تنظيم "الدولة".. أسرار التمدد والانكماش - It's Over 9000!

تنظيم "الدولة".. أسرار التمدد والانكماش

بلدي نيوز – (أيمن محمد)

يعتبر تنظيم "الدولة" أحد أغرب القوى المقاتلة عبر التاريخ، فمن النادر أن تستطيع قوة غير نظامية هزيمة جيشين نظاميين، والسيطرة على مساحة تعادل مساحة دولة وبمقومات كاملة، من نفط وزراعة ومياه وثروات باطنية خلال فترة قصيرة.

فلم يستغرق انهيار القوات العراقية في مناطق واسعة سوى فترة قياسية، فالجيش العراقي الذي صرفت عليه عشرات مليارات الدولارات خلال العقد الماضي، تبخرت وحداته في الصحراء، في مشهد يفوق بكثير ما حصل خلال الغزو الأمريكي للعراق.

فقسم كبير من القوات العراقية استمر بالقتال حتى بعد الغزو وتحول لمقاومة، في حين هرب معظم عناصر الجيش العراقي الحالي، بصورة ليس لها تفسير منطقي، وحتى نظرية المؤامرة والتسليم التي يتحدث عنها البعض، تعجز عن تفسير ما حدث خلال الموجة الأولى لمعارك التنظيم ضد القوات العراقية خصوصاً.

لكن العديد من الشواهد اللاحقة تشير إلى الكثير من أسباب التوسع الفجائي والسريع للتنظيم، وانهيار القوات العراقية خصوصاً، تلك القوات التي لا تحمل من العراق سوى اسمه، وأصبحت قلباً وقالباً تتبع لإيران.

ظهرت تلك المؤشرات بخاصة خلال معركة الموصل وما تلاها من معارك، وصولاً إلى معركة الفلوجة الحالية، التي حوصرت من قبل الحشد الشعبي الشيعي منذ قرابة عام، وبلغ تعداد القوات المحاصرة لها 40 ألف عنصرا، والمئات من العربات والدبابات وقطع المدفعية والراجمات، بحسب ما أعلنوه، في حين معظم التقديرات لعدد المدافعين من عناصر التنظيم في الفلوجة، لا ترفع عددهم فوق الألف عنصر.

لكن حتى اللحظة لم تستطع القوات العراقية تحقيق أي تقدم في معركة الفلوجة، على الرغم من القصف غير المسبوق للمنطقة حتى في الحملة الأمريكية عليها 2004، والتي يعتبر الكثيرون الحملة الحالية على المدينة محاولة ثأر أمريكية، بأيدي إيرانية من المدينة.

الاتساع الأقصى

مع انطلاقة عملياته الكبرى منتصف 2014، سيطر التنظيم خلال فترات متقاربة على مناطق واسعة في زمن قياسي، وشملت محافظات العراق السنية عموماً، وتشمل نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار، وصولاً حتى شمالي بغداد، وسيطر في سوريا على أجزاء من محافظة الحسكة وريف حمص والبادية السورية بمجملها، وديرالزور وصولاً إلى ريف حلب الشرقي والشمالي شمالا حتى بادية السويداء وحوض اليرموك جنوبا.

حيث يمكن القول أن التنظيم سيطر على مضلع أبعاده 700 في 700 كم، وهي منطقة كبيرة فعلياً، ما يجعلها تساوي مساحة بريطانيا، حسب تصريح لمركز مكافحة الإرهاب الأمريكي.

المساحة الكبيرة التي سيطر عليها دفعت التنظيم لتقسيمها إدارياً، بهدف إدارتها وتنظيم شؤونه فيها، حيث قسمت ولاياته في سوريا والعراق، حسب الآتي:
1 - ولاية الرقة
2 - ولاية الخير
3 - ولاية حلب
4 - ولاية دمشق وتشمل حي الحجر الأسود وأجزاء من مخيم اليرموك
5 - ولاية حمص وتشمل أجزاء من ريف حمص الشرقي ومدينة تدمر
6 - ولاية البادية
7 - ولاية الفرات تشمل البوكمال السورية والقائم العراقية
8 - ولاية البركة حيث كانت تشمل مناطق في محافظة الحسكة بالجزيرة السورية

أما القسم العراقي فهو مقسم إلى الولايات التالية:
1 - ولاية نينوى
2 - ولاية كركوك
3 - ولاية الأنبار
4 - ولاية الفلوجة
5 - ولاية صلاح الدين
6 - ولاية شمال بغداد
7 - ولاية الجنوب
8 - ولاية الجزيرة
9 - ولاية دجلة

العسكريون والإعلاميون

تعامل التنظيم بعنف شديد مع عناصر جميع القوى التي واجهته، بداية بالجنود العراقيين، والميليشيات الشيعية العراقية، والذي أعدم منهم في يوم واحد قرابة 3000 عنصر في قاعدة سبايكر، أو عناصر النظام السوري الذي أعدم منهم قرابة 2000 عنصر بعد معركة مطار الطبقة، إضافة لقتله وإعدامه لعدد كبير من عناصر الجيش السوري الحر.

أما بالنسبة للإعلاميين في مناطقه، فقد اعتبرت مناطقه الأخطر في العالم بالنسبة للصحفيين، حيث يكون الإعدام غالباً عقوبة أي شخص تثبت عليه هذه التهمة، حيث أعدم العديد من الأشخاص بتهمة التعامل مع الوكالات الإعلامية.

لماذا تقدم التنظيم بسرعة في سوريا؟

يمكن إرجاع التقدم السريع الذي حققه التنظيم في سوريا لعدة عوامل، أولها ترك الجيش الحر وحيداً في مواجهته، وعدم وجود تسليح كافي لديه، إضافة لتردد الكثيرين على المستوى الكتائب والأفراد في قتاله، لعدم وضوح وضعه ككل وتجنباً "للفتنة والاقتتال بين المسلمين"، حيث ترك الكثير من الثوار السلاح قبل دخول التنظيم لمناطقهم، ومنهم من ترك سوريا ككل.

يضاف إلى ذلك الأسلوب القتالي الذي اعتمده والذي يعتمد على الهجوم الصادم العنيف، والاختراق في العمق، واستخدام الخلايا النائمة، والحرب النفسية للحد الأقصى، كذلك فقد اخترق أمنياً جميع المناطق التي ينوي السيطرة عليها والقوى التي يريد مهاجمتها، وحصل على معلومات كاملة عن كل الأمور المؤثرة على هجومه، واعتماده على أبناء المناطق نفسها في السيطرة عليها.

بداية عمل التنظيم على تجنيد المئات من أبناء المناطق التي ينوي السيطرة عليها، حيث تودد  للزعامات العشائرية والمناطقية، وعمل كذلك على اجتذاب عناصر وقيادات الثوار، وخصوصاً في المنطقة الشرقية لسوريا، حيث يمكن توصيف تشكيلات الجيش الحر على أساس أنها تشكيلات شبه عشائرية، فالكثير من الكتائب والألوية في المنطقة الشرقية لسوريا في ريف ديرالزور والحسكة والرقة، مكونة من أبناء عمومة أو عشيرة واحدة، ما سهل اختراقها والسيطرة عليها أو تحييدها على الأقل.

حيث يمكن القول أن الكثير من المناطق دخلها التنظيم بدون قتال، أو مع اشتباكات محدودة جداً (خلال مرحلة توسعه الأولى).

فوق هذا كله، الدعم المادي والمعنوي الذي قدمه للمقاتلين في صفوفه، ولعناصر الثوار الذين يتركون ألويتهم ويلتحقون به، أو للمدنيين الذين ينضمون إليه، والذي نادراً ما كان يحصل عليه عناصر الجيش الحر، الذين كانوا في معظم الحالات يقاتلون مجاناً أو يتلقون مساعدات مادية شحيحة، لا تتجاوز في الكثير من الأحيان 50 إلى 100 دولار.

علاوة على ذلك توسعه في العراق، سبق فعلياً توسعه في سوريا، والذي استثمره إعلامياً للحد الأقصى، واستخدمه ضمن حربه النفسية المنظمة للحد الأقصى.

منظمات الإغاثة

تعامل التنظيم بعدائية مع المنظمات العالمية بمختلف أشكالها، سواء التابعة للأمم المتحدة أو الهلال والصليب أحمر أو المؤسسات الإغاثية المحلية حتى، فمنع دخولها أو نشاطها على أراضيه، حيث لم يسجل أي نشاط ملحوظ لتلك المنظمات في مناطقه، على الرغم من بعض التصريحات التي تحدثت عن سعي تلك المنظمات للتفاوض مع التنظيم.

المدنيون

مع عشرات المدن التي سيطر عليها التنظيم، فقد سيطر على مراكز سكانية مكتظة بالسكان، فمثلاً مدينة الرقة كانت تحوي النازحين من ديرالزور والمدن السورية الأخرى، ومع سيطرة التنظيم عليها لم تشهد فعلياً حركة نزوح واضحة خلال المراحل الأولى للسيطرة عليها، وهذا ينطبق على مدن الموصل وتكريت وغيرها، من المدن السنية الخالصة التي سيطر عليها التنظيم في العراق.

إحدى أهم الفوارق في عقلية تنظيم الدولة عن باقي التنظيمات العسكرية في المنطقة، هو وجود بنية هيكلية صارمة وواضحة، ووجود تسلسل للرتب والقيادات، ونموذج إداري واضح.

فالتقسيم الإداري الذي نفذه التنظيم للمناطق التي سيطر عليها، بناء على الوحدات الجغرافية، ساعده على إدارة شؤونها والتحكم فيها، عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً بشكل أفضل، مستخدماً خليطاً من أبناء المناطق والمهاجرين لإدارتها.

فقد وضع التنظيم مجموعة من القوانين، المستمد قسم منها من الشريعة الإسلامية، وبعضها من نظرته وحكمه على الوضع في المناطق.

حيث فرض نظاماً أمنياً صارماً، وسيطر على حركة المدنيين بشكل كامل، وأوجد لديه عدة مؤسسات أمنية منها ما يوازي عمل الاستخبارات، ومنها ما يوازي عمل الشرطة، ومنها حتى الشرطة النسائية، وعبر مجموعة من الإجراءات من بينها تطبيق الحدود المختلفة والتعزير، من جلد وبتر وقصاص وإعدام، رهب المخالفين لجملة القوانين التي وضعها، وفرض الأمن في مناطقه.

من الملاحظات المهمة في موضوع الولايات لدى التنظيم، هو الاختلاف في طريقة التعامل ومدى شدته بين ولاية وأخرى، ضمن المناطق التي يسيطر عليها، حيث تمثلت باللين النسبي تجاه الولايات العراقية، والشدة تجاه الولايات السورية، وبخاصة ولاية "الخير"، التي تمثل مدينة دير الزور، هذه الاختلافات التي تتباين بسبب شخص "الوالي" المعين على المدينة، ونظرة التنظيم من المنطقة ككل، وحتى زمن المعارك التي استغرقها التنظيم للسيطرة على المنطقة.

أما بالنسبة للوضع الاقتصادي للمدنيين في مناطقه، فقد ساعدت الإيرادات النفطية التي حصل عليها التنظيم والأهالي، الذين عملوا ببيع ونقل النفط وتكريره منذ خروج المنطقة من سيطرة النظام وسيطرة الجيش الحر عليها، ثم سيطرة التنظيم على إيجاد فائض من السيولة النقدية، إضافة للنموذج الاقتصادي الذي اعتمده التنظيم، والذي يحاكي مفاهيم السوق المفتوح، فلا يوجد حدود للمنتجات التي يمكن استيرادها أو تصديرها، إضافة إلى أعداد المهاجرين الكبيرة والذين يمتلكون عادة سيولة نقدية ينفقونها في شراء حاجياتهم.

هذه الحالة المادية انتهت مع بداية الضربات الجوية للتحالف، والتي استهدفت بشكل أساسي المنشآت النفطية التي تعتبر مصدر تمويل التنظيم، وقسم كبير من المدنيين في مناطق سيطرته، ما أدى لتدهور الحالة الاقتصادية مع بداية الضربات الجوية على التنظيم.

حيث يعرف عن التنظيم فرضه عدداً من العقوبات التي تتضمن الغرامات المالية المختلفة، ضمن سلسلة العقوبات والتعزير التي طبقها على المدنيين.

سرعة الظهور

يوجد عد عوامل لتقدم التنظيم بسرعة، وبخاصة في العراق، ففساد الجيش وطائفيته وعدم وجود أي هدف له سوى خدمة إيران، ساعدا في تحطيمه وعدم صموده، فالعتاد الموجود لدى الجيش العراقي متطور جداً، ويمكن مساواته بالعتاد لدى دول الخليج، لكن فساد وفشل الجنود العراقيين في استخدامه، وعدم وجود روح معنوية لديهم، ساعدت في تحول هذا العتاد إلى غنائم، استخدمها التنظيم لمتابعة القتال في العديد من الجبهات.

أما بالنسبة لسوريا فالعكس هو الصحيح، فانعدام السلاح لدى الثوار هو السبب الأساسي لتقدم التنظيم، والذي حدث فعلياً بشكل أبطأ من تقدمه في العراق.

حيث لم يتلقى الثوار إلا النزر اليسير من العتاد، خلال معاركهم مع النظام ثم التنظيم، واستخدموا لاحقاً بشكل أساسي لتشتيت التنظيم وزيادة عدد الجبهات التي يستنزف عليها، فيما تتقدم قوات أخرى للسيطرة على المناطق الحيوية، كذلك لم يحصلوا على دعم جوي كافي مقارنة بالميليشيات الكردية.

كيف تعامل العالم مع الثوار بعد توسع التنظيم؟

يمكن القول أن العالم استغل ظهور التنظيم والأجندة التي يحملها لابتزاز الثوار بشكل أكبر ومنعهم حرفياً من قتال الأسد، ووصل الأمر لاستخدام الثوار كمجرد "قوة تشتيت ومشاغلة للتنظيم" في أكثر من منطقة وبأكثر من طريقة، بهدف صرف أنظاره عن المعارك الحقيقية، وتشتيت قوته بإرسالها إلى جبهات متعددة.

حيث أصبح الدعم الذي تتلقاه الكثير من فصائل الثوار موجهاً ومحصوراً بقتال التنظيم، وشطبت قوات النظام من قائمة القوى التي يمكن الهجوم عليها بالنسبة للكثير من الفصائل التي تتلقى دعماً غربياً، حيث بردت الكثير من الجبهات التي كانت مفتوحة ضد النظام في العديد من المناطق، واشتعلت جبهات أخرى ضد التنظيم لم يستفد منها فعلياً سوى النظام الذي حشد قواته واستعاد السيطرة على عدة مواقع ليس أخرها مدينة تدمر.

الأذية الأخرى التي تعرض لها الثوار والتي تعتبر أخطر بكثير هي تبني الغرب لقوى "علمانية" ظاهريا في سوريا، تحمل توجهاً انفصالياً "باطنيا" وتكريسها كمكافح للإرهاب وتحديداً "قوات سوريا الديموقراطية"، والتي دخلت في مواجهات ضد الثوار أنفسهم، واعتبرت القوى الرئيسية "الموثوقة"، وبالتالي سحبت البساط من أقدام حتى الفصائل التي تقاتل التنظيم فقط وتخلت عن قتال النظام.

ما يعني مستقبلاً إمكانية التخلي بشكل كامل عن فصائل الثوار التي لا تقبل الانضمام لهذه الكتل أو القتال معها.

حيث أصبح الثوار فعلياً وبخاصة الفصائل التي كرّست لقتال التنظيم الحلقة الأضعف، وأصبحوا أكثر عرضة للإملاءات والشروط الغربية، والتي أثرت فعلياً على بنية وتركيبة تلك الفصائل، التي يمكن القول أن الكثير من عناصرها تركوا فصائلهم بمجرد توقفها علن قتال النظام، وأصبحوا حلفاء مع قوات مشكلة غربياً سلبت أرضهم وشردتهم.

التحالف الدولي

في مواجهة التمدد الصاعق للتنظيم، والذي كان على وشك دخول بغداد بعد سلسلة من الهزائم للجيش العراقي، وسقوط سريع للمناطق التي سلّم قسم كبير منها بدون قتال، بعد أن خلع الجنود العراقيون بزاتهم العسكرية، وارتدوا الملابس المدينة، شكّل تحالف دولي ضد التنظيم، والذي أطلقه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خلال خطاب له يتحدث عن الوضع في الشرق الأوسط يوم 7 آب 2014.

هذا التحالف الذي شكلت أمريكا أساسه ومحوره، وضم دولاً عديدة، والتي شاركت بشكل أساسي بطائراتها ضد التنظيم وتجنبت الدخول في معارك برية، في محاولة لعدم التورط برياً ولوجود قوة عسكرية برية، مشكلة أساساً من الميليشيات الشيعية والكردية لقتال التنظيم.

حيث حشد التحالف عشرات الطائرات القاذفة، والتي شملت أنواعاً عدة وصلت حد إرسال القاذفات الاستراتيجية B52، والطائرات الشبحية F22، التي نفذت أول تجاربها الميدانية العملية خلال هذه الحملة، إضافة للطائرات بدون طيار في أدوار الاستطلاع والقصف.

عدا عن الحوامات وطائرات الإسناد الناري القريب، وطائرات الاستطلاع بأنواعها والأقمار الصناعية، وطائرات الإسناد اللوجستي المختلفة، من النقل والإمداد بالوقود إلى التحكم والسيطرة الجوية.

حتى يكاد يكون من الصعب حصر أعداد وأنواع الطائرات التي شاركت وستشارك في العملية ضد التنظيم، والتي يمكن الجزم أنها ستكون أكبر وأطول بكثير من العمليات التي ضربت فيها حركة طالبان في أفغانستان، أو النظام اليوغوسلافي خلال مجازره ضد البوسنيين في البلقان.

حيث تكلف العمليات الجوية ضد التنظيم ما لا يقل عن مليار دولار شهرياً، وتستخدم الذخائر الموجهة بشكل أساسي خلال القصف، ونسبة أقل من الذخائر غير الموجة، تلقيها بخاصة الطائرات الروسية، والطائرات العراقية.

كيف تجاوب التنظيم مع الضربات الجوية ضده؟

يحتوي التنظيم عدداً كبيراً من الأشخاص المؤهلين عسكرياً وعلمياً، ما ساعده في تلافي تأثير الضربات الجوية للحد الأدنى، فلو أن أي جيش في المنطقة تعرض لنفس الحملة الجوية ضد التنظيم، لأنهار وتلاشي خلال أسابيع، لكن التنظيم طور تكتيكاته وأساليب عمله وانتشاره وتنقله وقتاله، بحيث تمتص الضربات الجوية وتخفف أثرها.

فقد انتقل من القتال في المناطق الصحراوية المكشوفة، إلى القتال في المدن والمناطق الحضرية، التي يسهل الدفاع عنها وتتمتع بقدرة على حجب وسائل الاستطلاع المختلفة، إضافة لنشر عناصره على مساحات واسعة خلال المعارك وفي المناطق التي ينتشر فيها، ما يخفف من فاعلية عمليات القصف المختلفة، ويستنزف التحالف ويرفع فاتورة القصف التي يستخدم فيها الذخائر الذكية بشكل أساسي، والتي أعلنت كلا من فرنسا والولايات المتحدة عن نقص كبير في مخزوناتهما منها بسبب عمليات قصف التنظيم.

الانكماش

مع بداية الحلف الدولي ضد التنظيم، والذي أطلق حملة جوية لضربه، ترافقت مع تقدم قوى برية للسيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، بدأت المساحات التي يسيطر عليها التنظيم بالانكماش والتراجع، خاصة بسبب القصف الجوي العنيف الذي تعرض له التنظيم، والذي شاركت فيه عشرات الطائرات من عدة دول، في حين تقدمت قوات على الأرض مشكلة من ميليشيات كردية "الوحدات الكردية" في سوريا وشيعية "الحشد الشعبي" في العراق بعد عمليات القصف العنيف هذه للسيطرة عليها.

خلال مراحل انكماش المناطق التي يسيطر عليها خسر التنظيم مدن
تكريت، والرمادي وسنجار" في العراق، وتل تمر والشدادي وتل أبيض وتدمر في سوريا.

حيث تقلصت المساحات التي يسيطر عليها التنظيم بشكل واضح، مع توزيع الضغط العسكري عليه من مختلف الجهات، واستنزافه في العديد من المعارك.

ويعود انكماش مساحات سيطرة التنظيم المستمر، كونه مشتت ويقاتل على عدة جبهات، ضد ست قوى مدعومة بغطاء جوي كثيف جداً، وإمداد غير محدود، وكل فترة تفتح جبهة ضده تتسبب بتشتيت قواته، وتثبيت قسم منها مقابل تلك الجبهة.

إضافة إلى استراتيجيته القتالية التي انتهجها بعد معركة عين العرب، والتي لا تشترط التمسك بالمناطق، بل الانسحاب من أي منطقة بمجرد شعوره بقرب خسارتها، في توفير لقدراته ومقاتليه، وقد تكون تدمر أوضح مثال على ذلك.

التمترس في المدن

يبدو أن التنظيم اتجه لمرحلة التمترس داخل المدن الكبرى والحيوية، الأمر الذي بدا واضحا خلال الأشهر الماضية، وما الانسحابات من قرى مدينة منبج إلا تأكيد على أن التنظيم اتجه نحو خطة جديدة تقضي بالانسحاب من القرى والبلدات النائية لسهولة استهدافها من قبل الطيران، وكذلك الانسحاب من المساحات المكشوفة لصالح القتال في المدن الكبرى، وهذا ما كشفه الناطق باسم التنظيم "أبو محمد العدناني" عندما قال لعناصر التنظيم "اليوم دخلتم مرحلة جديدة من مراحل الصراع، فقد عدتم إلى المدن ومسكتم الأرض، وليقتل أحدكم ألف مرة قبل أن يفكر في الرجوع إلى الوراء".

هل التنظيم صنيعة جهة ما؟

إن النظر في الظروف التي مر بها الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، ومقدار الديكتاتورية الهدامة التي تعرضت لها الشعوب في المنطقة، يدرك تماماً حتمية بروز رد فعل عنيف على الكبت متعدد الأوجه، الذي مارسته الأنظمة القمعية في البلدان العربية المختلفة، والجمهوريات السوفيتية السابقة، والتي يشكل المقاتلون من هذين المصدرين عماد التنظيم وقوته الضاربة.

فقد مرت المنطقة بجملة من الحروب بداية بنكبة فلسطين، مروراً بحرب أفغانستان، التي شهدت بروز التنظيمات الجهادية، التي دعمت غربياً بسبب متطلبات الحرب الباردة وما تلاها من شيطنة تلك التنظيمات والهجوم عليها، إضافة للحكم الديكتاتوري القمعي الذي مارسته الأنظمة في المنطقة والتي حاربت مواطنيها في كل النواحي من اقتصادية وفكرية وعقائدية، وقد تكون أحداث الثمانينيات في سوريا المثال الأوضح في هذا المجال، إضافة لحربي الشيشان وداغستان، اللتين لا تختلفان كثيراً عن الحرب في سوريا حالياً.

فالمنطقة الممتدة من أواسط أسيا شرقاً، إلى المحيط الأطلسي غرباً يمكن اعتبارها تربة خصبة لنشوء تنظيمات مشابهة، بسبب انعدام الأفق لوجود حل للوضع المتردي في كافة المجالات، خاصة الاضطهاد العقائدي الذي طفى على السطح بشكل فاضح مع الغزو الأمريكي، وتحييد السنة وتمكين الشيعة، وسلسلة المذابح وعمليات التهجير التي طالت السنة في العراق بداية ثم في سوريا مع بداية الحرب فيها.

كل هذه العوامل تساهم في نشأة هذه التنظيمات "العنيفة"، والتي تنشأ في المراحل التي يفقد فيها المجتمع الثقة بالقانون والنظام، ويبدأ البحث عن الخلاص من الظلم غير المبرر الذي يحيق به.

فالتنظيم لم ينشأ من فراغ بل هو نتيجة منطقية لجملة التداعيات في المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية وما سبقها، خصوصاً أن التنظيم يعتمد بشكل أساسي على صنف من المقاتلين العقائديين سواء الانغماسيين والانتحاريين، الذين لا يمكن تكوين الآلاف منهم بدون وجود مخزون فكري وعقل جمعي، قادر على تقبل فكرة القتال بتلك الطريقة، خصوصاً أن هذه الطرق في القتال ليست حكراً على التنظيم، بل موجودة حتى ضمن الفصائل المقاتلة الأخرى في سوريا.

لكن الأمر المؤكد في التنظيم هو استخدام الأنظمة لهذه التنظيمات عبر تسهيل نشوئها بهدف تخويف الغرب منها واستمرار الحاجة لوجود تلك الأنظمة، إضافة إلى  مستوى الاختراق الاستخباراتي، والذي تظهر الكثير من الحقائق عنه بطرق متعددة، سواء الأفراد الذين يعودون لمناصبهم بعد انتهاء مهماتهم في اختراق التنظيم، أو الأشخاص الذين يكتشفهم التنظيم نفسه ويعدمهم، أو كم عمليات الاغتيال الدقيقة التي تستهدف قيادات التنظيم، ومستوى الخرق الأمني الذي يسمح بالحصول على معلومات بهذه الحساسية.

حيث يمكن أن يصل مستوى الاختراق لمناصب حساسة، تؤثر في تصرفات التنظيم وحتى استراتيجياته على المستوى العسكري، أو حتى على مستوى التعامل مع المدنيين، وحتى في تبني التنظيم عمليات تكون من تنفيذ جهات أخرى.

مستقبل التنظيم

من المبكر جداً وصف مستقبل التنظيم، فالتنظيم ليس حادثة طارئة في الشرق الأوسط، بل هو نتيجة لحكم ديكتاتوري مارس القمع العقائدي والفكري، والذي توج بالغزو الأمريكي للمنطقة، لكن الممارسات التي كانت تنفذها تلك الأنظمة تعتبر بسيطة جداً مقارنة بممارسات القوى المدعومة غربياً، من ميليشيات كردية وجيش الأسد والجيش العراقي والحشد الشيعي والميليشيات الافغانية والحرس الثوري وغيرهم.

فملايين النازحين الذين ولدتهم الحرب على "الإرهاب"، الذين سيعيشون مشردين هائمين في المخيمات وفي دول الشتات، والذين هجرتهم عمليات التطهير العرقي والطائفي الممنهجة، أثناء عمليات القضاء على "الإرهاب" سيشكلون بيئة مناسبة لإعادة تشكل التنظيم مستقبلا.

وعلى نفس النمط الذي يعتبر فيه عناصر القاعدة من الجيليين الثاني والثالث أشخاصاً أكثر شراسة من سابقيهم من المؤسسين، قد يكون عناصر الجيل الثاني والثالث من تنظيم الدولة أكثر شراسة من سابقيهم.

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا