بلدي نيوز - (فراس عزالدين)
مقدمة
أعلن البيت الأبيض والكرملين، يوم الثلاثاء 25 أيار/مايو 2021 أن الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين سيعقدان قمة في 16 حزيران/ يونيو في مدينة جنيف السويسرية.
ويعتبر هذا هو اللقاء الأول الذي يجمع بين الرئيسين منذ تولي بايدن الحكم، وسط توتر حاد بين واشنطن وموسكو على خلفية تبادل عقوبات واتهامات.
وسيتم عقد اﻻجتماع على هامش اجتماعات قادة مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي الذين يسعون إلى تشكيل جبهة واحدة ضد موسكو.
الملفات المطروحة
ومن جملة التصريحات التي خرجت إبان الإعلان عن اللقاء، تتشكل سيناريوهات متوقعة ستفرزها لقاء اللاعبين الكبار "الروس واﻷمريكان"، وتأثيراتها على المنطقة وخاصة الشرق اﻷوسط وإيران، وحتما سوريا.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، في بيان مقتضب، إن "الرئيسين سيبحثان مروحة من القضايا الملحة، في وقت نأمل بجعل العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا أكثر استقرارا".
وعلى ذات المنوال، نقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن الكرملين، القول إن الرئيسين سيناقشان العلاقات الثنائية والاستقرار الاستراتيجي وتسوية النزاعات الإقليمية والتعاون في مكافحة جائحة فيروس كورونا.
وأوضحت مصادر أمريكية، أن جدول أعمال القمة يتضمن قضية مراقبة الأسلحة النووية.
وبناءً على تلك التصريحات؛ فإنّ أبرز الملفات المطروحة، تتعلق في إدراة العلاقة الثنائية بين الطرفين، وتقاسم النفوذ، بعد عودة سطوع نجم موسكو الذي أفل عقب انهيار اﻻتحاد السوفييتي، وتوقف الحرب الباردة، ليأتي تاليا، الاستقرار الاستراتيجي وتسوية النزاعات الإقليمية، وأخيرا؛ ملف فيروس كورونا.
بالتالي؛ فإنّ قضايا شائكة مثل الملف النووي اﻹيراني والقضية السورية، ستشهد وضع خطوط عريضة، في هذه الجولة، وربما تعني لقاءات قادمة بين الطرفين، تتبلور فيها الرؤية الثنائية.
ويؤيد ما سبق، أن مصدرا أمريكيا أفاد أن ثمة حرصا كبيرا على ألا يكون اللقاء مع فلاديمير بوتين بمثابة مكافأة للأخير بل أن يشكل الوسيلة الأكثر فاعلية لإدارة العلاقات بين البلدين، علما بانها صعبة وستظل كذلك.
الظروف المحيطة
ويأتي اللقاء المرتقب بين بوتين - بايدن، وسط جملة من الظروف السياسية والعسكرية المتوترة، يمكن إجمالها، بالتدهور الملحوظ في العلاقات الروسية - الأمريكية، لم يشهده البلدان منذ الحرب الباردة، كما تأتي القمة وسط تصعيد عسكري على الأرض على حدود روسيا الغربية والجنوبية، متمثلا في مناورات "حامي أوروبا 2021" الأكبر لحلف الناتو منذ 30 عاما، وحشد روسي ضخم للقوات على الحدود الجنوبية، احترازيا.
كما تعقد القمة بعد إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن إعفاءً من العقوبات لشركة "السيل الشمالي -2 إيه جي" Nord Stream 2 AG، الروسية الأوروبية المشتركة، القائمة على إنجاز مشروع "السيل الشمالي-2"، واعترافه بأن "المضي قدما بفرض العقوبات في الوقت الراهن هو أمر غير بنّاء في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وهو الإعلان الذي قوبل بترحيب من المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، بهذا القرار، بينما أضافت أنها ستناقش المشروع مع بايدن خلال قمة مجموعة السبع الكبار في بريطانيا حزيران/ يونيو المقبل.
وتأتي القمة عقب إبلاغ الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس الفائت، روسيا بأنها لن تعود إلى اتفاقية الأجواء المفتوحة، التي تسمح بتسيير رحلات جوية غير مسلّحة فوق عشرات الدول الموقعة على الاتفاق، في ظل تصريحات للخارجية الأمريكية بأن "انتهاكات روسيا" كانت السبب في تقويض الاتفاقية.
وعلى صعيد سوريا، تأتي القمة في ظل إعادة انتخاب رأس النظام السوري، بشار الأسد، بنسبة 95.1%، وتهنئة روسيا وإيران للأسد، وسط اعتراضات غربية واسعة، وبالتالي تراجع فرص الحل السياسي، ومساعي أمريكا لتمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية الأممية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى مع تركيا والذي تعارضه روسيا بشدة.
كما تأتي القمة في ظل استمرار سير المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا.
الملف السوري
بالمجمل فإن ما تحمله المعطيات السابقة أو الظروف المحيطة بالقمة الروسية - اﻷمريكية، تشير إلى التباعد والتناقض، ليس فقط على المستوى السياسي بل على التوازنات الدولية، وتشكل بمجموعها (أي: المؤشرات السابقة)، تحديات وعوائق، فضلا عن كونها تحمل نقاط خلافٍ بين الجانب الروسي واﻷمريكي، ما يعني أنّ "الملف السوري" لن يكون في أولوية تصحيح مسار العلاقة بين الطرفين، إﻻ أنه لن يكون اﻷخير، لاعتبارات كثيرة في مقدمتها، بقاء "خلايا للتيار الجهادي" قادرة على العمل العسكري، مستقبلا، وهو امر تتشارك "موسكو" و"واشنطن" في رفضه، وتسعيان لحله وحسمه.
والواضح بعيدا عما سبق أن الموقف الروسي من "اﻷسد" لم يتغير، وهو ما تؤكده تصريحات المسؤولين الروس، لكن ربما تحمل تلك القمة تصورا مبدئيا، خارطة سورية جديدة، لا يستبعد أن تميل فيها واشنطن إلى القبول بدور جديد للأسد بموجب اتفاقها النووي مع إيران، أو حتى ضغوط روسية على اﻷخير، كهدية للأمريكيين مقابل تحصيل مكاسب اقتصادية وسياسية.
وبالمحصلة؛ سيكون اﻷسد موضع تفاوض ورهان، وورقة رابحة بيد الطرف الممسك بها بقوة، لكن النتائج لن تكون مبدئيا قريبة، أو على اﻷقل حتى اﻻنتهاء من اﻷولويات والمحاور اﻷساسية التي يسعى الطرفان لمناقشتها.
فاﻷولوية وفق مراقبين، ستكون في البداية لصالح طرح طرقٍ ووسائل لاستعادة الثقة بين القوتين النوويتين (موسكو -واشنطن).
ولعل ارتباط الملف السوري بالوجود اﻹيراني، والملف النووي للأخيرة، سيكون أحد أشكال وأسباب تأجيل البحث العميق في الملفين، بانتظار ما سبق وأشرنا إليه، من ضرورة رسم وبسط حبال الثقة والتفاهم بين الروس واﻷمريكان.
تجميد الوضع السوري أم إشعاله؟
وتتناثر إشاعات مؤخرا في الداخل السوري، وتحديدا في الشمال السوري، عن احتمال قيام الروس بحملة عسكرية مساندة للأسد، لاستعادة بعض المناطق، وهي خطوة تكتيكية، متوقعة وليست مستبعدة، ربما تكون عشية القمة، يوجد من يؤيد حدوثها من المحللين، وثمة من يستبعد قيامها، خاصةً أن موسكو لا تريد توتير العلاقة مع "أنقرة"، ومحاولة كسبها كشريك وورقة رابحة أمام التحدي في الحوار مع "واشنطن".
وبالتالي فإن حدوث مناوشات عسكرية ممكن، لتعزيز قوة التفاوض، لكنه يبقى خيارا مستبعدا.
قمة المعجزات
بالمحصلة؛ ﻻ يمكن إطلاق تسمية اجتماع "بوتين - بايدن" بـ"قمة المعجزات" بالنسبة للملف السوري، لما سبق ذكره من أولويات، وبالتالي؛ مصير اﻷسد، وإن طرح على طاولة التفاوض، لن يحسم في هذه القمة، التي تأتي ﻹعادة رسم شكل العلاقة الثنائية بين الطرفين، لكن رأس النظام، سيكون موضع مساومة مطروح، وربما مؤجل إلى لقاء آخر.