بلدي نيوز - إدلب (عمر قُصي)
شهدت محافظة إدلب منذ اتفاق الخامس من مارس/آذار الماضي المبرم بين روسيا وتركيا والقاضي بوقف العمليات العسكرية فيها، تهدئة جزئية تمثلت باستمرار قصف قوات النظام للقرى الواقعة على خط التماس مع فصائل المعارضة في جبل الزاوية جنوب إدلب وسهل الغاب بريف حماة.
واتبعت روسيا منذ بدء الحملة العسكرية على محافظة إدلب والأرياف المحيطة بها منتصف العام 2019 الفائت، سياسة "القضم التدريجي" والتي تقوم على تجزئة جبهات القتال والسيطرة عليها بشكل متتابع، متسلحة بالكثافة النارية والغطاء الجوي، أو ما يعرف باستراتيجية "الأرض المحروقة"، في حين لم تستطع فصائل المعارضة بإمكانياتها المحدودة مجابهة هذه الاستراتيجية، واتبعت أسلوب شن إغارات على مواقع النظام، وتنفيذ عمليات تفجير عربات مفخخة بهدف استنزافها، كما حصل في مدن "سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون" والعديد من المناطق في ريفي إدلب وحلب.
وأصدر فريق "منسقو استجابة سوريا" بداية شهر تموز/يوليو الجاري بياناً أكّد فيه، أن خروقات قوات النظام وروسيا لاتفاق وقف إطلاق النار بلغت 1064 خرقا خلال أربعة أشهر تشمل الاستهداف بالقذائف المدفعية والصاروخية والطائرات المسيرة، إضافة إلى استخدام الطائرات الحربية الروسية في عدة مناطق بأرياف حلب وادلب وحماة، ليبلغ عدد الضحايا المدنيين 18 شخصا، بينهم خمسة أطفال، فيما لم يسجل أي استهداف لمنشآت وبنى تحتية في المنطقة.
ومع عودة التوتر في العلاقة الروسية التركية، وتشابك بعض الخيوط في عدة ملفات منها الملف الليبي، والأخير في أذربيجان، بدأت وتيرة القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات نظام الأسد والميليشيات المتحالفة معه تتصاعد تجاه المناطق المحررة المحاذية لخطوط التماس، وبالتزامن مع تعليق روسيا مشاركتها في الدوريات المشتركة مع القوات التركية على الطريق السريع "حلب اللاذقية" المعروف بالرمز M-4، بدأت صفحات إعلام النظام غير الرسمية بالحديث عن تحضيرات لمعركة جديدة في إدلب، خلال الفترة القصيرة المقبلة.
وكشف مصدر في غرفة عمليات "الفتح المبين" لبلدي نيوز، عن نوايا روسيا القادمة في إطار أولي لتطويق مدينة "أريحا" بريف إدلب الجنوبي الواقعة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية، عبر محاولات التقدم إليها من جبهات "سان ومجدليا والنيرب" بريف إدلب الشرقي.
وأضاف المصدر، أن روسيا تهدف من خلال تطويقها لمدينة أريحا، السيطرة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية، وبذلك تتمكن من السيطرة على جبل الزاوية بالكامل.
وأوضح المصدر، أن روسيا ستعتمد بشكل رئيسي في هجمتها المتوقعة على ميليشيا "الفرقة 25" والمعروفة بـ"قوات النمر"، والفرقتين التاسعة والرابعة عشر من مرتبات جيش نظام الأسد، بالإضافة لميليشيا حزب الله اللبناني وبعض الميليشيات الشيعية المدعومة من قبل إيران.
في الضفة الأخرى؛ عملت فصائل غرفة عمليات "الفتح المبين" والمؤلفة من فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" وجيوش وقطاعات "هيئة تحرير الشام" على تنظيم كوادرها وإعادة هيكلتها، من خلال إخضاعهم لدورات مكثفة في شتى الاختصاصات العسكرية، كالمشاة والمهام الخاصة، وأفواج المدفعية والصواريخ، وكتائب الإسناد والدعم، ووحدات الدفاع الجوي ومضادات الدروع وغيرها.
وعمدت إلى تنظيم الصفوف وتقسيم المقاتلين إلى ألوية، كل لواء مؤلف من 1500 مقاتل مقسمين على أربع كتائب، وكل كتيبة مؤلفة من أربع سرايا، ورفدهم إلى خطوط التماس وخطوط الدفاع، أو إشراكهم كقوات رديفة للنقاط العسكرية التركية المقابلة لقوات نظام الأسد وميليشياته.
مما يدل على جدية فصائل "الفتح المبين" في الحفاظ على ما تبقى من الجغرافيا المحررة، وصد أي هجمات عسكرية على امتداد محاور القتال من ريف حلب الغربي وحتى ريف اللاذقية الشمالي، مرورا بريفي إدلب الشرقي والجنوبي.
في وقت سابق، أصدرت غرفة عمليات "الفتح المبين"، في العاشر من يوليو/تموز الحالي، تعميما أعلنت من خلاله المناطق القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام السوري "منطقة عسكرية"، وحذرت من الاقتراب منها لأي شخص كان دون التنسيق مع قيادة المحاور، حرصا على سلامة المدنيين أولا، ومنعا لوقوع عمليات تسلل أو التفاف أو دخول خلايا نظام الأسد لنقاط الرباط المنتشرة في الجبهة المقابلة لمواقع قوات نظام الأسد وميليشياته.
بشكل متكرر، يصرح الساسة الأتراك ووزير الدفاع التركي بسريان اتفاق الخامس من مارس/آذار رغم ما وصفوه بـ"بعض الخروقات"، التي لم يوجهوا أصابع الاتهام لأي جهة أو تنظيم عسكري بارتكابها.
في حين تواصل تركيا بشكل يومي إدخال أرتال عسكرية لتعزيز نقاطها الممتدة على طول المحاور سابقة الذكر، بالأسلحة المتوسطة والثقيلة والمعدات اللوجستية والمدرعات ومنظومات الدفاع الجوي، حيث تجاوز عدد النقاط العسكرية الواقعة في المنطقة الممتدة من سهل الروج غربي إدلب وحتى قرية آفس في ريف إدلب الشرقي أكثر من 22 نقطة عسكرية، بعدد أفراد قارب الثلاثين ألف من قوات الجيش التركي والكوادر اللوجستية المتعاقدة مع وزارة الدفاع التركية، مما يشكل حزاما دفاعيا هو الأقوى في حال أرادت الإدارة التركية منع روسيا وقوات نظام الأسد من اجتياح مناطق جديدة.