بلدي نيوز - (مصعب الأشقر)
"أقف عاجزة أمام دموع ابني التي لا تفارق وجهه" بهذه الكلمات عبرت السيدة "أم عمر" عن الألم الذي تشعر به، بسبب مرض ابنها البالغ من العمر عشر سنوات بالسرطان، وسط عدم قدرتها على علاجه.
سبعة أيام متواصلة قضتها "أم عمر" في إحدى مشافي سلقين، برفقة "عمر" المصاب بسرطان الدم، التقتها بلدي نيوز هناك فقالت في حديثها "أقف عاجزة تماما عن تقديم العلاج لعمر، بالرغم من مرافقتي له لمدة تصل إلى خمسة عشر يوما، كل شهر على مرحلتين، أثناء تلقي للعلاج، الذي بذلت الغالي والنفيس لتأمينه، سيما أن زوجي توفى منذ سنوات، وعمر أصيب بالسرطان منذ حوالي عام واحد".
"عمر" دخل الأراضي التركية، وتلقى عدة جرعات هناك، ولكن عند وقوع الزلزال، توقف العلاج، وباتت والدته مضطرة لاستكماله في الشمال السوري، أي أنها تحتاج 700 دولار أمريكي لكل جرعة يحصل عليه طفلها.
تقول "أم عمر" السيدة المهجرة من حماة "أتوسل في كل مرة للقاصي والداني لجمع المال، ولكن طفلي بحاجة للدخول إلى تركيا لاستكمال العلاج الشعاعي، ولا أرى سبيلا للدخول مع تعنت الأتراك، وهذا يعني الموت البطيء لطفلي أمام عيني".
على بعد أمتار من سرير "عمر" يستلقي الطفل "يزن" البالغ من العمر خمس سنوات، والمنحدر من جسر الشغور، على سرير آخر يتلقى علاجا أوليا لمرض السرطان، بعد أن أصيب به منذ حوالي ستة أشهر.
ترافق "يزن" جدته السبعينية التي قالت في حديثها لبلدي نيوز "أنا على استعداد لبيع عيني في سبيل علاج يزن، بيد أن علاجه يتطلب الدخول لتركيا، لتلقي علاجات إشعاعية وأخرى غير متوفرة في مشافي محافظة إدلب، ومن شدة مرضه انفجرت إحدى عينيه، وبات اليوم لا يرى بها.. نحن نعد الأيام وننتظر الأخبار، بفارق الصبر للموافقة على إدخاله الى تركيا".
حال "عمر" و"يزن" لا يختلف عن حال 3000 شخص أصيبوا بالسرطان من رجال واطفال ونساء، يعيشون حصارا طبيا حقيقيا في ظل عدم تمكنهم من تلقي العلاج على أكمل وجه، بعد اغلاق الدولة التركية، معابرها التي تربطها مع شمال غرب سوريا أمام مصابي السرطان منذ وقوع زلزال شباط/فبراير 2023.
وبحسب إحصائية أصدرتها مديرية صحة إدلب في الثامن عشر من شهر تموز/ يوليو الجاري، فإن عدد المصابين بالسرطان بشمال غرب سوريا وصل لـ 3000 مصاب، 65% منهم نساء وأطفال، نصف العدد الكلي يتلقى جرعات كيماوية، ويحتاج لعلاج شعاعي في المشافي التركية، و 867 منهم بحاجة لدخول فوري لتلقي العالج
وذكرت الإحصائية أنه تم تسجيل 608 إصابات جديدة بالسرطان، خلال الأشهر التي تلت الزلزال منهم 373 طفل وبمعدل 3 إصابات يوميا.
وبينت الإحصائية أنه من بين عدد المصابين الكلي بالسرطان، 259 شخص تمكنوا من الدخول لتركيا لمتابعة العلاج، وجميعهم من حاملي الكيملك التركي الذين كانوا يتلقون العلاج قبل الزلزال.
وأمام تلك المعاناة المستمرة للمرضى أطلق نشطاء على وسائل التواصل، حملة تضامن مع مرضى السرطان شمال غرب سوريا، للتأكيد على حقهم بالدخول للأراضي التركية وتلقي العلاج،
تحت وسم "أنقذوا مرضى السرطان" المترجم لعدة لغات، وتفاعل طيف واسع من الصحفيين والإعلاميين والنشطاء السوريين والفنانين، لتذكير العالم والجهات الطبية الدولية ذات الصلة بحاجة مرضى السرطان في شمال غرب البلاد، لتلقي العلاج على وجه السرعة.
وطالب المشاركون بالحملة الحكومة التركية بفتح أبوابها أمام مرضى السرطان في المنطقة، سيما أن المناطق المحررة خالية من بعض التجهيزات اللازمة لعلاج المرضى من جهة، وكون تركيا هي الجهة الحدودية الوحيدة مع شمال غرب سوريا.
وتبقى مسألة تأمين العلاج في الداخل المحرر أمرا معقدا ويخضع لاعتبارات سياسية، وهو ما أكده لبلدي نيوز مدير صحة إدلب الدكتور زهير قراط الذي قال إن "ما ينقص المنطقة هو توفير كافة الجرعات العلاجية، إضافة لجهاز العلاج الشعاعي الذي تصل تكلفته لحوالي 3 مليون دولار، والإذن السياسي لإدخال هكذا جهاز" لافتا إلى أنه يحتوي على مادة اليورانيوم، الأمر الذي يتطلب موافقات أطراف دولية عدة، ومن غير المرجح الحصول عليها.
الأربعاء الماضي، توفي الطفل "غياث محمد رئيسي"، وهو من أبناء مدينة معرة مصرين شمال إدلب، بعد معاناة مع مرض السرطان، وارتاح جسده الصغير من معاناة التوسل والتذلل لدخول الأراضي التركية، التي عاشها ذووه في أيامه الأخيرة قبيل رحيله.