بلدي نيوز
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا مطولا عن رحلة مواطن سوري من سجون دمشق إلى حياة اللجوء في ألمانيا، حيث بدأ ملحمة أخرى في ردهات المحاكم رافعا دعاوى قضائية ضد نظام بشار الأسد بتهم تتعلق بارتكابه جرائم حرب.
تقول الصحيفة، في تقرير للكاتبة إيما غراهام هاريسون، إن المحامي أنور البني نذر حياته للدفاع عن حقوق الإنسان في بلده، سوريا.
ولم يكن مضى على وجود البني في منفاه بألمانيا سوى شهرين عندما وجد نفسه وجها لوجه داخل متجر تركي في برلين أمام الرجل الذي كان قد استجوبه في سوريا، وأودعه في السجن قرابة عقد من الزمان. كان هو وسجانه السابق يتسوّقان في المتجر القريب من بوابات مخيم مارينفلد للاجئين في برلين الغربية.
والبنّي محامٍ ظل يدافع عن حقوق الإنسان ويحارب النظام في المحاكم لأكثر من 3 عقود، وقضى سنوات عديدة في السجون، لما سبّبه من قلق لحكومة النظام، وكان ضمن شبكة من الزملاء والأصدقاء والمعارضين السابقين.
ويقول البنّي، وهو يعود بذاكرته إلى الوراء "كنت برفقة زوجتي (أثناء تبضعنا في المتجر التركي) عندما أسررت لها في أذنها "إنني أعرف هذا الرجل"، لكنني لم أستطع تذكره جيدا. وبعد بضعة أيام أخبرني صديق لي قائلا "ألم تعرف أن أنور رسلان يقيم معكم في مخيم مارينفلد؟"، "عندها فقط أدركت الأمر".
وتقول "هاريسون" في تقريرها، إن فارق السن بين الأنورين (البني ورسلان) 4 سنوات، ودرس كلاهما القانون لكنهما اختارا الانحياز إلى طرفين متناقضين في ظل النظام السياسي "الاستبدادي" في سوريا. وأصبح رسلان ضابط شرطة قبل أن يتحول إلى العمل في جهاز الاستخبارات، وهناك ساهم في احتجاز البني.
وحين التقى البني بالصدفة برسلان، كان ينكب على دراسة ملفات قانونية مواصلا، على البعد، نضاله ضد الدولة السورية ومن أساؤوا معاملة الناس فيها.
وما كان ثمة ظن أن دروب الرجلين (البني ورسلان) تلتقي مرة أخرى بعد 4 سنوات، وستتبدل أدوارهما حيث كان القضاء الألماني يتأهب للنظر في دعوى قانونية شهيرة. أما البني فقد انهمك في الأثناء في مساعدة النيابة العامة الألمانية في حين يواجه رسلان عقوبة السجن.
وفي حزيران الماضي صعد البني إلى منصة الشهود في قاعة المحكمة للإدلاء بتفاصيل عن الأهوال والإجراءات البيروقراطية في سجون الأسد، وغرف التعذيب التي يعرفها جيدا من واقع خبرته.
وأصبح رسلان بعد قرابة 10 سنوات على اندلاع الحرب في سوريا، أول شخص في العالم يمثل أمام القضاء في تهم تتعلق بتعذيب وقتل مدنيين تحت رعاية الدولة خلال الصراع المحتدم هناك.
وساعد البني، الذي وصفه تقرير غارديان أنه كان شوكة في خاصرة المسؤولين في النظام، السلطات الألمانية في العثور على شهود أبدوا استعدادهم للإدلاء بشهاداتهم أمام المحاكم.
ويواجه رسلان، وهو عقيد سابق في المخابرات السورية، تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في السنوات الأولى من نشوب الصراع قبل انشقاقه عن النظام عام 2012. وكان يعمل وقتئذ في الاستخبارات العسكرية حيث قيل إنه كان يترأس وحدة تحقيقات تابعة للفرع 251 "سيئ السمعة" والسجن الملحق به.
وتزعم صحيفة الاتهام الموجه ضد أرسلان، أن ما يربو على 4 آلاف شخص ذاقوا مرارة التعذيب في السجن خلال تلك المدة، وقضى أكثر من 58 معتقلا نحبه.
وبدأت محاكمة رسلان في 23 نيسان الماضي، أمام هيئة مؤلفة من 3 قضاة بمدينة كوبلنز التاريخية، ويتوقع أن تستغرق المحاكمة عاما ونيف. ويحاكم معه ضابط سابق في المخابرات السورية يدعى إياد الغريب، الذي عمل تحت إمرة رسلان في دمشق.
ووصفت صحيفة الغارديان المحاكمة بأنها "لحظة تاريخية"، ولا تُعد محاكمة رسلان المحاولة الأولى لتقديم الطبقة الحاكمة في سوريا إلى القضاء، فسبق أن أصدرت بعض الحكومات الغربية مذكرات اعتقال بحق شخصيات بارزة في نظام الأسد.
بيد أن نخب النظام والضباط العاملين بالخدمة لا يزالون في مأمن ما داموا داخل الأراضي السورية، ولم يسافروا إلا إلى الدول الحليفة لهم التي لن تقوم أبدا بتسليمهم.
وترى الصحيفة البريطانية أنه من غير المحتمل مثول بشار الأسد وزبانيته أمام محاكم محلية. ونظرا لأن سوريا ليست طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، فلن يتسنى لمدّعي هذه المحكمة ملاحقة حكومة النظام. ويمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة طلب فتح تحقيق، إلا أن محاولات من هذا القبيل أجهضتها روسيا والصين.
كما أخفقت دعوات أخرى بإنشاء محكمة خاصة، كتلك التي أُنشئت للنظر في دعاوى ارتكاب جرائم حرب في يوغسلافيا السابقة.
ولذلك تبقى المحاكم الوطنية هي السبيل الرئيس أمام الناجين في مساعيهم لتحميل أركان النظام السوري مسؤولية ما حدث لهم. وقد أدرجت دول مثل ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية في قوانينها مما يتيح لمحاكمها مقاضاة أي شخص على ارتكابه جريمة في أي مكان من العالم، إذا صُنفت على أنها خطرة بما يكفي.
المصدر: الجزيرة نت