شهر كامل مضى مخضب بالدماء؛ لم تغب خلاله غوطة دمشق الشرقية عن نشرات الأخبار المستعجلة، التي تحدد أرقاماً لعدد الشهداء والجرحى، هنا لا يهمها ما ذا يحل بالناس بعد ذلك، ولا تصف صرخاتهم أو آهاتهم، ولا تعرف شيئاً مما يحصل في غرف العمليات، ولا في المقابر، حيث توارى الأفراح والذكريات ثرى حرثته حرب نظام الأسد بقذائف الدبابات والمدفعية وصواريخ الطيران وبراميله.
وتغص غرف العمليات في المشافي الميدانية والنقاط الطبية، بمئات القصص المؤلمة، تكشف حجم الفاجعة، التي يعيشها سكان مدن الغوطة الشرقية وبلداتها، مع كل مجزرة يرتكبها نظام بشار الأسد، فيتدفق الدم والأشلاء نحو هذه الغرف حيث يحاول الأطباء إنقاذ أرواحاً تعمد من ينصب نفسه حاكماً، إزهاقها.
ويروي أحد الأطباء من "المكتب الطبي الموحد لمدينة دوما وما حولها"، مذكراته في غرفة العمليات، فيقول: "وقت المجزرة في مدينة دوما، كنت في غرفة العمليات أجري عملية فتح صدر لأحد المرضى الكبار في السن بسبب نزف ناتج عن شظية اخترقت الصدر الأيمن والأيسر وأثناء السيطرة على النزف وإذ بالطبيب الأخر ينادي هناك طفلة مع جرح فوق القلب والطفلة بحالة حرجة جداً ...".
الطبيب والجراح الوحيد في المكان، وضع بين خيارين وقراره يجب أن يصدر خلال دقائق، وربما بضع ثواني، ليس الحديث هنا عن سيناريو فيلم روائي، ولا قصة من نسج خيال، إنها من واقع مجازر تعيشها غوطة دمشق كل يوم، يقول الطبيب: " بدون وجود جراح صدرية أخر فلا مجال إلا للاختيار بين المريض المسن النازف بين يدي وبين تلك الملاك التي تلفظ انفاسها أمامي .... كان الاختبار صعب ولكن قررت خلال لحظات ترك المريض المسن بعد الطلب من الممرض المساعد بالضغط مكان النزف لإيقافه قدر المستطاع "، وهنا يكشف كلام الجراح ما تعانيه المشافي الميداني هناك من شح في الإمكانيات والكوادر الطبية المتخصصة.
وتابع الطبيب سرد مذكراته: "في هذه الاثناء وضعت الطفلة على طاولة مؤقتة في الممرات بين غرف العمليات وتم التخدير وفتح الصدر مباشرة ثم السيطرة على النزف وخياطة جرح القلب .... ثم تركت الصدر مفتوحاً وركضت باتجاه المسن، فوجدته قد فارق الحياة عدت إلى الطفلة وأنا ابكي وأدعو الله ان تنجو حتى لا أكون قد خسرت المريضين، والحمد لله الطفلة الآن بحالة جيدة".
أنقذ الطبيب الطفلة، لأنه يريد ان يزرع الامل في حياة السوريين، رغم ما يملكه من إمكانات ضعيفة، بينما تقدم له عمّ الطفلة بالشكر، فقال له: "سلام خاص من عم الطفلة ومن أسرة الطفلة إلى الدكتور الذي أجرى العملية وتحية له من القلب، شكرًا لجهودك يا دكتور".
أطفال كثر لم يحالفهم الحظ في الوصول إلى الطبيب، فقظوا تحت أنقاض منازلهم وفي طريق الإسعاف او حتى في ممرات المشافي، التي تتحول إلى برك من دماء، جراء وضع المصابين فيها، نتيجة عدم توفر أسرة كافية تستوعب أعداد المصابين الواردة إلى المشافي.
وقالت تنسيقية دوما، معاتبة إنسانية العالم الانتقائية، قائل: «الغارقون تحت أنقاض منازلهم المدمّرة ببراميل إرهاب الأسد ليس هناك من يأبه لهم، ولا لأجسادهم المطحونة تحت الرّكام، بل إن الجميع يباركون ذلك بصمتهم لتستمر إبادة من تبقّى من الشعب السوريّ ..».
وأوردت تنسيقية الثورة في دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية، إحصائية المجازر في ريف دمشق منذ بداية عام 2015، حيث وصل عدد المجازر التي ارتكبت على يد قوات النظام وحلفائها في ريف دمشق، منذ مطلع عام/ 2015 م، إلى /65/ مجزرة، استهدفت بشكل مباشر الأسواق الشعبية والتجمعات السكنية الخاصة بالمدنيين الواقعة خارج سيطرة قوات النظام، حسب التنسيقية.
وأوضحت الإحصائية، المقاتلات الحربية الدور الأكبر في ارتكاب هذه المجازر، إضافة إلى استخدام صواريخ "أرض-أرض" متوسطة وبعيدة المدى فيما استخدم أيضًا المدفعية الثقيلة ومدافع الهاون، حيث بلغ عدد ضحايا المجازر في ريف دمشق إلى /963/ منهم /201/ طفل و/150/ سيدة، مشيرة إلى أن عدد المجازر المرتكبة في الغوطة الشرقية بلغ /53/ مجزرة فيما ارتكب /9/ مجازر في الغوطة الغربية إضافة إلى ارتكاب ثلاث مجازر في القلمون، وكان لمدينة دوما النصيب الأكبر في تلك المجازر، والتي بلغ عددها /24/ مجزرة يليها عربين التي ارتكب فيها /7/ مجازر.
وتصاعد حملة قوات النظام وطائرات ضد مدن وبلدات الغوطة مؤخراً، بعد فشل المفاوضات بين إيران نيابة عن قوات النظام وحزب الله من طرف وبين حركة أحرار الشام نيابة عن ثوار الزبداني، بشأن وقف القتال في ريف دمشق وبلدات كفريا والفوعة بريف إدلب.