dailystar – ترجمة بلدي نيوز
إن الإنقلاب العسكري الفاشل في تركيا بالإضافة لروابطها التي أصبحت هشّة مع الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية في كل من سوريا، روسيا وإيران وحلف شمال الأطلسي توضح كيف أصبح من الصعب التوصل إلى حلول سياسية للصراع السوري، لأن المصالح المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية لأي طرف فيها لا يتوازى بشكل جيد ومتماسك وواضح مع القوى الأخرى، لقد أصبح الواقع في سوريا اليوم معقّداً للغاية.
ليس فقط بأن الأحداث في سوريا وتركيا ترتبط ارتباطاً وثيقاً، ولكن بكون سوريا وتركيا والعراق ولبنان وإيران ينظر إليهم على نحو فعال بكونهم الساحة الجيوإستراتيجية الحالية والوحيدة الآن، والتي يتواجد فيها الكثير من الجهات الفاعلة التي تشارك بعضها البعض، في حين تحافظ أيضاً على جميع صلاتها بشكل مفتوح أمام اللاعبين الإقليميين كالمملكة العربية السعودية وقطر والقوى العالمية الذين يشتركون عسكريا في المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة وروسيا، والمملكة المتحدة وفرنسا.
حتى الآن لا يزال قلب هذا الوضع الإقليمي متمركزاً حول سوريا.
في الأيام القليلة الماضية أدّت الغارات الجوية الأميركية والفرنسية إلى مقتل أكثر من 100 من المدنيين السوريين في محيط بلدة منبج الإستراتيجية، والمتنازع عليها من قبل قوى تنظيم "الدولة" وقوى "سوريا الديمقراطية" مما دعا الثوار السوريين لأن يطالبوا القوى الخارجية إلى وقف هجماتهم الجوية التي تقوم بقتل المدنيين.
إن هذا من شأنه أن يكون مشكلة بالنسبة للغرب، والذي يرى بأن الهجمات الجوية مع وجود المقاتلين على الأرض هي الطريقة المثلى لإيقاف توسع تنظيم "الدولة" في كل من العراق وسوريا، وفي الوقت نفسه، "جبهة النصرة" الذراع السوري لتنظيم القاعدة، والذي برز بكونه الفصيل الأقوى والأكثر فعالية بمحاربة النظام السوري بقيادة الأسد.
لقد أثبتت "جبهة النصرة" وجودها في عدة أجزاء من البلاد، وخاصة في محافظة إدلب والشمال الغربي، حيث تشير آخر التقارير إلى أنها نمت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة لتضمّ أكثر من 15.000 من المقاتلين المدربين، والذين يرغبون بتحويل الأراضي التي يسيطرون عليها لاحقاً إلى إمارة تتبع للقاعدة، مما سيمنحها قاعدة قيادة رئيسية جديدة في قلب الشرق الأوسط.
إن الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية ترغب بمهاجمة النصرة، ولكن وفي الواقع فإن مثل هذه الهجمات ستخاطر باستهداف جماعات أخرى من الثوار والمدنيين المتواجدين في أماكن تواجد مقاتلي النصرة، إذ أن النصرة قامت بشكل كبير وفعال بتركيز وترسيخ نفسها بين قوات الثوار السوريين الذين يقاتلون للإطاحة بنظام الأسد.
وإلى ذلك الوقت حيث ستقوم فيه الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية وقطر والأردن وتركيا والجهات الأجنبية الأخرى بتعزيز قوى الثوار وحماية المدنيين بشكل حقيقي، فإن النصرة ستبقى متواجدة على الأرض بجوار السوريين.
إن القوات الجوية الروسية والسورية في آن معاً يستمران باستهداف كل القوى التي ترفض سيطرة النظام السوري، بما في ذلك قوات الثوار المدعومين من قبل الولايات المتحدة كأحرار الشام، وما تبقى من كتائب الجيش السوري الحر، والمدنيين العاديين الذين قاموا بدفع السعر الأكبر في نهاية المطاف.
إن أحدث تطور في هذه الدراما السوداء، هو قيام الولايات المتحدة وروسيا بالتفاوض على اتفاق لتنسيق هجماتهم العسكرية ضد جبهة النصرة وتنظيم "الدولة"، وذلك على أمل إضعافهم أو تدميرهم من أجل الوصول لانتقال سياسي في سوريا وإنهاء الحرب.
في الواقع فإن إمكانية تحقيق هذه الأهداف هي صفر، وذلك بسبب التناقض الهائل في العديد من الأهداف والجهات المختلفة واللاعبين الإقليميين، أبرزهم روسيا والولايات المتحدة.
يبدو بأن الحكومة السورية تريد أن تشارك بمحاربة النصرة ولكن الثوار السوريين الآخرين المدعومين من قبل الولايات المتحدة يرغبون بإسقاط نظام الأسد، في حين أن العديد من هذه الجماعات ترتبط ارتباطا وثيقا بالقدرات القتالية لجبهة النصرة وهدفها المشترك المتمثل في إسقاط نظام الأسد.
بينما تقوم تركيا في مكافحة بعض القوى الكردية في سوريا والتي تدعم من قبل الولايات المتحدة في المعركة ضد تنظيم "الدولة"، إن لدى الحكومة التركية ثلاث أولويات رئيسية، محاربة تنظيم "الدولة"، إسقاط نظام الأسد، ومنع الأكراد من تشكيل دولة مستقلة، في حين تتجلى أيضا مصالح إيران وإسرائيل وحلف شمال الأطلسي، والمملكة العربية السعودية وغيرها في اللعب بمعظم خيوط هذه القضايا، مما يجعل من المستحيل تقريبا لأي قوة مثل الولايات المتحدة وتركيا، وروسيا أن تقوم بتحقيق أي اتساق أو وضوح في سياساتها.
إن حصار قوات النظام السوري لمدينة حلب مؤخراً، من المرجح له أن يضيف المزيد من الضغوط الجديدة على كل الأطراف.
بينما تتراكم المآسي الإنسانية ويستمر تدفق اللاجئين، وتتفاقم العواقب المريرة لتلك الاختلافات السياسية لتصبح أكثر وضوحاً من ذي قبل.