من قتل الربيع العربي؟ - It's Over 9000!

من قتل الربيع العربي؟

War on Rocks – (ترجمة بلدي نيوز)

في يوم 19 أيار من عام 2011، وقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما في غرفة "بن فرانكلين" المزخرفة، في الطابق الثامن لوزارة الخارجية، داعياً إلى تغيير واسع في نهج المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط، موضحاً بأنه يساند الإصلاح السياسي والاقتصادي، وذلك بردّ منه على الأشهر الستة الأولى من الربيع العربي، كما أكد وجود مصالح أمنية مستمرة لأميركا في منطقة الشرق الأوسط، واعترف بأن المظالم المتراكمة على مواطني البلاد العربية ستقوم بزيادة الشكوك التي اقترحت لسنوات بأن الولايات المتحدة تسعى لتأمين مصالحها على حسابهم، وقد أشار ذلك الخطاب لتشخيص حاد لهذه المشكلة ورغبة أمريكية بعدم استخدام أي قسوة كانت، وتم تفسير ذلك الخطاب على نطاق واسع، بأنه البديل الدرامي البعيد عن الحذر "الأوبامي" المألوف والبراغماتي، كما لاحظ العديد من المعلقين والمحللين حماسة ذلك الخطاب.

في ذلك الوقت، كان الربيع العربي لا يزال ينظر إليه باعتباره سبباً للتفاؤل بالنسبة للعديدين، ومن ثم كان هنالك تنسيق معين في البيت الأبيض إزاء تلك التحولات في ذلك الوقت، ذكّرت الكثيرين إلى تلك الأيام العنيفة من عام 1989، عندما تم هدم الجدار الفاصل في ألمانيا، معلناً بذلك عن انتهاء الحرب الباردة، وكما صرّح أوباما في غضون الأسابيع التي سبقت الخطاب، بأنه يريد قول الحقيقة حول ما كان يحدث، وكيف أن هنالك حاجة للولايات المتحدة لاحتضان هذا التحول وتغيير نهجها.

وفي نهاية كلمته التي ألقاها، ذكر أوباما حينها ثلاثة أماكن عن غير قصد، تنبأ فيها بالتحديات القادمة، وعلى الرغم من كل الشكوك، فقد أراد أن يذكر بالأسباب التي تدفع للتفاؤل من تلك الأحداث، فقد أشار إلى أمثلة من مدينة بنغازي الليبية، في تلك اللحظة التي تحميها الطائرات الأمريكية والحليفة، مهاجمة قوات القذافي، كما تحدث عن الشباب المصريين الذين نزلوا واعتصموا في ميدان التحرير في مصر للمطالبة بالتغيير السياسي، وعن المحتجين في سوريا، الذين تحدوا الرصاص وهم يرددون "سلمية، سلمية"، في مايو 2011، هذه الأمثلة كانت ترمز لإمكانية الثورة، وكانت ثقته الحذرة تبدو معقولة، ولكن وفي السنوات القادمة، كانت هذه الأماكن الثلاثة الأهم التي ذكرها -ليبيا، مصر وسوريا- حيث توفي الربيع العربي.

قصة كيف حدث هذا كله، كان بالفعل قد ظهر في نتاج كتب كثيرة، ولكنني أستطيع الآن أن أفكر في كتاب واحد يعتبر الأفضل لمارك لينش "الحروب العربية الجديدة" ذلك الكتاب الرصين، ذو الرؤية الثاقبة والنقد الذاتي، فقد أوضح هذا الكتاب الحسابات السياسية لما بعد الفوضى المتشابكة للشرق الأوسط اليوم، لينش أستاذ العلوم السياسية الكبير في جامعة جورج واشنطن، كان واحداً من الأشخاص ذوي المعرفة، الذين استطاعوا إيصالنا لمفهوم مجريات الأحداث، بإلقائه الضوء على ما يحدث تفصيلاً في العالم العربي، فقد منحنا تشريحاً كاملاً، لا غنى عنه عن مجريات الربيع العربي، كما لخصها أيضا بالنكسة الأكبر والأبلغ والأشد لحكمة واشنطن في الشرق الأوسط، والتي دعاها أوباما بعبارته الشهيرة "قواعد اللعبة الممارسة".

إن التفكير في هذا الأمر بكونه تقرير" ما بعد موت الربيع العربي" يعتبر مناسباً، لأنه عند قراءة هذا الكتاب تذكرت كتابات السفير السابق للولايات المتحدة إلى يوغوسلافيا، وارن زيمرمان، حينما كتب عن تفكك هذا البلد وانزلاقه نحو العنف الدامي في وقت مبكر من تسعينيات القرن المنصرم، وذلك في برقيته النهائية لواشنطن في شهر مايو من عام 1992، لقد وصف في كتاب زيمرمان وبالضبط قبل 19 سنة من خطاب أوباما عن الربيع العربي- أسباب وفاة يوغوسلافيا باستخدام قافية لرواية للأطفال بعنوان "من قتل الديك روبن؟" وصف بسيط ومؤثر على حد سواء، وعلى ما يبدو الوسيلة الواضحة والمناسبة لتقييم تلك الحكاية مأساوية.

من الذي قتل الديك روبن؟

أنا، قال سبارو

بقوسي وسهمي

أنا قتلت الديك روبن.

إن لينش في كتابه، يوضح بأن الأنظمة الاستبدادية العربية هي من أطلقت بسهمها- في الواقع، بسهميها - على قلب الربيع العربي، أولاً من خلال فشلها في الحكم بشكل فعال على مدى عقود سبقت، وبالتالي عدم قدرتها على تلبية تطلعات شعوبها لحياة أفضل، كما ساعدت في خلق الظروف الملائمة لمزيد من الطائفية والتطرف والسخط الشعبي الذي أشعل تلك الانتفاضات بشعلة واحدة في عام 2011، بينما قامت تلك الأنظمة بإطلاق سهمها الثاني، بضخ الأسلحة والأموال إلى كل من ليبيا وسوريا ودعم إنقلاب السيسي في مصر وتشييد نظامه، وكما يكتب لينش فإن الانتفاضات لا تفشل بسبب وجود الإسلاميين أو عدم استعداد المجتمع العربي للديمقراطية، ولكن وفي المقام الأول "لأن الأنظمة التي تحدّتها تلك الانتفاضات، قامت بقتلها".

إن أحد نقاط القوة العظيمة لكتاب لينش هي استطاعته بأن ينسج السياق الإقليمي والدولي الذي كشفته هذه الثورات، فقد كان الربيع العربي ظاهرة عابرة للحدود حقاً، و ما حدث لم يكن قد تشكل من قبل قوى معينة تخص كل بلد على حدة، و لم يكن حصراً على بلد واحدة بطبيعة الحال، إذ يصف لينش أربعة صراعات متداخلة كانت ذات تأثير كبير في مجرى الأحداث: أولا المنافسة ما بين المملكة العربية السعودية وإيران، ثانيا الصراع على الزعامة في العالم العربي السني ما بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، ثالثاً الكفاح من أجل الهيمنة على مستوى الشريحة السياسة الإسلامية، من جماعة الإخوان المسلمين لتنظيم القاعدة و تنظيم "داعش"، رابعاً الصراع الإقليمي الأوسع ما بين الأنظمة الاستبدادية والمجتمعات المعبئة المضغوطة، إن مزيج تلك الصراعات يساعد في تفسير قوس الانهيار الإقليمي، حيث يخلص لينش للقول بأن "الثورات العربية بدأت بالتوسع خارج الحدود الوطنية، و انتهى بها المطاف بالقمع خارج الحدود الوطنية، وولادة حروب عابرة للحدود الوطنية".

- من رآه وهو يموت؟

-أنا، قال الطائر

بعيني الصغيرة

لقد رأيته يموت.

لقد كان لوفاة الربيع العربي العديد من الشهود، أبرزها الولايات المتحدة، بينما يجادل لينش وبشكل مقنع بأن جهود أوباما لتغيير دور أميركا في المنطقة- أو بشكل أكثر دقة، بالتراجع عن أخطاء إدارة جورج دبليو بوش، كان يعود لخوف من واقع لا مفر منه من معارك قد تعبر حدود الربيع العربي.

ليس هنالك أي شك في أن جميع التحالفات القديمة للولايات المتحدة كانت قد اهتزت بسبب التغيرات السياسية الأخيرة لإدارة أوباما- سواء أكان ذلك يعود لتعامل واشنطن مباشرة (وأحيانا سراً) مع إيران لإتمام الصفقة النووية، أو في رغبتها بتنحي مبارك في مصر (بينما يتصور لينش بأن واشنطن ضغطت عليه للخروج)، أو عدم الرغبة في التدخل بأي شكل في سوريا و إخراج الأسد، أو الخلافات السياسية المريرة ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل والتي هي الآن في أعلى مستوياتها، وبالنظر إلى أبعاد السياسات الأمريكية المتبعة في المنطقة فإن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي قلقون من أن استقلال الطاقة الأمريكية يعني بأن لديهم ضغط أقل على واشنطن، وأن استراتيجية "إعادة التوازن" لآسيا أصبح أقل من أولويات الإدارة الأمريكية، ولا يستدعي ذلك الحرص والاهتمام، وعلاوة على ذلك، فقد لاحظ لينش، بأن التركيز على الإصلاح السياسي- والذي تحدث عنه أوباما في مايو عام 2011 وبتشديد، كان له تأثيره المضاد كلياً، والذي أدى إلى مضاعفة مقاومة القادة العرب المستمرة للتغيير الديمقراطي، فضلاً عن شكوكهم في الولايات المتحدة.

ولكن هل إجراءات واشنطن أو امتناعها عن التدخل، مسؤولة لحد ما عن الاضطرابات التي نراها اليوم؟ يجيب لينش على هذا السؤال بشكل قد يستفز القراء، بدحضه للرواية السائدة بأن الانخراط الأكبر للولايات المتحدة في كل من ليبيا وسوريا لربما قد يساعد بشكل أو بآخر، فإنه يجد بأن ذلك سيكون قد قضى على الاستقرار، إذ أنه يقول برأيه بأن التدخل الأكبر للولايات المتحدة، وما إذا كان ذلك يعني إبقاء القوات الأمريكية في العراق ما بعد عام 2011، أو تسليح الثوار السوريين بأسلحة ثقيلة، أو نقض اعتراضات الحكومة الليبية ونشر قوات حفظ السلام الامريكية هناك بعد سقوط القذافي، من شأنه أن يجعل الأمور تزداد سوءاً، إذ أن لينش يشكك في أن الولايات المتحدة يمكنها أن تفعل الكثير لتؤثر على نتائج أفضل في أي من هذه الأزمات.

وبهذه الطريقة، فإن لينش يقدم دفاعاً جريئا لنهج أوباما المتبع اتجاه الشرق الأوسط، وبالنسبة إلى الوضع في سوريا، يخاطب لينش النقاد الذين يقيمون سلبية أوباما في سوريا بالنظر إليها على نفس مستوى التدخل الأمريكي لبوش في العراق، وعلى الرغم من أن كل الرؤساء هم تحت طائلة المسؤولية بالتساوي بالنسبة للاضطرابات المخلفة في المنطقة، فهنالك أخطاء كبرى لأوباما أيضاً، وكما يشير لينش بوجود مشكلة في دائرة النقاش في واشنطن مطلقاً عليها اسم "انهيار السياسة الخارجية، لقواعد اللعبة التي تمارسها واشنطن،"، وكما يخلص لينش بأنه "لربما كانت أكبر خطيئة لأوباما في نظر واشنطن هي الإجماع بأنه قد تعلم دروسه السياسية من العراق".

-من سيقوم بحفر قبره؟

-أنا، قالت البومة

بمخالبي الصغيرة

سأقوم بحفر قبره.

لقد دفن العديد من حفاري القبور الربيع العربي، بعلل اقتصادية واجتماعية عميقة، وقادة غير فعالين، وضعف في المؤسسات ووجود الجماعات المتطرفة، ولكن الدور الرئيسي بحق هو دور سياسات القوى الإقليمية، إذ لعبت دوراً ضخماً في التنافس ما بين القوى في كل ركن من أركان العالم العربي، وكما يصف لينش "إن كل تلك الحروب التي تمزق الدول العربية قد شكلت بعمق تدفقات عابرة للحدود من المال، والمعلومات، والأشخاص، والأسلحة".

لقد أصبحت دول مثل مصر والتي كانت تنافس سابقاً لقيادة إقليمية في المنطقة، ساحة لتلك الصراعات، ليبيا التي نالت ومنذ البداية الإجماع غير العادي ما بين الدول العربية للتدخل العسكري (بوجود قطر لتولي زمام دفع مستحقات ذلك التدخل)، فضلاً عن انعكاسات المعايير الإقليمية طويلة الأمد لـ"احترام السيادة" وعدم التدخل، والتي أدت الى حرب بالوكالة لمختلف البلدان بدعم ميليشيات مختلفة في سوريا، والتي كانت منذ البداية مرجلاً للمنافسات الإقليمية، والتي ستعيش مع عواقبها الوخيمة لأجيال قادمة.

ولمرة أخرى تفاقمت هذه الصراعات على السلطة بسبب الخلافات ما بين واشنطن وأقرب شركائها الإقليميين، وفي بعض الأحيان يذهب لينش بعيدا جدا للقول مؤكداً بشكل قاطع بأن الولايات المتحدة "ليس لديها أي حليف حقيقي" في الشرق الأوسط، مطلقاً عليها اسم "المتقشف الوحيد" - والتي تبدو كطريقة أخرى لوصف الانسحاب الاستراتيجي لأمريكا من المنطقة، في حين أن بعض هذه العلاقات والتي يصفها أوباما بال"معقدة"، تخدم مصالح الولايات المتحدة الأساسية، وعلى الرغم من أسطورة فك الارتباط الأميركي من المنطقة، فإنها وفي نواح كثيرة تقوم بها الآن أكثر من أي وقت مضى.

إن هنالك أسباب ومصالح كثيرة لكون الإدارة قد وضعت سابقاً الكثير من العروض ذات النطاق الدبلوماسي المتردد، ورأس المال السياسي، والقوة العسكرية لصنع حلفاء مثل إسرائيل وشركاء إقليميين أقوى في الخليج، ولكن وفي الوقت نفسه، وخلال السنوات السبع الماضية، قبل وبعد الربيع العربي على حد سواء، تم اختبار هذه العلاقات من خلال تباين أولويات السياسة الأمريكية المتبعة، وتغيير أهدافها، وسواء أكانت القضية عن كيفية التعامل مع إيران أو كيفية التعامل مع الأسد، فإن أقرب شركاء واشنطن في كثير من الأحيان كانوا قد اختلفوا مع استراتيجيات وأهداف البيت الأبيض، وكما يشرح لينش، فقد انتابهم الإحباط الشديد ليس بسبب ضعف أوباما المزعوم، ولكن بسبب قوته في عدم تغيير اتجاهه السياسي على الرغم من الضغوط الكبيرة عليه.

-من سيكون رئيس المعزين؟

-أنا، قالت الحمامة،

حداداً على حبي

سأكون كبيرة المعزين.

وبالنظر إلى حجم الإرهاب والمشقة والمأساة التي هزت الشرق الأوسط منذ عام 2011، والذي يفسر كيفية انتشار تلك الصراعات إلى أماكن أخرى، وخاصة في أوروبا والتي قد تبدو مائلة للاعتقاد بأن الربيع العربي لديه عدد قليل جداً من الذين سيأسفون عليه، لربما نعتقد بأنه كان يمكن أن يكون الوضع أفضل حالاً لو لم يحدث ذلك، وإن استطاعت المنطقة العودة إلى الوضع السابق الذي كان قائماً، ومع ذلك، فإنه من المستحيل أن ينتهي كتاب لينش بالحنين إلى النظام القديم وبدلاً من ذلك، فإنه حزين وآسف على إمكانية أن تذهب وعود الربيع العربي، وآمال وطموحات أولئك الملايين من المواطنين الثائرين في جميع أنحاء المنطقة، والذين وقفوا في وجه الطغيان آملين بشكل أكبر بحرية وحياة أفضل.

جميع طيور السماء

سقطت-تنهدت وانتحبت،

عندما سمعت رنين الجرس

مشيراً لموت ...

الديك المسكين روبن.

-ديريك كوليت، مؤلف كتاب "اللعبة الطويلة- كيف تحدى أوباما واشنطن بإعادة تعريف الدور الأمريكي في العالم."، في عهد إدارة أوباما خدم كوليت في وزارة الخارجية في البيت الأبيض، ووزارة الدفاع، ويشغل حاليا منصب المشرف على صندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

صحيفة غربية: تركيا تعرض على امريكا تولي ملف التظيم مقابل التخلي عن "قسد"

بدرسون يصل دمشق لإعادة تفعيل اجتماعات اللجنة الدستورية

خالفت الرواية الرسمية.. صفحات موالية تنعى أكثر من 100 قتيل بالغارات الإسرائيلية على تدمر

توغل إسرائيلي جديد في الأراضي السورية

ميليشيا إيرانية تختطف نازحين من شمالي حلب

أردوغان: مستعدون لما بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا