بلدي نيوز - (مصعب الأشقر)
أمعنت قوات النظام وميليشياتها بارتكاب الجرائم ضد السوريين على مدى السنوات الماضية، حاصدة أرواح مئات آلاف المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن والرجال.
وسربت خلال السنوات الماضية مقاطع مصورة تكشف عن جرائم نفذت بصورة وحشية، كان آخرها تسريب مذبحة حي التضامن وما حملته من مشاهد قتل صادمة وثقت إبادة منظمة عن سبق إصرار وببرودة أعصاب، على يد مجموعة عناصر من مخابرات النظام العسكرية، وهي تتفنن بالقتل أمام عدسة الكاميرا، وتحرق جثامين الضحايا لإخفاء معالم جريمة الإبادة.
"بلدي نيوز" استطلعت آراء حقوقيين وسياسيين وعسكريين، لتسليط الضوء على مذبحة التضامن التي راح ضحيتها 288 مدنيا في حفر إبادة جماعية، بينهم 7 سيدات ورجل مسن نحر رأسه عن جسده بدم بارد على طريقة داعش، وكذلك عدد من الأطفال، إضافة لعشرات المدنيين في مقتبل شبابهم على يد مجموعة من مخابرات النظام العسكرية في فرع المنطقة أو ما يعرف بفرع 227.
لا محاسبة
ويرى عضو "هيئة القانونيين السوريين" الأستاذ عبد الناصر حوشان، أنه لا يمكن للنظام محاسبة هؤلاء القتلة لسببين، الأول أنهم من أكثر المجرمين ولاء له ولا يتوانون عن ارتكاب أي جريمة في سبيله، فهو بحاجة لهم بسبب الولاء التام والطاعة المطلقة.
أما السبب الثاني، وفق "حوشان"، هو أن محاسبة هؤلاء القتلة ستدين النظام برمته، كونهم يتبعون إلى قادة ورؤساء وفق التسلسل العسكري الذي ينتهي إلى رأس الهرم بشار الأسد الذي يعتبر القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وبالتالي فإنه مسؤول عن أعمال هؤلاء المجرمين قانونيا وفق مبدأ وقاعدة مسؤولية التابع عن أعمال متبوعه ومسؤولية الرؤساء عن أعمال مرؤوسيهم، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الميليشيات، بحسب عضو هيئة القانونيين السوريين، أصبحت أقوى من السلطة وأقوى من القضاء، وعصيّة على المحاسبة والملاحقة، فهي باتت دولة ضمن الدولة.
ويضيف "حوشان" في حديثه لبلدي نيوز، "أن هذه المجزرة ليست جديدة ولا تختلف عن غيرها من المجازر والجرائم الوحشية، لكن يمكن اعتبار كشف أسماء المجرمين واستدراجهم للاعتراف بجريمتهم أهم ما فيها، بالإضافة إلى الاهتمام الإعلامي من قبل صحيفة الغارديان ذات الانتشار الواسع الذي يمكن استغلاله في إحداث تغيير في الرأي العام الغربي على المستويين الشعبي والرسمي، كما يمكن استغلال هذه الجريمة بتوظيفها ضمن الحملة الدولية ضد جرائم الروس في أوكرانيا، باعتبار أن أغلب مجرمي الحرب الروس هناك هم من ارتكب جرائم حرب في سوريا، وباعتبار أن العدالة لا تتجزأ يمكن مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ نفس الخطوات التي اتخذها ضد العدوان الروسي التي فتحت أبواب محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وتحجيم النفوذ الروسي في مجلس الأمن.
تحرّك على مستويين
بدوره، يقول عبد المجيد بركات، وهو أمين سر الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، إن مذبحة التضامن هي جريمة أخرى تضاف الى سلسلة النظام الإجرامي الممتدة منذ عشرات السنوات، هذه الجريمة وغيرها الكثير من الجرائم التي كشفت والتي لم تكتشف هي برسم المجتمع الدولي بالدرجة الأولى، حيث يسعى المجتمع الدولي إلى إعادة تأهيل هذا النظام من خلال إجبار السوريين على القبول فيه بعملية سياسية ترعاها الأمم المتحدة وإجبار السوريين على أن يكون النظام شريكا بالعملية السياسية.
ولفت "بركات"، في اتصال مع بلدي نيوز، أن الائتلاف وكل قوى المعارضة يحاولون منذ سنوات طويلة الاهتمام بالملف القانوني المرتبط بشكل أو بآخر بتعاطي المجتمع الدولي مع الملف السياسي في سوريا، فعندما يكون هنالك رغبة وإردة حقيقية من قبل المجتمع الدولي بإيجاد حل للملف السوري يكون هناك حل للملف القانوني الذي يعتبر أهم ملف وأهم ورقة يمتلكها السوريون، وإحدى الوثائق التي يعتد بها بشكل قانوني كامل هي الوثائق المصورة بالصوت والصورة.
وقال "بركات"، "لذلك أعتقد أن مذبحة حي التضامن كاملة وموصوفة من متخذ القرار والمنفذ والضحية التي تم قتلها"، مشيرا إلى أن هناك عشرات الجرائم موثقة بشكل كامل.
وأوضح "بركات"، أن "الائتلاف يحاول خلال هذه الفترة التحرك على مستويين بما يخص مذبحة التضامن، المستوى الأول عن طريق وزارات الخارجية والتواصل معها عن طريق إرسال رسائل دولية من إجل التنديد بهذه الجريمة وتعرية النظام بشكل كامل والدعوة إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، بالتزامن مع تحرك على المستوى القانوني والجنائي، وأبرز أشكال ذلك التحرك كان من خلال السفارة السورية في قطر مع السلطات والجهات المختصة من أجل الملاحقة والتأكد إن كان هناك مجرمي حرب تابعين للنظام السوري انتقلوا للعيش في قطر.
وأردف "بركات" أن اجتماعا دوليا مهما حدث في فرنسا منذ عدة أيام، وهو مجموعة التواصل التي تضم مجموعة دول مهمة مثل أمريكا وبريطانيا ودول الاتحاد الاوربي والسعودية ودول عربية أخرى، مضيفا أنه كان هناك حضور للائتلاف بشكل فيزيائي في هذا الاجتماع وقدم طلبات لوزراء خارجية تلك الدول طلبات تدين تلك المجزرة وإصدار مواقف حاسمة تجاه التعاطي مع النظام، كما أن هناك تحركات عديدة ولكن مرهونة بالإرادة الدولية الداعمة لاتخاذ قرار سياسي حاسم بسوريا.
مجرم يوثق جريمته
من جانبه، يرى العقيد الطيار القيادي في "الجيش السوري الحر" مصطفى البكور، أنه هناك الكثير من المجازر الموثقة والتي عرضتها وسائل إعلام دولية ولم يتعدَ الموقف الدولي حيالها التنديد والإدانة وموقفه من هذه المجزرة لن يتعدى موقفه من غيرها.
وقال العقيد "البكور"، إن عناصر الجيش والأمن عمدوا إلى تصوير المجازر التي يرتكبونها بحق السوريين لعدة أسباب أهمها توثيق أعمالهم للتأكيد لقادتهم بأنهم أنجزوا المهمة حسب التعليمات، كما يلجأ بعضهم للتصوير للتفاخر أمام أهله وأصحابه بعدد من قتلهم، ومنهم من يصور عمليات القتل كتجارة حيث أن الكثيرين ممن قُتِل أبناؤهم في مواجهات عسكرية يطلبون من عناصر الجيش والأمن من أقاربهم أو أبناء بلدهم الانتقام للقتيل مقابل مكاسب مادية يمنحها أهل القتيل لمن ينتقم لولدهم فيقوم القاتل بتصوير عمليات قتل المدنيين مع تسجيل صوته على أنها ثأرٌ لفلان ليقبض من أهله المكافأة المالية.
وقال "البكور"، في حديثه لبلدي نيوز، إن "أغلب المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين بهذا الشكل الوحشي نفذها أبناء الطائفة العلوية وبعض الطوائف من غير السنة، حيث تتعمد المجموعة إبقاء الجنود السنة بعيدا عن موقع المجزرة، خوفا من ردة فعلهم المتوقعة كما حصل في أكثر من حالة في بداية الثورة، أما من بقي مع عصابة الأسد حتى الآن بغض النظر عن انتمائه الطائفي فلا يمكن استبعاد أن يكون ممن شارك في هذه الجرائم"، حسب تعبيره.
