ماذر جونز - ترجمة بلدي نيوز
وجدت دراسة أجريت مؤخراً في مجلة لانسيت العالمية للصحة بأن الحرب وعدم الاستقرار يشكّل تهديداً خطيراً للصحة في دول الشرق الأوسط.
فلم يكن منذ وقت بعيد حين كان يتمتّع فيه السوريين بزيادة مطّردة في متوسط العمر المتوقع، بما يعادل ارتفاعاً بنسبة ثلاثة أشهر في كل سنة واحدة لأكثر من عقدين من الزمن، الشيء نفسه بالنسبة لسكّان اليمن، مصر، وليبيا والذين شهدوا تحسناً ملحوظاً في معدّل متوسط العمر المتوقع بالإضافة إلى مجموعة من المؤشرات الصحية الأخرى في الفترة ما بين أعوام 1990 وحتى بدء انتفاضات الربيع العربي بالانتشار في أواخر عام 2010.
يقول علي مقداد، الأستاذ في معهد القياسات الصحية وتقييمها في جامعة واشنطن في سياتل: "لقد وضعنا في اعتبارنا أن هذه المنطقة لم تكن مستقرّة لفترة طويلة، حيث كان فيها العديد من الاضطرابات، ولكن وعلى الرغم من كل الصعاب التي رأيناها هناك، كان هنالك تحسّناً في الصحة"، و يضيف : "ولكن هذه المكاسب الصحية البطيئة تم محوها جميعها مباشرة في أعقاب الثورات، فنحن نرى الآن انخفاضاً سريعاً في جميع المؤشّرات الصحية، حيث تمّ في وقت قصير محوّ الكثير من التقدّم الذي تمّ إحرازه".
مقداد هو المؤلّف الرئيسي لدراسة جديدة نشرت أول أمس في مجلة لانسيت العالمية للصحة، والتي حلّلت المشاكل الصحية والوفيات في 22 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وآسيا الوسطى منذ عام 1990 إلى 2013، و النتائج التي وصلوا إليها كانت صادمة: حيث أن الاضطرابات الأخيرة في كل من ليبيا، العراق، تونس، مصر، اليمن، وسوريا تسببت بانخفاض شديد في متوسط العمر المتوقع في تلك البلدان، مع سوريا التي عانت أكثر من غيرها، ما بين عامي 2010 و 2013 فقط، حيث انخفض متوسط العمر المتوقع فيها للرجال من 75 سنة إلى 68 سنة، أما بالنسبة للنساء تراجع المتوسط العمري من 80 عاماً إلى نحو 75 عاماً، بينما تراجعت بلدان أخرى تعاني من النزاعات وانعدام الأمن ما يعادل ثلاثة أشهر من متوسط العمر المتوقع، وهذا تراجع كبير بالنظر إلى أن ما سبق كان على مسار متواصل من التحسين والتقدم في هذا المجال، بينما ارتفع المتوسط العمري المتوقع في البلدان المجاورة والتي تنعم باستقرار أكبر خلال تلك الفترة ذاتها.
إن الأمر لم يقتصر على القنابل والرصاص للتسبب بتأثيرات صحية حادة وطويلة الأمد في هذه البلدان، فقد عادت الأمراض والأوبئة التي تم استئصالها سابقاً بالظهور، في حين أن معدّلات وفيّات الرّضع آخذة في الارتفاع في سوريا، كما تم محو البنية التحتية للرعاية الصحية، مع ترك المرضى والمصابين دون أي إمكانية للحصول على الرعاية الأساسية والتي من شأنها أن تحافظ على حياتهم، وفي كل من سوريا اليمن حيث تم استهداف المنشآت الطبية في حملات القصف، وحصدت الأمراض التي يمكن الوقاية منها والأوبئة المنتشرة عدداً هائلاً من الأرواح.
كما ارتفعت الوفيّات الناجمة عن مرض السّكري من 12 إلى 19 شخصاً لكل 100،000 شخص متواجدين في منطقة شرق البحر المتوسط، متراجعة بذلك بمدى عقدين من الزمن، كما ساهم سوء التغذية، والنقص الحاد في تواجد المياه النظيفة، ورداءة الصرف الصحي، بانتشار الأمراض المعدية كمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (الميرة) والسل، يقول مقداد أن في بلدان مثل سوريا، والتي أصبحت الآن "فاقدة لجميع آليات الحماية"، يلاحظ بأن الناس يموتون بشكل أكبر بسبب عدد من "الأمراض التي لم تكن أبداً لتقتلهم من قبل، كما أن بعضاً من أطبائنا الشباب، لم يروا حتى بعض هذه الأمراض سابقاً".
كما يقول مقداد في دراسته، بأن الأطفال دون سن الخامسة والنساء اللوات بلغن سن الإنجاب في مناطق الحرب غالباً ما يكونون الأكثر تضرراً، إذ "تنضب احتياطيات جسدهم"، و يقعون في "حلقة مفرغة" من الجفاف وسوء التغذية والمرض، وغالباً ما يواجهون إثر ذلك، في نهاية المطاف الموت، لقد ساهم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات بثلث محصّلة الخسائر الصحية لعام 2013، إذ يشير التقرير إلى أن محصلة الخسائر الصحية هي محصلة أولئك الأشخاص الذين يعيشون بإعاقة دائمة أو مرض مزمن.
إن هنالك نواة واحدة من التفاؤل في دراسة مقداد إذ يقول فيها: إن من بين 22 دولة في المنطقة ككل، كان متوسط العمر المتوقع في المطقة بارتفاع على الأقل حتى عام 2013، وذلك عندما توقفت البيانات، ومنذ ذلك الحين كما يوضح مقداد "اشتدت ويلات الحرب في سوريا، و الحرب الدموية في اليمن، وكذلك في ليبيا، كما لا يزال هنالك اضطرابات في كلّ من مصر وتونس، في حين أننا نستخف في تلك الأعباء الشديدة الملقاة على الناس وحجم المعاناة في المنطقة".
وقال رياض لفتة، أخصائي علم الأوبئة والأستاذ في مدرسة المستنصرية الطبية في بغداد في رسالة بالبريد الإلكتروني، "إن الأمر مربك بعض الشيء، من إمكانية تحسّن معدّل متوسّط العمر المتوقّع مع كل هذه الفوضى من الحروب الطائفية والإرهاب والتفجيرات، وتدهور الخدمات الصحية والبنية التحتية، أعتقد أن السبب وراء ذلك يكمن في أن بعض البلدان "المستقرة" التي تضمنتها تلك الدراسة، تمكّنت من تغيير الصورة عن طريق صهر تأثيرات الحروب والعنف على المرض والوفيات، ومعدلات الإعاقة".
لقد قام الطبيب رياض لفتة بتقديم تكهّنه حول المستقبل، حيث قال ببساطة: "إن الوضع وبكلّ أسف، سيزداد سوءاً".