بلدي نيوز | حلب - (يمان الخطيب)
بموازاة الصخب الإعلامي لمعركة كسر العظم بريف حلب الشمالي بين الثوار المدافعين عن مدنهم وقراهم، وتنظيم "الدولة" الساعي لفتح روما من بوابة مارع، اختفت أصوات دول العالم التي تبنت قتال التنظيم قبل عام من الآن.
في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، كان التنظيم قريباً من السيطرة على مدينة عين العرب – كوباني، وأحكم قبضته في وقت قياسي على ما يقارب الـ 300 قرية حول المدينة، منطلقاً من خاصرتها الشرقية.
آنذاك وجدت دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية أنّ التدخل العسكري في سوريا بات حاجة ملحة، لإيقاف زحف التنظيم باتجاه قرى ومدن الأقليات.
لم تجد الإدارة الأمريكية وقتها مشكلة فيما إذا كانت القوات الكردية الجناح العسكري لدول التحالف على الأرض السورية تحتاج لتدريبات أو أنها تعاني من الفرقة والتشرذم، فتجاوز أمريكا وحلفاؤها جميع تلك الخطوط التي كانت ذاتها سبباً في حجب السلاح والمساعدة عن الثوار في وقت مضى.
بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني، أعلنت وحدات الحماية الشعبية الكردية، سيطرتها على مدينة عين العرب، بعد معارك عنيفة استمرت عدة شهور بين التنظيم والوحدات، وكان لطيران التحالف وصناديق الأسلحة المتطورة التي تلقى للمقاتلين الأكراد جواً، الدور الأبرز في نتائج تلك المعركة وإلى ما آلت إليه، لتنطوي بذلك صفحة معركة عين العرب وما رافقها من أحداث وصخب إعلامي واختلافات بين الدول الإقليمية التي انقسمت بآرائها حول تقديم الدعم العسكري للتنظيمات الكردية ومنعه عن فصائل المعارضة السورية "المعتدلة".
تنظيم "الدولة" وبعد خسارته في عين العرب، أطلق معركة أراد من خلالها رفع معنويات عناصره المنهارة، فشن هجوماً كبيراً على مدن ريف حلب الشمالي، وسيطر أول فبراير/ شباط من هذا العام على بلدتي اخترين وتركمان بارح وقرية الغوز، دون أن تهرع طائرات التحالف لإيقاف تمدد التنظيم، أو أن نسمع بتصريحات وزراء خارجية الدول المنضوية تحت لواء التحالف الدولي التصريحات وإقامة المؤتمرات الصحفية، على خلفية التقدم الجديد للتنظيم، وكأن من يهاجم مدن ريف حلب ليس ذاته من هاجم قبل أشهر قليلة مدينة عين العرب، وقامت قائمة الدول لمحاربته!
لم ينفك الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن إطلاق حججه الواهية طيلة الأعوام الأربعة الماضية، حيال ممارسة إدارته الضغوط على أية دولة تطمح لتقديم الدعم للثوار في حربهم ضد نظام الأسد وتنظيم "الدولة"، بدعوى التشرذم وعدم التوحد ووجود مجموعات متشددة تقاتل إلى جانبهم.
أصرّت الإدارة الأمريكية على قرارها بعدم اتخاذ أي خطوة تصب في مصلحة الثوار، وكان آخرها طرح تركيا فرض منطقة آمنة أو "خالية من المخاطر" في الشمال السوري، حتى أنها فشلت -أي الإدارة الأمريكية- في حماية من دربتهم بمعسكراتها فور تخطيهم العتبة السورية، لتهاجمهم جبهة النصرة وتقضي على أكثر من نصفهم وتعتقل قائدهم العام العقيد "نديم حسن التركماني" وثمانية عناصر مرافقين له.
التنظيم يعيد الكرة الآن، ويحرز تقدماً كبيراً باتجاه المدن الكبرى بريف حلب الشمالي، وبحسب سير المعارك على الأرض فإن مدينة مارع معقل الثوار الأهم شمالاً، ومسقط رأس قائد لواء التوحيد السابق الشهيد عبد القادر الصالح، توشك على السقوط في أيدي التنظيم، ليصبح الريف الحلبي بين فكي كماشة، فلا يخفى على أحد التناغم الذي وصل لحد "الغزل" بين تنظيم "الدولة" ونظام الأسد، لاسيما في معارك الريف الشمالي، فما إن يطلق الثوار معركة ضد قوات النظام حتى يسارع التنظيم لإرسال المفخخات إلى مناطق سيطرة الثوار ومعركة باشكوي ومن قبلها معركة نبل والزهراء ليستا ببعيدتين.
ثمة لغز يصعب على من يعايش الحرب الدائرة في سوريا حلّه، فأكثر من ثماني وأربعين دولة تنضوي بحلف دولي لمقاتلة التنظيم، تتغاضى عن تقدمه في كثير من المناطق شمالاً وجنوباً، وتهرع لضربه في مناطق أخرى ليست ذات أهمية إذا ما قورنت بتقدمه الأخير بحلب أكبر مدن الشمال السوري.
والسؤال: على من تعول الدول المتحالفة بقتال تنظيم "الدولة" في سوريا؟ لا سيما بعد أن أثبتت الضربات الجوية عدم فعاليتها إذا ما كان هنالك قوات برية تتقدم على الأرض، وهل فعلاً تَكتُم الإدارة الأمريكية قراراً باطنياً اتخذته منفردة بعيدة عن حلفائها شملت فيه جميع الفصائل تحت بند "الفصائل المتشددة"؟