بلدي نيوز – حلب (عمر الحسن)
حقق النظام وحلفاؤه مسعاهم أخيراً بتطويق حلب، بعد أكثر من عام من العمل المتواصل والدعم الدولي غير المحدود، سواء الدعم المباشر بالطائرات والدبابات والجنود أو الدعم غير المباشر بالصمت تارة والتغاضي تارة أخرى، لتتحول حلب إلى واحدة من أكبر المدن المحاصرة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد ما يزيد على الثلاث سنوات من المعارك.
يحاول النظام ومن خلفه روسيا الترويج لفكرة الانتصار الحتمي في حلب، مستخدمين جميع أساليب الحرب النفسية، فعدا عن الترويج الهائل لانتصارات النظام، وتقدمه في محيط حلب، فقد استخدم الروس والأسد أسلوب "الممرات الآمنة"، لإيصال فكرة للمدنيين والعسكريين في المناطق المحاصرة، أنه المسيطر تماماً، وأنه صاحب اليد العليا في المدينة.
وألقت طائراته عدداً محدوداً من الحصص الغذائية، والتي يحتوي بعضها على حليب وفوط الأطفال، اعترافاً منهم بوجود الأطفال، وأن المدينة ليست محتلة من "الإرهابيين" فقط.
حيث ترافقت تلك الحصص الغذائية بإعلانات عن ممرات آمنة، حددها النظام لخروج المدنيين والعسكريين من المدينة المحاصرة، موضحاً مواقعها وطبيعتها على الخارطة، وارفقها بالحصص الغذائية، التي احتوت في الكثير منها على مواد صنعت في روسيا.
استقبل المدنيون الحصص الغذائية التي ألقتها المروحيات بنفس الطريقة التي استقبلوا بها البراميل، حيث سلمت بمجملها للطبابة الشرعية خشية أن تكون مسممة، فالمدنيون يتخوفون من تكرار السيناريو الذي حصل في أكثر من قرية ومدينة، ولعل أشهرها حدثت في منطقة الحصن عام 2012، عندما سممت قوات النظام الخبز، والتي راح ضحيتها عدد من الشهداء وأصيب العشرات بحالات تسمم شديدة.
الممرات الآمنة والحرب النفسية
إعلان النظام وروسيا عن الممرات الأمنة في حلب، لا يخرج عن إطار الحرب النفسية، الذي يمارسونه بشكل منظم على المدنيين والعسكريين في حلب على حد سواء، فمجرد إعلانه عن الممرات الآمنة، يعني أنه يسيطر بشكل كامل على محيط المدينة ويتحكم به، وإلقائه السلل الغذائية، عبارة عن محاولة للقول، أن المدنيين في المدينة سيجوعون، في حين يتوفر الغذاء خارجها، في مناطق سيطرة النظام.
فالممرات الآمنة سوف تدفع (حسب رأيهم) الثوار للتوقف عن القتال والهرب، بسبب انقطاع الإمدادات والذخيرة، والقصف المتواصل الذي يتعرضون له.
حيث دعم النظام (إعلامياً) ادعاءاته حول الممرات الآمنة، باستخدامه لبعض مؤيديه الذين صورهم، وادعى أنهم يهربون من مناطق الثوار، ليعطي انطباعا للعالم أن المدنيين يخرجون من مناطق الثوار إلى مناطقه، حيث يدعي النظام أن المدنيين يفضلون مناطقه على مناطق الثوار.
لكنه نسي أنه يحاصر مناطق أصغر من حلب بكثير، ولا تحتوي نفس العدد من الثوار، أو قدرات عسكرية مقاربة، مثل داريا أو حتى ريف حمص، والتي عجز عن الدخول إليها بعد ثلاث سنوات من القتال.
إلى أين؟
إحدى أكثر النقاط غرابة في موضوع الممرات الآمنة، هو إلى أين تقود هذه الممرات الآمنة؟ فالنظام وضع خرائط لهذه الممرات، وحددها بأربعة ممرات فقط، تذهب جميعها لمناطق سيطرته، ما يعني أن المدنيين الذين سيمرون عبرها سوف يذهبون لمناطق النظام!
بالنسبة لمعظم المدنيين في مناطق حلب المحررة، فهم مطلوبون للنظام تحت حجج متعددة، تجعلهم جميعا مشاريع اعتقال وتصفية في أقبية فروع الأمن، ما يجعل فكرة الخروج إلى مناطق النظام غير مقبولة لدى معظم سكان المناطق المحاصرة من المدينة.
فالنظام سيعتقل على الأقل نصف عدد الأشخاص الذين سيخرجون عبر معابره "الآمنة"، وبخاصة الشبان في عمر الخدمة العسكرية أو الاحتياط، الذين سوف سيرسلهم مباشرة للخدمة في قواته، بعد التحقيق معهم وإرهابهم في أقبية أفرعه الأمنية، وقد يستخدم بعضهم في حصار حلب ليكونوا ضمن الخطوط الأولى لمعاركه التي سيقاتلون فيها ضد أبناء مدينتهم الذين دافعوا عنهم لسنوات.