بلدي نيوز
يتكهن الكثيرون بشأن العلاقة بين أنقرة والنظام السوري بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ففي حين أنه لا ينبغي توقع أي اختراق دبلوماسي في وقت قريب، فإن الفوائد المزعومة لتركيا لا تصمد أمام فحص للواقع.
هذا ما يراه عمر أوزكيزيلجيك، وهو محلل يركز على الأزمة السورية وديناميات الثوار والسياسة الأمنية في الشرق الأوسط، في مقاله بموقع ميدل إيست آي (Middle East Eye) البريطاني، مشيرا إلى التصريح المهم الذي أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن تركيا لا تهدف إلى تغيير النظام، لكنها تركز على محاربة الإرهاب في سوريا. ومنذ ذلك الحين قال جاويش أوغلو إن أنقرة مستعدة للتحدث مع النظام دون أي شروط مسبقة.
ويرى الكاتب أن هذه التصريحات تخدم هدفين رئيسيين: الاستجابة للضغوط الروسية، ومعالجة الاعتبارات السياسية المحلية. وجادلت المعارضة بأن المصالحة مع نظام الأسد ستسهل عودة اللاجئين إلى سوريا، وأن عناد الحكومة التركية هو العقبة الوحيدة. ويبدو أن الناخبين الأتراك يقبلون هذه الحجة.
ويعتقد أولئك الذين يؤيدون فكرة المصالحة مع نظام الأسد في أنقرة أنها ستسهل عودة اللاجئين السوريين وتساعد في القتال ضد وحدات حماية الشعب الكردية. ويأملون في أن تدعم روسيا بصدق هذا التقارب، حيث تركز موسكو على أوكرانيا وتهدف إلى تجنب التعثر في سوريا.
لكن التذكير الأول بالحقائق في سوريا، كما يقول الكاتب، جاء من وزير خارجية النظام فيصل مقداد، الذي اتهم تركيا، بدعم الإرهاب وطالب بالانسحاب الكامل للقوات التركية من سوريا وإنهاء المساعدات للمعارضة السورية.
وبالنسبة للمراقبين للصراع السوري عن كثب، كانت هذه الملاحظات متوقعة تماما.
وعلق الكاتب بأن التوقعات بين الجمهور التركي والمدافعين عن المصالحة يجب أن تخضع لتدقيق الواقع، الذي يقول إن آفاق المصالحة بين أنقرة والنظام قاتمة. وقال إنه عندما يتعلق الأمر بعودة اللاجئين السوريين، من المثير للاهتمام أن دعاة المصالحة يبدو أنهم تجاهلوا تجارب لبنان والأردن، وكلاهما قام بتطبيع العلاقات مع النظام.
فمنذ عام 2019 عاد حوالي 40 ألف سوري فقط من لبنان إلى سوريا، بينما دخل آلاف اللاجئين الآخرين إلى الأردن. وتواجه الحكومة الأردنية الآن مشكلة تهريب المخدرات، حيث أصبحت حكومة الأسد منتجا ضخما للكبتاغون.
وفي تركيا، تبدو فرصة عودة اللاجئين إلى سوريا التي يسيطر عليها النظام غير مرجحة وسط اشتباكات عسكرية منتظمة قرب الحدود التركية. وفي المقابل تخضع المناطق القريبة من لبنان والأردن بالكامل لسيطرة نظام الأسد.
بالإضافة إلى ذلك، لا يستطيع النظام إعالة ملايين السوريين الآخرين، وهو يعلم أن وجودهم في البلاد قد يؤدي إلى انتفاضة أخرى. فلماذا يجازف نظام الأسد بمثل هذه المخاطرة؟
ومن وجهة نظر نظام الأسد، تشكل المعارضة السورية تهديدا وجوديا، في حين أن وحدات حماية الشعب هي مشكلة داخلية يمكن حلها من خلال دمج قواتها في الجيش السوري، وإعطاء بعض حقوق الحكم المحلي للأكراد السوريين. وبالنسبة للأتراك، تشكل وحدات حماية الشعب أولوية قصوى في سوريا؛ وبالنسبة لنظام الأسد فإن الأولوية هي المعارضة السورية المدعومة من تركيا.
وأخيرا، الافتراض أن لروسيا مصلحة حقيقية في إيجاد حل سياسي في سوريا وسط حرب أوكرانيا هو تصور خاطئ. وبمعرفة الإستراتيجية الروسية وحملات المعلومات المضللة، من المحتمل أن ترغب موسكو في كسب الوقت ومنع عملية عسكرية تركية سورية أخرى أثناء انشغالها بأوكرانيا.
وختم الكاتب مقاله بأن روسيا تعرف أنها ستواجه كابوسا لوجستيا إذا أحدثت تصعيدا عسكريا في سوريا، بعد أن أغلقت تركيا مضيق البوسفور والدردنيل ومجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا. ومن المحتمل أن ترغب موسكو في تعطيل تركيا حتى تنخفض تكاليف الحرب في أوكرانيا. والوثوق بروسيا، التي ادعت مرارا وتكرارا أنها لا تنوي غزو أوكرانيا، سيكون مسعى أحمق.
المصدر: الجزيرة نت