بلدي نيوز - (تركي المصطفى)
بعد تعليق روسيا تسيير الدوريات المشتركة مع تركيا على طريق "m4"، تضاعف القلق من حدوث كارثة تهدد ليس فقط مدينة إدلب ومحيطها المحرر؛ بل والدول الإقليمية والدول الأوربية المشاطئة للبحر المتوسط. الأمر يتعلق بـ "روسيا" التي تشكل قنبلة موقوتة شرق المتوسط لتأجيج الصراع على سوريا، إذ لا يمكن تخيل السيناريوهات المعدة بشأن ما قد يحل بمدينة إدلب ومحيطها، وانعكاس المخاطر على ملايين المواطنين، أكثر من نصفهم نازحون يعيشون في هذه المنطقة واكتوو بنار الحرب منذ سنوات وباتوا في قلب المحرقة التي تهدد بكارثة بشرية قد تتجاوز آثارها الإقليم وربما العالم.
ومع بدء كل عملية عسكرية روسية تعلن موسكو أن دواعي تحركاتها العسكرية تتصل بـ"استفزازات المسلحين"، بحسب ما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أول أمس الخميس، بأن تعليق الدوريات الروسية-التركية على طريق "حلب -اللاذقية" (M4) بسبب "استفزازات المسلحين المستمرة"، وفق زعمها. واتهمت زاخاروفا الفصائل في إدلب بشن هجوم بالطيران المسير على قاعدة حميميم في ريف اللاذقية، مضيفةً؛ أن المحاولات المستمرة لمهاجمة القاعدة الروسية في حميميم تثير القلق بشكل خاص. واعتبرت زاخاروفا أن "تحقيق استقرار دائم في منطقة خفض التصعيد في إدلب ممكن فقط إذا تم تحييد الإرهابيين". ويرى مراقبون أن القرار الروسي قد يكون مقدمة لجولة تصعيد محتملة في إدلب ومحيطها المحرر، خاصة بعد الحديث المتواتر عن حشود كبيرة لقوات النظام والميليشيات المتحالفة معها في تلك المنطقة. واستمرارها في خرق الاتفاق منذ إعلانه ومحاولة خرق تحصينات الفصائل في جبلي الأكراد والزاوية وعدم توقف القصف على مناطق عديدة أدت إلى تهجير جديد وتدمير ما تبقى من البنية التحتية.
هذه الادعاءات، ورقة ابتزاز كبيرة تهدد موسكو باستخدامها كذريعة في أية عمليات عسكرية سواء في حال تم الهجوم من فصائل المعارضة أو غير ذلك. مما يؤكد أن روسيا والمليشيات الإيرانية وتلك التابعة لنظام الأسد، لا يهمها، لا مصالح السوريين ولا يهمها الأمن الإقليمي أو الكوارث التي سيتسبب بها الحلف الروسي في حال وقوع العدوان.
ومنذ بداية شهر أبريل/نيسان من العام الجاري، دخلت المناطق المحررة خط المواجهة المسلحة، ولا تزال المناوشات على جميع المحاور في تمدد مستمر على خريطة المنطقة. أمام اشتعال المعارك وازدياد لهيبها طرأت تغيرات على نمط القتال وخططه وإمكانياته ومواقف الأطراف في التحالفات والتكتلات، وباتت مثار جدل حول تعثر فصائل الثورة المسلحة بعد تراجعها وانحيازها عن بعض مواقعها في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي بداية العام الجاري، وما يشكل تقدم الميليشيات الإيرانية من قوة دفع لعجلة الحرب وتأثيرا مهما في الجبهات الأخرى يجني ثمارها الروس في بسطهم السيطرة على منطقة جغرافية واسعة خارج إطار التفاهمات مع تركيا لوضعها تحت نفوذهم وصولا لهدفهم الرئيسي المتمثل في قضم ما تبقى من مناطق محررة.
يمكن وصف المنطقة المستهدفة بأنها الجزء الأكثر حساسية وتأثيرا باعتبارها بوابة الولوج إلى إدلب عبر ثلاثة محاور ريف اللاذقية الشمالي، ومنطقة سهل الغاب، وجبل الزاوية امتدادا لريف ادلب الشرقي. ومنها يمر الطريق الدولي "m4" الرابط بين حلب واللاذقية، وفي قلبها يقع مطار "تفتناز العسكري" أشهر مطار للطائرات الحوامة، وعلى أطرافها تقع قواعد الميليشيات الإيرانية في ريف حلب الجنوبي، ويتبع ذلك قيمة استراتيجيه وجيواستراتيجية للمنطقة من خلال تنوع تضاريسها بين الهضبية والسهلية الواسعة، مما أعطاها ميزة اقتصادية لها أهميتها الكبيرة في ظروف السلم والحرب.
لذلك من أبرز أولويات المعركة التي تحاول روسيا ومحاليفها الوصول إليها "تلال كبانة" في ريف اللاذقية الشمالي، وجبل الزاوية، ومطار تفتناز العسكري كهدف مرحلي للميليشيات الإيرانية. وتكمن أهمية المنطقة في كونها نقطة وصل وفصل جغرافي بين جنوب وشمال سورية وهو ما يضعها في خريطة من يسعى لتحقيق مكاسب عسكرية.
عسكريا: يكتسب طريق الـ "m4" أهمية استراتيجية كبيرة، ويعتبر التحكم بهذا الطريق تهديدا للتماسك والتأثير على أفكار القادة والمقاتلين، ويربك حساباتهم ويحد من خياراتهم، وحجم التأثير يتوقف على طبيعة التحكم به وطرق توظيفه.
هنا تجدر الإشارة إلى أن من بين ما تركز عليه روسيا إحكام القبضة على جبل الزاوية والسعي لإخضاع كامل المنطقة الواقعة جنوب الطريق الدولي بوصفها مساحة جغرافية شاسعة، ونقطة انطلاق باتجاه ما تبقى من مناطق تقع على ضفتي الـ"m4"، فيما تحاول الميليشيات الإيرانية الوصول إلى مطار تفتناز.
في ظل هذه المعطيات، يمكن تفسير التحركات العسكرية التي يشرف عليها الروس بمساندة الميليشيات الإيرانية وتلك التابعة لنظام الأسد.
إذ تكشف الحشودات الجارية قبل ثلاثة أشهر ونيف عن مخاطر كبيرة تواجه المناطق المحررة في حال عدم اتخاذ فصائل المعارضة المسلحة بمختلف تياراتها خطوات جادة نحو تنسيق عسكري عالي المستوى على الأرض، وتقديم خطط تكتيكية تستطيع بموجبها إيقاف الاندفاعة العدوانية على محاور الجبهات الممتدة من أطراف مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي مرورا بحبل الزاوية وصولا إلى "كبانة" في ريف اللاذقية الشمالي. ولا بد من رصد الحشودات والمناوشات اليومية وفق خطط تفرضها التطورات العسكرية على كل طرف، فالملاحظ أن فصائل المعارضة تحولت بعد تراجعها عن مساحة واسعة من المنطقة المحررة نهاية العام الماضي وبداية السنة الجارية من وضعية الهجوم إلى الدفاع والعمل على تطويره في حال اندلاع المعركة مما مهد عمليا لإيقاف الهجوم في تلال كبانة إذ تمكنت الفصائل من تحويل تقدم الميليشيات الروسية لحالة استنزاف ضمن محور يمتد من قرية الحدادة إلى تلال كبانة. وأما على محور جبل الزاوية تبدي فصائل المعارضة دفاعا مستميتا على هذا المحور رغم كثافة القصف المتواصل بكافة أصناف الأسلحة.
الهدف الرئيسي المرحلي في أجندة المهاجمين على هذا المحور؛ محاولة تقطيع مناطق سيطرة فصائل الثورة إلى جزر يسهل الإطباق عليها وحصارها بعدما تقدمت من عدة محاور بداية العام الجاري.
والمعركة في تفاعلاتها السياسية تقع تحت تأثير حسابات ومصالح إقليمية ودولية متضاربة، فتركيا أحد الأطراف الضامنة لاتفاق "موسكو" لا يمكن لها أن تدير ظهرها عما يفعله شريكها الروسي من استطالات في المناطق المحررة، وفي الصدد، قال خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمونوف لـ "كوميرسانت": "من شأن أي عملية عسكرية غير منسقة مع أنقرة، في التصدي للواقع الجديد في إدلب، أن تنطوي على مخاطر أكبر بكثير مما كانت عليه قبل الانتشار العسكري التركي في المنطقة. ولذلك، فإن نقل تعزيزات قوات الأسد والضربات الجوية الروسية على إدلب، لا يمكن اعتبارها حتى الآن سوى إشارة إلى تركيا لبذل كل ما في وسعها لتنفيذ اتفاق إنشاء منطقة أمنية".
لجأت أنقرة إلى ترتيب أولوياتها، تحسباً لنوايا موسكو، وذلك بإنشاء عشرات النقاط العسكرية كان آخرها نقطة تلة "الراقم" قرب "كبينة" بريف اللاذقية الشمالي بعد استقدامه تعزيزات عسكرية كبيرة، وأفاد مراسل بلدي نيوز، بأن النقطة الجديدة عززتها تركيا بآليات ثقيلة وعشرات الجنود وذلك بعد محاولات قوات النظام خلال الأيام القليلة الماضية التقدم ثلاث مرات للسيطرة على تلة الحدادة الاستراتيجية. وتعد تلة الحدادة نقطة استراتيجية باعتبارها تشرف على الأوتوستراد الممتد بين مدينتي جسر الشغور واللاذقية، والسيطرة عليها يعني سقوط المناطق الممتدة بين جبلي الأكراد والتركمان ناريا، فضلا عن قطع الأوتوستراد الدولي. وتأتي هذه التعزيزات العسكرية الضخمة وإنشاء نقاط مراقبة جديدة في إطار تعزيز قواتها وتوسيع نطاق وجودها في الداخل السوري وتحديدا في المناطق المحررة.
وبات من الواضح أن لروسيا أهداف في منطقة طريق الـ"m4" تخدم مصالحها، وهو يقوم في جانب منه على نشاط هذا الطريق الحيوي، بما يحقق لها تكاملا على الطرق الدولية، وبما يحد من نفوذ دول أخرى، وخاصة تركيا. ولكن قرار الحرب مرتبط بالعلاقات الروسية التركية المعقدة ويتصل بالملفات الشائكة المتعلقة بليبيا والاتفاقيات العسكرية والاقتصادية. ومع ذلك أمام التحشيد الذي ينتهجه الروس وحلفهم، والتحشيد الذي تقوم به تركيا ومعها فصائل المعارضة؛ يبدو أننا أمام "معركة تصادمية" وشيكة، ستشهدها محاور متعددة، فهل اقترب إعلان المعركة؟.
مع ما يبديه البعض من شكوك إزاء اقتراب المعركة، فالحشودات الكبيرة لأطراف المواجهة، ستحدث تحولا قريبا على الأرض، وبما أن فصائل المعارضة تتخذ وضعا دفاعيا أمام عدو يهاجمها. فتركيا تدرك جيدا، أن المنطقة المحررة تمثل صمام أمان لها في حال الصمود، وللحؤول دون إحداث أي اختراق من الجانب الروسي، حشدت تركيا ومعها فصائل المعارضة آلاف المقاتلين على محاور القتال، وكذلك أحكموا السيطرة على الطرقات ومصادر الإمداد. لتأمين المنطقة عسكريا، وهو ما يمثل تحولا في استراتيجية المواجهة بين روسيا وتركيا.