بلدي نيوز - (مصعب الياسين)
عام بعد عام يزداد حال المهجر من مدينة كفرزيتا "ضامن الأحمد" سوءا وفقرا، بعد ابتعاده عن أرضه التي كانت تعود عليه بما يضمن له العيش الرغيد، حيث استولى عليها النظام، بما فيها من أشجار فستق حلبي، تقدر بحوالي 143 شجرة يصل عمرها لاكثر من 16 عاما.
يمكث "ضامن" اليوم داخل خيمة في مخيمات الكرامة على الحدود السورية التركية، في الوقت الذي ينتفع من أرضه قيادات ميليشيات النظام وضباطه، في إطار قانوني رخصته حكومة الأسد ونظامه، الذي عاود للعام الرابع على التوالي الاستيلاء على بساتين الفستق الحلبي للمهجرين قسرا، من محافظة حماة تحت قصف الطائرات الحربية الروسية وقوات النظام، بالرغم من الإدانة الدولية المتواصلة لسنوات.
تضمن الكتاب المنشور على صفحة "محافظة حماة" في فيسبوك، في الرابع من الشهر الجاري الإعلان عن مزاد علني لتضمين أشجار الفستق الحلبي العائد للمزارعين المهجرين قسريا منذ صيف العام 2019، إبان سيطرة قوات النظام وميليشياتها مدعومة بالقوات الروسية وطائراتها على مناطق ريف حماة الشمالي، المشهورة بزراعة الفستق الحلبي.
وحدد الإعلان العائد للأمانة العامة لمحافظة حماة التابعة لحكومة الأسد، مدة زمنية لتأجير بساتين الفستق الحلبي في مدن وبلدات وقرى "لطمين - اللطامنة - كفرزيتا - مورك - لحايا - طيبة الإمام - معردس – صوران – كوكب – الشعثة - الفان الشمالي - خفسين - الجنينة الغربية - طيبة الاسم- معان - قصر المخرم - قصر ابو سمرا - الطليسية – الكبارية - ام حارتين - قبيبات - كراح -عطشان"، وغيرها من التقسيمات الإدارية بالمحافظة.
وبحسب الإعلان، فإنه يتوجب على المشتركين بالمزاد دفع تأمينات أولية تقدر بـ100 ألف ليرة سورية، وعشرة بالمائة من تأمينات نهائية بموجب إيصال الإحالة.
تقاسم الأراضي
لم يكن ملف الاستيلاء على ممتلكات السوريين، سيما الأراضي الزراعية في محافظة حماة بجديد إذ يعود للعام 2020، الذي شهد اقتتالا بين قيادات ميليشيات النظام، أبرزها الدفاع الوطني والتي كانت تتصارع للسيطرة على أراضٍ شاسعة للمزارعين المهجرين قسريا من المنطقة، وصلت لحد حرق أشجار فستق حلبي ومحاصيل قمح في مدينة كفرزيتا شمال محافظة حماة، مما دفع نظام الأسد لإطلاق يد اللجنة الأمنية بالمحافظة لتوزيع الأراضي والبساتين بين قيادات الميليشيات وضباط النظام برتب كبيرة، مثل سيمون الوكيل قائد ميليشيا الدفاع الوطني في محردة، ونابل العبدالله قائد ذات الميليشيا في السقيلبية، وباسم المحمد القيادي البارز في ميليشيا الدفاع الوطني في منطقة سهل الغاب، إضافة لضباط مثل العميد صالح العبدالله، وقائد اللجنة الأمنية في العام 2020 اللواء رمضان رمضان وقائدها في العام 2021 إبراهيم خليفة، وقائد شرطة المحافظة جاسم الحمد، ومحافظ حماة عبدالله حزوري وخلفه طارق كريشاتي، وقائد ميليشيا الدفاع الوطني في حماة عدوان مصطفى، وقائد ذات الميليشيا في السلمية طلال دقاق، وقائد الفرقة السادسة اللواء غسان علي عرفات وقائد ميليشيا الدفاع المحلي في محردة ماهر قاورما، ورئيس فرع حزب البعث في حماة أشرف باشوري، ورؤساء أفرع المخابرات العسكرية والجوية والسياسية، وقائد ميليشيا الدفاع المحلي في حماة المدعوة أبو جعفر والمقرب من القوات الإيرانية.
وأنشأت اللجنة الأمنية التي كان يمثل فيها محافظ حماة الرجل الثاني، ما يسمى صندوق دعم أسر "شهداء الدفاع الوطني"، والذي يعني صندوق دعم عوائل قتلى ميليشيا الدفاع الوطني الذين قتلوا، وهم داعمون لقوات النظام في حربها المفتوحة على السوريين، على أن يتم دعم الصندوق من ريع الأراضي الزراعية المسيطر المستولى عليها من قبل اللجنة الأمنية، والعائدة للمزارعين المهجرين قسراً من أراضيهم وبلداتهم.
أدى الإهمال المتواصل لأشجار الفستق الحلبي بسبب ابتعاد مالكيها عنها، وسكنهم في خيام اللجوء، إلى إصابة الكثير منها بأمراض بحسب ما أفاد المزارع (د.م) القاطن في منطقة محردة، والذي أكد في اتصال مع "بلدي نيوز"؛ أنه حاول بكل السبل العام الفائت لضمان أرض أخيه المهجر من المنطقة، إلا أنه فشل بسبب إصرار اللجنة الخاصة بالاستيلاء على الأراضي، على إحضاره وكالة رسمية عن أخيه، سيما أن الأرض باسم أخيه، وهو ليس له سوى أرضه، لتؤول الأرض إلى أحد متزعمي الميليشيات الذي جاء بعمال لقطاف الفستق الحلبي في الموسم الماضي، الذين كسروا أكثر من 40% من أشجار الفستق الحلبي، وخربوها، في حين أن الكثير من الأراضي التي تقع تحت سطوة الميليشيات، أصابتها حشرة الالكابنودس، التي تؤدي إلى تلف الشجرة إذا ماتم مكافحتها بطرق فعالة، كونه لا توجد محاولات مكافحة أبدا للأشجار، لأن الميليشيات فقط تأتي في وقت الحصاد، وتترك الأشجار طوال العام.
استيلاء ممنهج
ويترأس بشار الأسد اللجان الأمنية في سوريا باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة، والأمين العام لحزب البعث، فيما يوكل مهمة قيادة اللجان الأمنية في المحافظات لأعلى رتبة عسكرية في كل محافظة، حيث كان كل محافظ قبل العام 2011 قائدا للجنة الامنية في محافظته.
ويتلقى رؤساء اللجان الأمنية التعليمات بمراسلات من القائد الأعلى للجان الأمنية، عبر مكتب الأمن القومي، الذي كان يرأسه سابقا اللواء علي مملوك، واليوم اللواء محمد ديب زيتون.
وفي عام 2021 وثق نشطاء وقانونيون ومحامون سوريون عملية الاستيلاء على أراضي وبساتين المزارعين المهجرين قسرا، ومنها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي قالت في تقريرها في نيسان/ أبريل2021 إن "قوات النظام تصادر بشكل غير قانوني منازل وأراضي السوريين الذين فروا من الهجمات لعسكرية السورية-الروسية في محافظتَي إدلب وحماة، إذ شاركت ميليشيا موالية للنظام و"الاتحاد العام للفلاحين" في الاستيلاء على هذه الأراضي، وبيعها بالمزاد العلني لموالي النظام".
وفي مطلع شهر أذار/مارس من العام الحالي، أشار تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، المقدم إلى مجلس حقوق الأنسان الدولي إلى مواصلة نظام الأسد السيطرة على أملاك المهجرين قسريا، من المناطق المحتلة مؤخرا من قوات النظام وروسيا.
وتضمن التقرير المقدم من لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، نتائج تحقيقات في الفترة الممتدة من 1 تموز / يوليو 2021 حتى 31 كانون الأول / ديسمبر 2021، إلى أن نظام الأسد عمل على اغتصاب الأراضي وحقوق الملكية للمشردين، من خلال مزادات علنية في المناطق التي سيطر عليها في محافظات حماة ودير الزور وإدلب، إذ أصبحت المزادات أكثر رسمية ومنهجية، مما يدل على سياسة حكومية ناشئة ومدروسة، الأمر الذي دفع نظام الأسد لنقل ملف الاستيلاء من اللجنة الأمنية للمحافظة بصفتها الإدارية، واعتمادها في عمليات الاستيلاء على القانون 51، واعطاها صبغة شرعية.
شرعنة الاستيلاء
وفي هذا الصدد، يقول المحامي والقانوني الأستاذ عبد الناصر حوشان، إن تبديل الجهة المنظمة لعملية الاستيلاء، تبقي الملف ضمن جرائم الحرب والنهب، لأن المحافظ هو الرجل الثاني باللجنة الأمنية بعد أن كان المحافظ قبل الثورة هو رئيس اللجنة الأمنية.
ونوه الى أن نظام الأسد حاول هذا العام شرعنة عملية الاستيلاء، للتهرب من اتهامه باغتصاب ونهب أراضي المهجرين، إذ عمد إلى الاستناد بالإعلان عن المزادات للاستيلاء على الأراضي على القانون 51، وهذا يخص الأملاك العامة للدولة فقط ويسمى قانون العقود العامة، والذي يكون لعقد على ملك عائد للحكومة أو الدولة، وهذا العقد لا يشمل ولا يطبق على الأملاك الخاصة، وتعتبر المزادات تعديا صارخا على أحكام القانون المدني، الذي ينص على أن للمالك حق الانتفاع بثمار ملكه، "لذلك مصادرة الأرض وتأجيرها اليوم ونهب خيراتها، يعتبر جريمة دستورية كونها تصدر عن السلطة"، بحسب "حوشان".
وشدد على أنها تعتبر "جريمة جنائية لسرقة ثمار تلك الأراضي"، وكل ذلك جرائم يعاقب عليها القانون السوري.
وقف وكالات الغائب
وللإمعان منها في شرعنة عمليات الاستيلاء على أملاك السوريين، المهجرين قسريا من بلداتهم ومدنهم، وعدم إعطاء أقاربهم الحق في إدارة تلك الممتلكات، أصدرت وزارة العدل في حكومة النظام في شهر أيلول/سبتمبر تعميما حمل الرقم (30)، ونصّ على ضرورة الحصول على "الموافقات الأمنية اللازمة" كشرط جوهري ومسبق للبدء بإجراءات استصدار وكالات عن الغائب أو المفقود، أسوة بمعظم أنواع الوكالات العامة والخاصة، حيث كانت قبل ذلك التعميم الوكالة عن الغائب أو المفقود مستثناة من "الموافقة الأمنية"، وهو ما كان يعطي "القاضي الشرعي" صلاحية السماح باستصدار "وكالات عن الغائب/ة والمفقود/ة” بناء على طلب ذويهم، تخولهم لاحقاً قبض الرواتب والمعاشات التقاعدية على سبيل المثال، أو استصدار أوراق ثبوتية ما.
ولم تكن تلك الوكالة تعطي صلاحية التصرّف بأملاك الغائب أو المفقود بشكل تلقائي، بل كانت تخضع لسلطة القاضي الشرعي التقديرية.
وبرر وزير العدل في حكومة النظام حينها "أحمد السيد" مسوغات التعميم بعدّة أمور منها: "تزايد هذا النوع من الوكالات خلال العشر السنوات السابقة، إضافة إلى افتراض الوزير بأنّ الغائبين أو المفقودين هم ملاحقون بجرائم أو ميتون".
كما برر الوزير القرار أيضا أن "هنالك حالات يتم فيها استغلال الوكالات من أجل التصرّف بأملاك الغائب أو المفقود، بطريقة تضر بمصالحه".
وفي العام 2022 عاودت لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجمهورية العربية السورية، وصفها سلوك النظام الخاص بالاستيلاء على أراضي المزارعين الهجرين قسراً، واتهامه بمواصلة السيطرة والسلب والنهب لأملاك المهجرين قسريا من المناطق المحتلة مؤخرا من قوات النظام وروسيا.
وخلص تقرير اللجنة حينها إلى أن نظام الأسد عمل على اغتصاب الأراضي، وحقوق الملكية للمشردين، من خلال مزادات علنية في المناطق التي سيطر عليها في محافظات حماة ودير الزور وإدلب، وأصبحت المزادات أكثر رسمية ومنهجية، مما يدل على سياسة حكومية ناشئة ومدروسة في هذا الصدد.
وذكر التقرير انه تم الإعلان عن المزادات بناء على أوامر موقعة من قبل المحافظين، ثم إنشاء "اللجان المحلية"، على الأقل على مستوى المنطقة لإجراء تعداد للأراضي لإعداد قوائم المزاد، والتي عادة ما يتم توقيعها أيضاً من قبل المحافظين، وتشير القوائم الناتجة إلى المعلومات المتعلقة بالأرض، مثل الموقع ومساحتها واسم المالك وحالته الأمنية، في حين أن غالبية الملاك النازحين المتأثرين، يقيمون حالياً خارج المناطق التي يسيطر عليها النظام.
ويؤكد التقرير، أن الرابح بالمزادات يدفع مبالغ طائلة، مقابل الوصول إلى الحقول لمدة ستة أشهر أو سنة، بالتزامن مع تمتع أقارب مالكي الأرض الغائبين، بإمكانية التقدم للحصول على إجراء معين والدفع لمنع المزاد، وهو إجراء باهظ التكلفة لأنه عادة ما يكون الفائزون بالمزاد أعضاء رفيعي المستوى، في الميليشيات الموالية للحكومة أو شخصيات أخرى لها صلات وثيقة بسلطات النظام أو سرقوا.
ونوه التقرير إلى أن مثل هذه المزادات تضفي الطابع الرسمي على الممارسة غير القانونية، لاحتلال الأراضي ومصادرة الحصاد من قبل الميليشيات الموالية للنظام، والجهات الفاعلة المحلية الأخرى.
ولفت تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجمهورية العربية السورية إلى التأثير السلبي لتعميم وزارة العدل الصادر في 15 أيلول/سبتمبر 2021 القاضي بالحصول على الموافقات الأمنية، للراغبين بإجراء وكالات خاصة للأقارب مما أسهم بزيادة السطوة الأمنية غير شرعية على أملاك النازحين والمهجرين قسريا.
جريمة حرب
وتحمي اتفاقيات جنيف 1949 الأربعة وبروتوكولاتها، الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، وتطالب باتخاذ إجراءات تمنع حدوث كافة الانتهاكات أو وضع حد لها.
وصنفت المحكمة الجنائية الدولية جرم الاستيلاء على الممتلكات، أثناء النزاعات المسلحة على أنه جريمة حرب، وفق المادة الثامنة من نظام روما الأساسي، بيد أن السوريين لم يعودوا يؤمنوا بمحاسبة النظام وثنيه عن جرائمه المستمرة، كما يقول المزارع "علي الرابح" المهجر من منطقة ريف حماة الشرقي "لو كان المجتمع الدولي قادرا على محاسبة الأسد، لتمت المحاسبة على قتله لأكثر من مليون سوري، والعمل على الافراج عن المعتقلين أما أراضينا التي ينتفع منها غيرنا فباتت حلم علينا، ولا نذكر منها سوى الصور وها هي اليوم الدول تتسارع للجلوس مع الأسد، ضاربة بعرض الحائط ملف التهجير واستيلاء النظام على الممتلكات، التي يمنحها لميليشياته كمكافأة على قتل أبنائنا".