washingtonpost – ترجمة بلدي نيوز
سامر عطار، الطبيب الجراح من كلية نورث وسترن في شيكاغو، والمتطوع مع الجمعية الطبية الأمريكية السورية ومجلس المدينة الطبية في مدينة حلب.
"أرجوكم لا تقطعوا قدمي" هكذا صاح بنا رجل سوري، لقد كان يتسوق عندما أصاب صاروخ سوق مزدحمة بالمدنيين، حرق الانفجار شعره وتفحم وجهه، لقد أصبح غير قادر على رؤية ساقه التي كانت معلقة بخيط رفيع من اللحم، ولا يمكن فعل أي شيء لحفظها، تضخمت صرخات هذا الرجل في أصداء صرخات عشرات الجرحى من حوله بشكل مروع.
أنا جراح أمريكي، قضيت مؤخرا أسبوعين من العمل في مستشفى تحت الأرض في شرق حلب، في سوريا، لقد كنت هناك عدة مرات، وفي كل مرة أذهب، أنزل إلى أدنى أعماق الجحيم من ذلك الوضع المأساوي، إنها لصدمة كبرى، كيف يتم السماح لتلك الظروف غير الإنسانية بأن تستمر لسنوات.
إن المسار إلى هذا الجحيم كان طريق الكاستيلو، والذي كان الطريق الوحيد المتبقي، المؤدي إلى حلب التي يسيطر عليها الثوار، إن الطريق تفوح منه رائحة المعادن المحترقة واللحم المتعفن، تتناثر فيه السيارات المحطمة في الشوارع، وأعمدة من الدخان مبعثرة في الأفق، منازل مدمرة بسقوف مهدمة، أسلاك مكشوفة وخط حديد ملتوي الجانبين، تشعر في كل لحظة بأنك قد تتعرض لانفجار قنبلة أو صاروخ سيودي بحياتك.
في داخل المدينة، فإن أصوات الطائرات، وطنين المروحيات واهتزازات انفجارات قذائف الهاون والقنابل البرميلية، بالإضافة للارتداد غير المنقطع للرصاص، هذه الأصوات والأحاسيس نادرا ما تتوقف، إن المدنيين لا يزالون يعيشون هناك، إذ أنهم يفضلون أن يموتوا في منازلهم على أن يعيشوا في خيمة أو يغرقوا في قارب، أو أنهم ببساطة فقراء جدا، مشلولون جدا، مريضون جدا أو متحدون جدا فكرة مغادرة منازلهم.
لقد هوجم المستشفى حيث عملت لمرات عديدة من قبل قوات النظام، مستخدماً غاراته الجوية، نعمل حرفيا تحت الأرض، بمنحدر مؤدي إلى الطابق السفلي، إن المشارط غير حادة، والتخدير هو من الكماليات، في حين أن التعقيم يكاد يكون تقريبيا قدر المستطاع، في الداخل، فإن المشاهد مروعة.
في 1 يوليو، ضرب صاروخ سوقاً قريباً، اهتزت المستشفى من قوة الانفجار، لم يكن حينها الضحايا من "الإرهابيين" أو الجنود، لقد كانوا مدنيين يتسوقون للاحتفال بالعيد القادم، خمسة وعشرون شخصاً قتلوا بينما جرح عشرات آخرون، لم يكن هنالك ما يكفي من الأسرّة، لذلك وضع المرضى على الأرضيات الملطخة بالدماء والأشلاء، وبالكاد كان هنالك مكان لمتسع قدم، لقد تم تكديس الجثث في الشوارع لإفساح المجال أمام الوافدين الجرحى، لم يتوقف الصراخ، أطفال مغطاة بالدماء والغبار وعليها آثار ما فعلته بهم الشظايا، يصرخون لآبائهم وأشقائهم، في حين على البعض أن يعلموا بمن فقدوا، أو أي من أطراف أطفالهم كانت مفقودة أو مشوهة، لقد كانت بعض شظايا هنا وهناك، تلك هي النتائج الروتينية لما بعد تلك الهجمات.
لقد رأيت طفلاً يتنفس ولكن بصمت، مصاباً بحروق شديدة في جسده، وأحشاؤه بارزة من بطنه، أحرق جلده وشعره، توفي بعد بضعة أيام في وقت لاحق، طفل يبلغ من العمر 5 سنوات توفي بسبب الفشل التنفسي الحاد إثر إصابته بشظايا قنبلة قطعت حبله الشوكي وشلته من صدره للأسفل.
شقّ أحد الجراحين صدر رجل في محاولة أخيرة منه لكبح النزيف الشديد بالقرب من القلب، لقد أفاد ذلك الإجراء بشكل مؤقت حينها، لكن الرجل كان قد فقد الكثير من الدماء في ذلك الوقت، ولم يكن هنالك من أكياس دماء متوفرة لتعويضه عن تلك التي خسرها، في حين أن هنالك طفلين قد نزفا في وقت لاحق حتى الموت في غرفة العمليات لأسباب مماثلة.
لقد قمت بعملية بتر فوق الركبة على نقالة في البهو، لأن جميع غرف العمليات حينها كانت ممتلئة، الآخرون الذين بترت أطرافهم بشكل جارح في الهجوم كان عليهم الجلوس وهم ينزفون ويتألمون حتى تفرغ إحدى غرف العمليات، لقد علمنا فيما بعد بأن طفلاً قد انفصل رأسه عن جسده جراء ذلك الانفجار.
إن وقوع مثل هذه المجازر أصبح شأناً يومياً هنا، العشرات من المدنيين الأبرياء الذين يصابون بالعمى، البتر، الحروق، الشلل، السحق، والتشويه بسبب القنابل أصبح أمراً روتينياً بمأساته، هنا يظهر العالم القليل جداً من التضامن مع أولئك الأبرياء الذين يتعرضون للذبح بأبشع وأشنع الطرق، لم يكن ذلك بعمل تنظيم "الدولة"، لقد رأيت الإرهاب بأم عيني في حلب يأتي من طائرات الهليكوبتر وسلاح جو النظام الإرهابي وهي تحلق في السماء.
لقد سألت أحد الممرضين مرة، إن كان قد شعر في أي وقت مضى بالخوف، وكيف كان يتدبّر أمر الإرهاق الشديد، فأجابني: "إن هذه حلب، ليس لدينا الوقت لنشعر بالخوف، حيث يتم سحقنا يومياً وكأننا حشرات ليس إلا، بينما يتخلى عنا العالم بمجمله، في وقت قريب جدا من الممكن أن تتم محاصرتنا بشكل دائم، وقطع كل الإمدادات عنا، ولكن فمن واجبنا أن نكون هنا، فمن الذي سيساعد هؤلاء الناس إذا ما تركناهم؟"
بعد أيام قليلة من مغادرتي، تم قطع طريق الكاستيلو، أصبحت الطائرات الروسية وجنود النظام السوري يقومان بقصف وإطلاق النار على أي شيء يتحرك، لقد أصبح المرور من هناك الآن أشبه بحكم إعدام.
لقد توجّب علي أن أقول وداعا لأصدقائي وزملائي السوريين، أولئك الأبطال الذين تمت محاصرتهم ليصبحوا بعيداً عن العالم الخارجي، متروكين للألم والموت جوعا، ليس لدي أي عبارة لوصف الخوف والرعب والضرورة الملحة عما شهدته هناك.
إنني أناشد إدارة أوباما للتحرك، يجب عليها أن تواجه بجسارة روسيا لوقف قصف حلب وطريق الكاستيلو، الخط الوحيد للإمدادات الإنسانية لمئات الآلاف من المدنيين في شرق حلب، يجب أن تضغط وتهدد النظام السوري ليفعل الشيء نفسه، يجب فرض منطقة حظر طيران، وذلك باستخدام القوة الجوية المتواجدة بالفعل لقوات التحالف التي تحارب تنظيم "الدولة"، يجب رفع الحصار وفقا لقرارات مجلس الأمن الدولي، يجب أن يبقى طريق الكاستيلو مفتوحاً، إن الأبرياء يموتون في كل يوم في جميع أرجاء سوريا، ولقد حان الوقت ليعلم النظام السوري بأن العالم سيقوم بالتصرف بجدّية بناء على خط أحمر ضد جرائمه وفظائعه المفرطة.