الله، كما قال المصدر بأن عون "يقوم بتسهيل جمع التبرعات لحزب الله"، تضع الولايات المتحدة تشاغوري في قاعدة بياناتها المستخدمة للمسافرين المشتبه بوجود صلات لهم بالإرهاب، كما تشير المذكرات ما بين الوكالات الأمريكية.
في الصيف الماضي، عندما خطط تشاغوري لرحلة إلى لوس أنجلوس، قام بتقديم طلب للحصول على تأشيرة دخول في السفارة الأميركية في باريس ورفض طلبه آنذاك، ووفقاً للمقابلات والوثائق الحكومية، استناداً إلى تقرير مكتب التحقيقات الفدرالي ومزاعم أخرى من مصادر الاستخبارات والقانون، فإن رفض وزارة الخارجية، يعود لأسباب متعلّقة بالإرهاب، وهي فئة واسعة يمكن أن تنطبق على أي شخص يعتقد أنه قام بمساعدة مجموعة إرهابية بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك توفير المال لها.
قبل عام، وبعد أن تم رفض طلبه للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وضع تشاغوري قصره الفخم في بيفرلي هيلوز للبيع، بسعر 135 مليون $، ولا يزال معروضاً للبيع حتى الآن.