دي نيوز - (فراس عزالدين)
أطلقت وزارة الزراعة التابعة للنظام، على العام الجاري 2021 مسمى "عام القمح"، في محاولةٍ اعتبرها محللون موالون، تهدف لإعادة الاعتبار لهذا المحصول.
وشهد المحصول اﻻستراتيجي -القمح- انحسارا في مساحته المزروعة، خلال عقودٍ مضت، وزاد من معاناة تلك الزراعة، الحرب التي فرضها النظام على "المناطق التي خرجت ضده" في مثل هذه اﻷيام من ربيع عام 2011.
وتراجع إنتاج البلاد من القمح، بحسب تقارير رسمية، وأسهم سلبا على "رغيف الخبز" كنتيجةٍ حتمية مباشرة، إﻻ أنّ الواقع اليوم، بات يقرأ منه مدى التأثير الكبير وتهديد "اﻷمن الغذائي" للمواطن في مناطق سيطرة النظام، والذي كثر الحديث عنه مؤخرا سواء على مستوى التقارير اﻷممية، أو حتى اﻹعلام الموالي.
فما مدى جدّية النظام في شعاره، ومن يدفع فاتورة تكاليف تلك الزراعة الاستراتيجية للمزارعين، وهل تكفي الخزينة العامة لسداد تلك الفاتورة؟
دعم اﻷسد في الميزان
ورفعت حكومة النظام، سعر شراء محصول القمح من المزارعين للموسم القادم، في جلستها المنعقدة بتاريخ 3/11/2020.
وحدد مجلس الوزراء التابع للنظام، سعر شراء محصول القمح من الفلاحين للموسم المقبل بمبلغ 450 ليرة للكيلوغرام، مع منح مكافأة تسليم بواقع 100 ليرة لكل كيلوغرام لمن يسوق قمحه لمراكز مؤسسة الحبوب"، كما ورد في الموقع الرسمي لما يسمى "رئاسة الوزراء".
ووفقا لتقارير رسمية موالية فإنّ كل هكتار ينتج وسطيا بحدود 3-5 أطنان قمح، في محافظة حلب، وينتج كل دونم بحدود 300-400 كغ قمح في درعا.
وعلى حسبة حكومة النظام، فإن كل دونم ينتج وسطيا نحو 400 كغ قمح، ستدفع للفلاح مبلغا قدره 220 ألف ل.س (400 كغ * 450 ل.س للكيلوغرام)، يضاف مكافأة تسليم 100 ليرة لكل كيلوغرام.
حقيقة الدعم
إﻻ أنّ وزارة زراعة النظام، أغفلت جملة أساسية من التكاليف لقاء زراعة "القمح"، والتي تتضمن: (أجور فلاحة 30 ألف ل.س للهكتار، ثمن البذار 100 ألف ل.س للهكتار، أجور بذّارة (نشر البذار) 30 ألف ل.س للهكتار، ثمن سماد سوبر فوسفات 120 ألف ل.س للهكتار، ثمن 3 أكياس يوريا 21 ألف ل.س للهكتار، أجور حصاد تتراوح بين 6-7% من الإنتاج".
والقائمة السابقة، لا تحتوي على تكاليف أخرى كـ" 8 آلاف ل.س أجور النقل، ثمن المبيدات 8 آلاف ل.س، تكاليف السقاية عند اللزوم"، إضافة لمدة "استثمار الأرض خلال الموسم"، وعادةً تبدأ في شهر تشرين الثاني وتنتهي في تموز، أي نحو 9 أشهر.
ووفقا للمزراع عثمان الحريري، من أبناء درعا، فإنّ وسطي إنتاج الهكتار 5 أطنان قمح، إن كان موسم المطر جيدا وتجاوز 300 ملم، في حين يبلغ اﻹنتاج 3 طن إن كان الموسم المطري دون الوسط.
وقدّر الحريري وسطي التكاليف لكل هكتار إلى 1,250,000 ليرة، أي: 125 ألف ليرة لكل دونم تقريبا.
وهنا نشير إلى أنّ تلك التكاليف متغيرة، بحسب سعر صرف الليرة السورية، وخاصةً فيما يتعلق بثمن "المبيدات" و"اﻷسمدة"، وستبقى تتقلب هذه اﻷرقام حتى نهاية موسم حصاد القمح في مطلع شهر تموز.
شعار خلبي
وكعادة الشعارات التي يطلقها النظام، التصق بها لقب "خلبية"، فالحقيقة تختلف تماما عن الشعار، وتوضحها دائما اﻷرقام تماما كما هو حال ملف القمح وشعار "عام القمح" الذي تستخدمه حكومة اﻷسد.
وللتوضيح، فإن حقيقة الدعم المقدم من النظام للفلاحين، لن يراعي مستوى معيشتهم، بل إنّ اﻷرقام تشير إلى "خسائر متوقعة"، والفارق بين "السعر المدعوم" و"التكلفة التقريبية" السابقة، والتي تبلغ تقريبا نحو 100 ألف ل.س، يفترض أن تغطي بدل عائد استثمار الأرض لمدة 9 أشهر، أي فترة الموسم، وهي بحدود 11 ألف ل.س عن كل شهر، كذلك من المفترض أن تؤمن مستوى معيشي لائق أو مقبول لعائلة المزارع.
ويمكن طرح السؤال التالي؛ "ماذا يحقق مبلغ 11 ألف ل.س بالنسبة للمزارع، وهل فعلا حققت غايتها في تحسين مستوى معيشته؟".
وفي ضوء تلك التكاليف -دون مراعاة تقلب أسعارها المتوقعة لاحقا- سيكون شعار "عام القمح" من جملة الشعارات الخلبية التي تم طهيها إعلاميا، وابتلاعها في السوق السوداء على مذبح انهيار الليرة السورية، وانعكاسه السيء -كما هو معلوم- على اﻷسعار وخاصة اﻷسمدة والمبيدات.
القمح والطوابير
وأمام كل ما سبق، لا توجد مؤشرات حقيقية لوقف "الطوابير على أفران الخبز"، فما زال النظام غير قادر حتى على استجراره من حليفه الروسي أو اﻹيراني، وسبق أن لفتنا أن وكالة رويترز تحدثت عن هذا الملف بإسهاب، وكشفت نقص المخزون اﻻستراتيجي من القمح في مناطق سيطرة النظام، وهو ما نفاه مسؤولو اﻷخير.
وفي حال لم يفلح شعار "عام القمح" فإنّ المسألة سيكون لها تداعيات على بعض الصناعات الغذائية المرتبطة به كمحصول، مثل؛ "المعكرونة والشعيرية، الحلويات، وكذلك المعجنات".
ما يعني أنّ أهمية المادة ليست محصورة بالأمن الغذائي للمواطن أو من خلال ما يمثله "رغيف الخبز" له كمنتج رئيسي مدعوم، بل إن سلبيات الموضوع أبعد من هذا كما هو مشار.
وتلك التداعيات السلبية، انعكست ليس فقط على مستوى تخفيض الدعم عن رغيف الخبز، بل على مستوى سقف الاستهلاك اليومي منه (الرغيف)، والذي بات أقل من حدود حاجة الاستهلاك الفعلي.
يذكر أن محصول القمح يعتبر من المحاصيل الإستراتيجية "المدعومة" في الخطط الزراعية من كل عام، وفق ما يصدر عن حكومة اﻷسد، وترتبط بمجمل السياسات الاقتصادية الاجتماعية تبعا لذلك.